الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

التعاون الاقتصادي والملف الإيراني يتصدران زيارة الرئيس الروسي للسعودية.. بوتين يؤكد تنشيط التبادل التجاري والمشروعات الاستثمارية بين موسكو والرياض وأبوظبي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حل الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» ضيفًا على المملكة العربية السعودية في ١٤ أكتوبر الجاري، وجاءت الزيارة في خضم تطورات كبيرة تمر بها المنطقة، تتمثل في التدخل التركى في سوريا، والتوتر مع إيران واستهداف المنشآت النفطية السعودية، لكن تصدر المشهد السورى أولويات الزيارة والتى أقر خلالها بضرورة خروج كل القوات الأجنبية منها. 
وتباينت العلاقات الروسية الإيرانية تاريخيًا بالتفاهم والتعاون تارة والصراع تارة أخرى في ظل أجواء شرق أوسطية شديدة الاضطراب، سيما بعد عام ٢٠١١ العام الذى شهد عدد كبير من الانتفاضات في الشرق الأوسط. وعليه، كانت فكرة الوساطة بين طهران والرياض من أهم المحاور المطروحة على أجندة زيارة الرئيس بوتين للمنطقة العربية والتى شملت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء الباكستانى «عمران خان» لطهران. 
أهمية الزيارة 
تأتى زيارة الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» إلى كل من الرياض وأبوظبى في ظل تطورات خطيرة تمر بها المنطقة تتمحور حول التدخل التركي في سوريا والتوتر القائم بين السعودية وطهران على خلفية اتهام إيران بالضلوع في حادث الهجوم على منشآت نفط تابعة لشركة أرامكو السعودية، مما تسبب في انخفاض حجم الإنتاج العالمى من النفط باعتبار المملكة العربية السعودية من أكبر من منتجى النفط على مستوى العالم، وبالتالى ارتفاع سعر النفط في السوق العالمية. 
كما تتطلع روسيا إلى تنشيط عملية التبادل التجارى والمشروعات الاستثمارية بين كل من موسكو من جانب والرياض وأبوظبى من جانب آخر؛ فعلى الرغم من تراجع أسعار النفط الخام، وهبوط إيرادات الدول المنتجة للنفط، إلا أن الرئيس الروسى يجد في الرياض وأبوظبى قبلتين لتحفيز رؤوس الأموال الروسية، وتأتى هذه الزيارة في ظل قيادة المملكة العربية السعودية لعملية توسع كبيرة في قطاعات الاقتصاد غير النفطى يتمثل أبرزها في صناعات السيارات وأجزاء الطائرات، السياحة الترفيهية والبحرية، ما يجعلها قبلة للاستثمارات العالمية.
كما يأتى التعاون بين موسكو والإمارات في كثير من القطاعات الاقتصادية يتصدرها شراء الوقود النووى الروسى لاستثماره في برامج الطاقة السلمية، في الوقت الذى شارفت الإمارات على الانتهاء من بناء مشروع براكة النووى الواقعة في منطقة الظفرة في أبوظبي، والمؤلفة من ٤ محطات نووية؛ حيث يعتبر هذا المشروع بمثابة أكبر موقع إنشائى لمحطات طاقة نووية في العالم، يجرى خلاله بناء أربع محطات متطابقة في آن واحد، وتهتم الإمارات أيضًا بنقل التقنيات والتكنولوجيا الروسية إلى الإمارات العربية المتحدة. 
