الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صراع الوعي والعالم الافتراضي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعرضت مصر لموجة عبثية من مجموعة مغرضين لديهم من الأحقاد والقناعات ما يكفى لهدم أى كيان، وتسلحوا بقنوات إعلامية تسببت فى خراب الوطن العربى منذ انطلاقها، وبداية من سقوط بغداد إلى سقوط دول الربيع العربى، مجموعة من فاقدى الهوية الوطنية باعوا أنفسهم لأجندات دول سعت إلى إسقاط الجيوش العربية واحد يلى الآخر.
أزاحوا العراق من خريطة العالم وانتهى جيش من أقوى الجيوش العربية التى كانت قادرة على مواجهة العدو، ثم توالت خططهم للقضاء على الجيش السورى، خط الدفاع الأول للجيش المصرى الذى تبددت أحلامهم على أعتاب حصونه.
من يتابع ومن يتجاهل ما يحدث لا يستطيع إنكار هدف تلك الفئة وهو إسقاط الجيش المصرى لكى تخلو المنطقة العربية لهم ويستطيعون تقسيم الغنائم فيما بينهم. ولكنهم تناسوا وأغفلوا أن الجيش المصرى هو جيش شعب وليس جيش مرتزقة، جيش له مكانه فى قلوب المصريين، جيش يحمل لواء شرف أمة تتكاتف وتتلاحم أجسادها دفاعا عن تراب وطن امتزجت به دماء الشهداء وقت الانتصار والانكسار. جيش مصر لكى تقوم بإبادته فأنت تريد إبادة ١٠٠ مليون مصرى فدائى.
ومن واقع التاريخ السابق ليناير ٢٠١١، وتحديدًا منذ عام ٢٠٠٠، تم إعادة تشكيل الوعى المصرى ونشر ثقافات مختلفة لتغيير الواقع وتحويل العادات والتقاليد والثوابت إلى قوالب هشة انهارت أمام الرغبة فى الحريات الزائفة.
منذ ذلك التاريخ دخل المال السياسى فى مجال الإعلام وانتشرت الفضائيات الخاصة والصحف المملوكة لرجال الأعمال.
فقد سمح نظام الرئيس مبارك فى ذلك الوقت بمساحة من الحرية غير المسئولة، حرية نالت من هيبة أجهزة الدولة ومن رموزها، حرية غيبت وعى جيل كامل وأفقدته معانى الولاء والانتماء وإحساس المواطنة.
جيل تحول إلى قنبلة موقوتة جاءت وسائل التواصل الاجتماعى لتعطيه البراح لإفراغ رغبته وشهوته لهدم الوطن تحت أمل زائف ألا وهو التغيير إلى الأفضل، فأصبح هذا الجيل أسيرًا لوحدته فى العالم الافتراضى لمواقع التواصل الاجتماعى، ليخلق له حياة هو من اختارها ليعبر عن رأيه، ويتعايش مع أصدقاء افتراضيين، صلة الرحم بينهم هى اللايك والشير، والمودة والرحمة أصبحوا بلمسات أصبع على لوحة التحكم «الكيبورد».
هذا الجيل الذى انتفض واتخذ رموزا تاجرت بأحلامه، قام بتنفيذ مخطط استراتيجى لهدم مصر دون وعى منه بذلك؛ لأنه كان أسير الحلم والرغبة فى إثبات الذات. ولكن النوايا الخبيثة التى تلاعبت بأرواح وطموح هذا الجيل اتضحت سريعًا وتصدى لها الشعب يوم الفراغ الأمني. وتصدى لها الجيش إلى أن أعادها إلى بلادها وخيبة الأمل فى هدم مصر تملأها.
ولكن الشيطان لم يتعظ وعاود الظهور مرة أخرى باستراتيجية جديدة وجيل مختلف، جيل اتخذ من الشتائم والبذاءات لغة حوار، جيل أصبحت الحرية عنده تتجاوز مفهوم الشرف، ولذلك استخدم الشيطان معهم المقاول بدل صاحب جائزة نوبل لتحريضهم ضد وطنهم.
ولكن بعيدًا عن إنجازات الدولة وقدرتها على وضع مصر على خريطة العالم من جديد واستعادة قوتها وإرادتها لرسم مستقبلها بحريتها، لا بد من الاهتمام بالهوية المصرية وبرفع وعى هذا الجيل لكى تنتهى محاولات الأعداء المتكررة لاستغلالهم، فنحن فى أشد الاحتياج إلى خطاب إعلامى صادق وقوة ناعمة لتشكيل الفكر والوجدان الوطنى والقضاء على الظواهر السلبية فى كافة المجالات خاصة الفن.
