السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لجنة أجرانات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل يعلم أحد الجهابذة من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي أو من شباب البنطال الساقط والممزق، أو من دعاة إسقاط النظام واستبداله بالفوضى، هؤلاء الذين خرجوا علينا أثناء احتفالنا بذكرى نصر أكتوبر العظيم، وارتدوا نظارة الخبراء والمحللين السياسيين والاستراتيجيين، وأعلنوا بكل بجاحة أن مصر لم تحقق نصرًا في حرب أكتوبر 73، وكأنهم الأعلم والأقدر والأكثر فهمًا من العالم بأسره، هل يعلم هؤلاء جميعًا أو طالع أحدهم (وهم قلة على أية حال) سطرًا واحدًا من تقرير لجنة أجرانات؟ وهل يعرفون أساسًا من هو أجرانات، وما اللجنة التى سميت باسمه، ومتى تم تشكيلها، وما الذى جاء في تقريرها؟ ولهؤلاء الذين يرددون أقوال أعداء الوطن كالببغاوات ويتصورون أنهم بذلك ينالون من قدر جيشنا العظيم، نقول لهم يا أيها الجهلاء لقد قرر الكنيست الإسرائيلى في نوفمبر 73، عقب انتهاء الحرب مباشرة تشكيل لجنة برئاسة شمعون أجرانات رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية، وقد ضمت اللجنة في عضويتها قضاة آخرين إلى جانب خبراء عسكريين شغلوا منصب رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلى، وأصدر الكنيست قانونا يحصن به اللجنة ويمنح أعضاءها سلطة الاطلاع على أدق التفاصيل والأسرار العسكرية والاستخباراتية وشرعية استجواب أى مسئول في الدولة، وذلك بهدف الوقوف على أسباب الهزيمة ومعرفة أوجه القصور، ومعاقبة كل من تسبب في عبور الجيش المصرى قناة السويس وتحطيمه خط بارليف المنيع، وتقدمه نحو الشرق بمسافة تزيد على خمسة عشر كيلو مترا، بعد ما قصف الطيران المصرى جميع مطارات إسرائيل الموجودة على أرض سيناء، وأحدث ربكة للحكومة وللجيش الإسرائيلى، حتى إن رئيسة الوزراء جولدا مائير بكت وهى تحدث وزير الخارجية الأمريكى كيسينجر، وراحت تردد: «إنقذوا إسرائيل».. ووقف وزير الدفاع الإسرائيلى موشى ديان عاجزًا أمام الصحفيين في اليوم الثالث للمعركة، وقال: «كل ما أستطيع قوله هو أن الوضع جد صعب ومخيف».
وقد بدأت اللجنة عملها في 21 نوفمبر 1973، وعقدت ما يقرب من مائة وخمسين جلسة، استمعت فيها إلى شهادة كل المسئولين سواء من العسكريين أو السياسيين، وخلصت في النهاية إلى تقرير يصل إلى قرابة ألف وخمسمائة صفحة، وقد جاء فيه بالحرف الواحد، إن قادة إسرائيل قد أجمعوا على أن المصريين قد خدعوهم «لقد خدعنا المصريون ولم نتصور أنهم سوف يعبرون قناة السويس، ولم يخطر على بال أحدنا أن الجندى المصرى المنهزم في يونيو 67 سوف يحارب بهذا الاقتدار، كما أن أكبر مفاجأة لنا كانت في هذا التخطيط البالغ الدقة»، وحملت اللجنة رئيس الأركان الإسرائيلى إليعازر مسئولية عدم تقدير الوضع، وأوصت بعزله من منصبه، وكذلك إلياهو زعيرا رئيس المخابرات، وعلى ضوء تقرير هذه اللجنة استقال أيضًا موشى ديان من منصبه كوزير للدفاع، ولم تستطع رئيسة الوزراء جولدا مائير أن تواجه الغضب الشعبى الإسرائيلى بعد نشر أجزاء من هذا التقرير، فتقدمت باستقالتها، وكتبت في مذكراتها التى نشرتها في كتاب بعنوان «حياتى»: «لا شىء أقسى على نفسى من كتابة ما حدث في أكتوبر، فلم يكن ذلك حدثًا عسكريًا رهيبًا فقط، إنما كان مأساة عاشت وسوف تعيش معى حتى الموت، لقد وجدت نفسى فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ إنشائها». وبعد تسليم شمعون أجرانات التقرير إلى الكنيست، تمت الموافقة على نشر ما يقرب من خمسين ورقة فقط، وذلك خوفًا من كشف الأسرار العسكرية وبث الطاقة السلبية في نفوس جنود الجيش الإسرائيلى، وكانت هذه الصفحات القليلة كفيلة بفضح الكارثة وإعلان الهزيمة، ولكن في عام 1995 وافق رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحاق رابين على نشر التقرير لمرور أكثر من عشرين عامًا على الحدث، وهو الحكم الذى كانت قد قضت به المحكمة العليا في إسرائيل، فتم نشر التقرير عدا ثمانية وأربعين صفحة تخص الأمن القومى الإسرائيلى، وقد كشف تقرير أجرانات عن حجم الخسائر المهول الذى منيت به إسرائيل سواء في المعدات أو الأرواح، ويكفى القول إن الأيام الأولى للمعركة قتل فيها من الجانب الإسرائيلى أكثر من ألفين وخمسمائة جندي، وفى تفريغ مكالمة بين قائد المنطقة الجنوبية «سيناء»، ورئيس الأركان، اعترف القائد بأنه لا يستطيع المقاومة، وأن جنوده يتساقطون، وأن المصريين يتقدمون ولا شىء يوقفهم، وفى اليوم الخامس للمعركة قال موشى ديان في مجلس الوزراء «إننا نواجه هزيمة عسكرية حقيقية»، والتقرير يحتوى على إقرار جميع القادة في إسرائيل بأن الجيش المصرى قد حقق انتصارات مذهلة، وأن أحدًا لم يكن يتخيل أبدًا أن المصريين بمقدورهم عبور قناة السويس، ثم تحطيم خط بارليف وإقامة رءوس كبارى ثم نقل ما يقرب من ثمانين ألف جندى بمعداتهم وعرباتهم ودباباتهم وأسلحتهم إلى الجبهة الشرقية للقناة، فهذا كله درب من الخيال ولا يمكن تحقيقه، لأنه يحتاج لوقت طويل، وبالقطع، فإن الجيش الإسرائيلى لن يقف متفرجًا أثناء ذلك، وسيقضى تمامًا على أفراد الجيش المصرى في أقل من ساعة، ولكنها المعجزة العسكرية المصرية والملحمة التى فاقت كل التوقعات، فلقد تمكنت الضربة الجوية الأولى من شل حركة الطيران الإسرائيلى وإرباك إسرائيل، وانطلقت المدافع لتغطى الجنود أثناء عملية العبور، كما أن رجال الصاعقة كانوا قد عبروا سرًا في الخامس من أكتوبر وزرعوا الألغام في طريق الدبابات الإسرائيلية، ترى: هل اطلع هؤلاء الحمقى الذين يقولون ما لا يفقهون على تقرير لجنة أجرانات التى أحالت معظم قادة إسرائيل إلى التقاعد، واعترفت صراحة بالهزيمة؟ بالقطع لا، إن الجيش المصرى أيها الجهلة السفلة قد حقق معجزة حقيقية في أكتوبر 73، وستظل خالدة أبد الدهر، شاء من شاء وأبى من أبى.