الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عبد الناصر والدوري.. وكابتن محمد لطيف!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الذين اقتربوا من عبدالناصر يدركون أنه كان عاطفيًا أكثر من اللازم، على عكس ما يتم الترويج له من أدبيات الأوصاف التى تترجم القسوة واستخدام منهج القرارات الصادمة وأنه يظهر خلاف ما يبطن وما يخفيه ولا يعرف أدنى ذرة من المرونة، بل رائده صلابة الرأى حيث تحكمه روح أحادية القرار.. والذين يعرفون أنه كان يسمح بمساحة للمحيطين به فنحن لا نعيش مجتمع الملائكة، لكن في حالة التجاوز يتخذ شئونه بما يمليه صالح البلاد.
لايجرؤ أحد مهما كان موقعه أن يزايد على الجانب العاطفى المؤثر بجوانب شخصية عبد الناصر نحو واجبه العائلى بحيث لا يصطدم بالصالح العام، والراصد لسلوكياته منذ أن كان ضابطًا كانت العائلة تشغل جزءًا أساسيًا في جدول أعمال دعمه لها، وكان الوالد يحمل إليه الهموم، خاصة أشقائه باعتبار هذه أسمى رسالة ليصلوا إلى بر الأمان... وبالنسبة لمسئولياته كأب مصرى في أعماقه جذور ثابتة من القيم شكلت وجدانه، فهو كان صديقًا للسيد مصطفى كاظم، شقيق السيدة تحية كاظم وهو الذى بشرها قائلًا.. جمال نجح يا تحية.. وحرصه على تربية أبنائه مكثفًا بالجهود الاستثنائية للسيدة حرمه، ورغم مسئولياته المتضاعفة، كان ينتهز الفرصة ليتابع المستوى الدراسي وفى مقدمتهم الدكتور خالد أول أبنائه، ولا أذيع سرًا إذا قلت إنه يتحقق بنفسه من طراز الشباب الذين يتعاملون مع ابنه، ومن هذه النماذج الطالب جلال مصطفى السعيد، وكان يداعبه عندما يدخل دون أى طقوس، لكنه يتصرف بفكر الأب القلق على مستقبل ابنه وصديقه، وعندما دخل بإحدى زياراته ظل يناقش زميل نجله، ويبدو أنه ترسخ في نفسه انطباع بأن هؤلاء الشباب أفضل من الجيل الحالى، لدرجة إنه قال: «تعرف لو أنت كبير شوية كنت اخترتك وزيرًا.. وتحققت نبوءته بعد ثلاث جمهوريات ورحيل توأم روحه خالد وأصبح جلال السعيد أستاذًا بالجامعة ثم محافظًا للفيوم ووزيرًا للنقل مرتين ومحافظًا للعاصمة في الجمهورية الرابعة.
لم يكن يتقن الرئيس تدليل أبنائه، فقد وجد أثناء تواجده باستراحة المعمورة سيارة مندفعة تتحرك، وخيل إليه أنها بدون سائق واكتشف بعدها أن حكيم أصغر أبنائه أخفى عن الأسرة قدراته على القيادة وحصل عليها، مما جعله يندفع بروح الأب، ولم يلتفت للحرس مستخدمًا حق الأبوة الصارمة، وكان من نصيب حكيم علقة ساخنة.
والفكرة ليست ممارسة تأديبية، لكنها رسالة باحترام القانون والمرور، وغيرها من القيم التى يحرص على غرسها في هذه السن، والواقعتان تعكسان الثواب والعقاب ومعيار التوازن الأسرى العادل.
وتأتى مسئولياته الأخوية وتحلى روح التعاطف والجسر الوجدانى بينه في الحادث الذى تعرض له الليثى عبد الناصر على الطريق الصحراوى ونقل بعدها للعلاج بـ«المواساة» وأشرف على العلاج جاره الدكتور محيى الدين النحراوى، وهو والد الراحلة أفكار النحراوى، وهى شقيقة زوجة اللواء بحرى عبدالحميد، وعاونه الدكتور عدلى قطرى، مدير المواساة، والدكتور أحمد السيد درويش، عميد كلية الطب وعضو اللجنة المركزية، وكان أول من وصل الرائد مصطفى عبدالناصر بحكم معلوماته المخابراتية، تلاه الأستاذ عز العرب، وقرر الرئيس التوجه للإسكندرية ليلًا وتبعه شقيقه شوقى، ثم اللواء بحرى رفيق عبدالناصر، وتوجه الرئيس إلى غرفة الليثى واطمأن على الحالة، وكانت الوساوس تحيط به، خاصة أن الإصابة عنيفة وجاء على الفور أعظم جراحى مصر وتبعه الدكتور محمود صلاح الدين، وزير الصحة الأسبق، ولمقامه الرفيع كان يناديه الرئيس.. يا باشا.. لعلمه الغزير وقدرته على التشخيص وتكون درجة قياسة للحرارة أدق من الجهاز.
عندما توجه الرئيس لاستراحة المعمورة لم تكن مجهزة، وعندما ذهب للمستشفى قال لأحمد كامل محافظ الإسكندرية يا أحمد لم أتناول الإفطار والعشاء، وتم تجهيز إفطار بالمستشفى ولأفراد الحرس وانتقل لمنزل «متحف المجوهرات»، فلم تكن الاستراحة مجهزة ببطاطين، فهى منتجع صيفى والحادث وقع في فبراير.
كانت الجامعة تذخر بفريق من أساطين الطب، منهم د. صموئيل بقطر ومحيى الدين سعيد وأنس عابدين، الذى تعلم على يديه الدكتور مراد غالب، الذى وجد صعوبة في اختباراته ووجد طريقًا لتغيير المسار ونجح في مسابقة وزارة الخارجية، وظل يتدرج فيها حتى أصبح وزيرًا للخارجية، رغم أن أساسه العلمى أستاذ الأنف والحنجرة، ومحمد لطفى بيومى، أستاذ التحاليل الطبية، وهو شقيق حرم أستاذنا الكبير توفيق الحكيم.... هذه الكوكبة كانت تحيط بشقيق الزعيم الليثى عبدالناصر ويتابعهم، وفى مقدمتهم أستاذ الأشعة العظيم جمال الدين مسعود، وكان أكبر الأشقاء عز العرب الوحيد من الأشقاء الذى يجلس في المجلس الذى يرأسه الزعيم وباقى الأشقاء اختارت لهم إدارة المستشفى غرفة في ذات الدور؛ لكى يستقبلوا المستفسرين ويتولى المتابعة شوقى وينوب عنه مصطفى عبدالناصر، إذا سمحت مسئولياته، وللأمانة، فإن جميع أشقاء الرئيس، خاصة جيل الشباب تحسب عليهم كل خطوة، لدرجة رصد حركة التنفس شهيقًا وزفيرًا.
وبعد أن شفى الليثى، وعند عودته، كان من المودعين الكابتن محمد لطيف وسأله.. يا لطيف إيه أخبار الكورة؟ فرد عليه.. الدوري.. اعملوه بطريقة تانية، لافتًا عن حالة الحرب، وأن وقائع هذا الحوار نشره الكابتن محمد لطيف تفصيلًا في كتابه المرجع «الكورة حياتي».