يكشف تاريخ العلاقات الروسية الإيرانية عن أن هذه العلاقة كانت محصلة بعض العوامل التى تدفع إلى تحسين العلاقات والبعض الآخر الذى يقود إلى العمل في الاتجاه المضاد الذى يعرقل تحسنها وتطورها؛ لكن الأمر الواضح أنها كانت وما زالت محكومة بالسعى لتحقيق المصالح والمكاسب مدفوعة بدرء المخاطر، ولعل هذا ما يفسر حالة التأرجح الموجودة في مسار العلاقات بين طهران وموسكو، كما يحتل إقليم الشرق الأوسط أهمية خاصة بالنسبة لكلا الدولتين، فالمنطقة بشكل عام والخليج بشكل خاص لطالما كان محل طموح سوفياتى للوصول إلى المياه الدافئة، وكسب المزيد من النفوذ على حساب الولايات المتحدة الأمريكية، كما فرضت الأزمة السورية نوعا من التحالف النسبى بين موسكو وطهران؛ حيث سبقت طهران روسيا بالتدخل في الأزمة والوقوف إلى جانب الرئيس السورى «بشار الأسد»، وتدخلت روسيا للدفاع عن مصالحها، التى أدركت أنها باتت مهددة، ولكن من المهم الإشارة إلى حدثين مهمين في مسار العلاقات الروسية الإيرانية خلال الأزمة السورية، والتى تمثلت في عدة نقاط، أولا: الخلافات الإيرانية- الروسية حول مؤتمر فيينا: أعقبت هذه الخلافات مرحلة من التنسيق الروسى الإيرانى، الذى بدأ في العراق ثم في روسيا بعد قرار القيادة الروسية بالتدخل العسكرى في سوريا؛ حيث كان هذا المؤتمر وما صدر عنه بمثابة صدمة في مسار العلاقات بين موسكو وطهران بعد التدخل العسكرى الروسى في سوريا، والذى عرف باسم «عاصفة السوخوي» في ٢٠ سبتمبر ٢٠١٥، وعقد هذا المؤتمر في فيينا ٣٠ أكتوبر ٢٠١٥، والذى قبلت موسكو بنود التسوية السياسية، والتى تمثلت في وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة موسعة يليها إجراء تعديلات دستورية أو صياغة دستور جديد للبلاد يعقبه إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون ١٨ شهرا دون الإشارة إلى مستقبل الرئيس السورى على نحو ما أرادت طهران.
ثانيا: التصعيد التركى الأمريكى ضد روسيا في سوريا وانعكاسه على العلاقة مع طهران، أثرت المواقف الدولية والإقليمية على مسار العلاقات الروسية الإيرانية في سوريا والتى تأرجحت بين التنافس والتعاون؛ لكن تسببت بعض العوامل الأخرى في لعب دورا محوريا فيما يتعلق بإعادة التوافق الروسى الإيرانى مرة أخرى بعد أحداث مؤتمر فيينا، والتى تمثلت في إسقاط تركيا إحدى الطائرات الروسية في الأجواء السورية، والضربات الأمريكية على وحدات الجيش السورى في دير الزور. ثالثًا: الوساطة الروسية بين طهران والسعودية حيث كانت الوساطة بين المملكة العربية وإيران أهم محاور زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لكل من الرياض وأبوظبي؛ حيث اعتبر الرئيس الروسى أن كلا الطرفين لا يحتاج إلى وساطة أى طرف لحل الخلافات العالقة، حيث قال بوتين في ذلك «دور الوسيط ليس محمودًا، أعتقد أن شركاءنا في إيران أو في السعودية ليسوا بحاجة إلى وساطة، بما أنه تربطنا علاقات جيدة مع جميع دول المنطقة، مع الإيرانيين ومع العالم العربي، والسعودية والإمارات بالطبع، ولدينا علاقاتنا الإقليمية، يمكننا نقل مواقف الدول بين طرف وآخر، لكننى أعرف شخصيا قادة هذه البلدان، فهم لا يحتاجون للنصح والوساطة، يمكن التحدث معهم فقط من باب الصداقة، وكيفية صياغة بعض الأفكار لصديق، وكونهم أذكياء، فإنهم سيصغون ويحللون ما ينقل لهم، وانطلاقا من ذلك يمكننا لعب دور إيجابي». 
كما تزامنت هذه الزيارة مع رغبة عدة دول في المنطقة للقيام بدور الوساطة بين البلدين وتمثل أبرزها في الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت، فضلا عن دولة باكستان التى قام رئيس وزرائها عمران خان بزيارة طهران في ١٣ أكتوبر لعام ٢٠١٩ للقيام بهذا الدور، حيث عبرت طهران عن رغبتها في حل الخلافات العالقة مع المملكة العربية السعودية، والتى يتمثل أهمها في الملف اليمنى والنزاع القائم بين الرياض وجماعة الحوثى في اليمن. 
تتمثل أبرز دوافع طهران في التفاوض مع المملكة العربية السعودية في الرغبة بتخفيف الضغط الدولى الناتج عن العقوبات الاقتصادية الأمريكية والرفض العالمى لدورها المزعزع للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث تعانى الجمهورية الإيرانية من تدهور الاقتصاد، ارتفاع نسب البطالة والتضخم، وبالتالى انخفاض مستوى معيشة المواطن الإيراني، كما تحاول إيران من ناحية أخري، استمالة المجتمع الدولى على خلفية اتهامها بالهجوم على منشآت نفط تابعة لشركة أرامكو السعودية ورفض الكثير من دول الاتحاد الأوروبى النفوذ الإيرانى في المنطقة.