الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

أبو القاسم الشابي.. صعود الجبال

 أبو القاسم الشابي
أبو القاسم الشابي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"وَدَمدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجَاجِ وَفَوْقَ الجِبَال وَتَحْتَ الشَّجَر/ إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر/ وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر/ وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر"؛ أبيات خالدة سطرها الشاعر التونسي الأشهر أبو القاسم الشابي الذي بارز بقصيدته أجيال من سابقيه من الشعراء العظام، فهو صاحب موهبة استثنائية رغم مباغتة القدر له، وعدم إمهاله ليكمل مسيرته الإبداعية حيث رحل وهو في أوج شبابه ولم يتجاوز الخامسة والعشرين بعد، إلا أن هذا العمر القصير لم يمنعه من أن ينال الشهرة الكبيرة والصيت الذائع في أركان الوطن العربي.
"إذا الشّعْبُ يَوْمًَا أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر/ وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر/
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر/ فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر"؛ قلب "الشابي" الذي خفق بالشعر، هاجمه المرض مبكرًا وتحديدًا عقب تخرجه في جامع الزيتونة أعرق الجامعات العربية أو قبلها بقليل، ولكن أعراض الداء لم تظهر عليه واضحة إلا في عام 1929، وكان والده يريده أن يتزوج فلم يجد أبو القاسم الشابي للتوفيق بين رغبة والده ومقتضيات حالته الصحية بدًا من أن يستشير طبيبًا في ذلك، وذهب الشابي برفقة صديقة زين العابدين السنوسي لاستشارة الدكتور محمود الماطري، ولم يكن قد مضى على ممارسته الطب سوى عامين حينها، وبسّط الماطري للشابي حالة مرضه وحقيقة أمر ذلك المرض، غير أنه حذره من عواقب الإجهاد الفكري والبدني، وبناء على رأي الماطري وامتثالًا لرغبة والده عزم الشابي على الزواج وعقد قرانه.
"وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر/ فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَـابِ وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر/ وَأَطْرَقْتُ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَـر/ وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ لَمَّا سَأَلْتُ: أَيَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟"؛ يبدو أن الشابي كان مصابًا بالقلب منذ نشأته، وأنه كان يشكو انتفاخًا وتفتحًا في قلبه، لكن حالته ازدادت سوءًا فيما بعد بعوامل متعددة منها التطور الطبيعي للمرض بعامل الزمن والشابي كان في الأصل ضعيف البنية ومنها أحوال الحياة التي تقلّب فيها طفلًا ومنها الأحوال السيئة التي كانت تحيط بالطلاب عامة في مدارس السكني التابعة للزيتونة. ومنها الصدمة التي تلقاها بموت محبوبته الصغيرة، ومنها فوق ذلك إهماله لنصيحة الأطباء في الاعتدال في حياته البدنية والفكرية، ومنها أيضًا زواجه فيما بعد. 
ولد أبو القاسم الشابي في 24 فبراير 1909م، ورحل عن عالمنا فجر التاسع من أكتوبر من عام 1934، بعد أن ترك عددًا كبيرًا من قصائده التي آثرت وجدان العالم العربي من بينها "أيُّها الحُبُّ أنْتَ سِرُّ بَلاَئِي، سَئِمْتُ الحياة، وما في الحياة، أَلا إنَّ أَحْلاَمَ الشَّبَابِ ضَئِيلَة، في اللّيل نَادَيتُ الكَوَاكِبَ ساخطًا، فلسفة الثعبان المقدس"، لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ"، ونقل جثمانه إلى توزر ودفن فيها، وقد نال الشابي بعد موته عناية كبيرة ففي عام 1946 تألفت في تونس لجنة لإقامة ضريح له نقل إليه باحتفال مهيب تقديرًا لما قدمه للأدب التونسي والعربي.