فالاستهداف الممنهج والمخطط له من قبل جماعات العنف ومن يدعمها، يحتاج دائما لوقود للمعركة، يصنع من خلاله الدارسون للعنف المسلح، وسيلة لضرب الدولة وأهدافها، والوقود فى تلك الحالة، هم شباب مصر، وطبقتها الوسطى، الذى يحاول من خلالهم أعداء الوطن، صناعة المساحة، لتمرير أهدافه المنتقاة بعناية، لا يهمه فى ذلك سوى هدم الوطن، وضرب أركانه، لا يتوقفون عند نقطة بعينها، ولنأخذ مثالا لذلك، ما حدث فى البورصة المصرية، خلال الأسبوع الجارى، حينما خسرت أكثر من ٣٠ مليار جنيه، فتجد التعليقات كلها من أنصار الإخوان، ومن يسعون لهدم مصر، بأنهم يتمنون دائما حدوث ذلك، لا يعلمون وهم يدعون، بأنهم يدعون بسقوط الوطن، وليس سقوط النظام.
أدوات الاستهداف للشعب المصرى كثيرة، لكن دائما ما يبدأون بضرب الطبقات الشعبية، بحثا عن المكاسب السريعة، ويعملون فى ذلك على عدة نقاط رئيسية، من أهمها ضرب الثقة فى مؤسسات الدولة، ثم هدم الرموز والشخصيات، وكذلك ضرب المصادر السيادية والحيوية فى الدولة، وهم الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، ومن تلك الأدوات مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد نجد كثيرين ينزعجون من هاشتاج أصبح تريند على «تويتر»، أو تويتة ساخنة حازت على نصيب الأسد من «الريتويت»، أو بوست انتشر بكثافة على «فيسبوك»، وحصل على أعلى اللايكات، أو فيديوهات مفبركة، وهو انزعاج غير مبرر، وتأثيراته وبصماته لا تظهر إلا فى الخيال، وتبتعد كل البعد عن أرض الواقع.
وهناك فارق شاسع بين الخيال والواقع على الأرض، ونؤكد أن السوشيال ميديا، لم تؤثر سلبا أو إيجابا فى أى استحقاق، بما فيها الاستحقاقات الانتخابية، منذ استفتاء الإعلان الدستورى ١٩ مارس ٢٠١١، وحتى الانتخابات الرئاسية ٢٠١٨، علاوة على أن معادلة قوة الناشطين وتأثيرهم فى مواقع التواصل الاجتماعي، «العالم الافتراضى» قد اختل ميزانها، ولم يعد هناك قوى تقليدية، من أعضاء يناير ٢٠١١ أو جماعة الإخوان، مسيطرة، وإنما هناك ظهير للدولة سيطر رغم أنه يغرد بشكل منفرد، بعيدا عن التجييش أو ما يطلق عليه اللجان الإلكترونية.
ونظرا لهذا العزف المنفرد، فإن البعض ينزعج من فكرة صعود «تريند» ساخن، اعتقادا أن له صلة بالواقع، ودون أن يدرى أن من السهولة بمكان أن تصنع عشرات الهاشتاجات يوميا، وتصعد تريندات، بسهولة ويسر وبعدد لا يتجاوز مئات من مشاركات الحسابات سواء داخل أو خارج مصر!!
الأخطر، أن الجماعات والتنظيمات الإرهابية، والحركات الفوضوية، بجانب كيانات خارجية معادية، تدير بشكل مقنن عمليات الهاشتاجات والتريندات، بما يخدم أهدافها ومصالحها الشخصية، من خلال امتلاك مئات الحسابات الوهمية، أو ما يطلق عليها «الذباب الإلكترونى» لدعم هاشتاج ساذج هنا، أو دعوة مثيرة للفوضى هناك!!
وللأسف الشديد، ينساق البعض كالقطيع وراء الهاشتاجات والتويتات والبوستات، ويفتحون أذرعهم، لمناقشتها والترويج لها، دون إدراك من هؤلاء أن مواقع التواصل الاجتماعى خطر حقيقى عليهم بالدرجة الأولى، ومدمر لأمنهم واستقرارهم.
وتأسيسا على ذلك، فإن السوشيال ميديا، عالم وهمى، بعيد كل البعد عن الواقع على الأرض، وأن الهاشتاج والتريند صنيعة أعداء الأمة من كل حدب وصوب، ولجان وهمية لا وجود لها، ومؤخرا، رأينا بأم أعيننا تريندات تخطت المليون، وبالبحث وجدنا أن معظمها حسابات وهمية، والآلاف منها فى الجزائر وقطر والكويت والمغرب وعُمان والهند، وغيرها من الدول، وأن هؤلاء خلقوا جوا ملغما فى مصر بعيدا عن الواقع.
وإذا ألقيت بنظرك إلى خارج الحدود لتتعرف على طريقة التعامل مع السوشيال ميديا، فى الدول المختلفة، وتحديدا الدول المعادية لمصر، فستجد الحسم والقوة، ففى إسرائيل كتابة أى شىء يتعلق بالجيش الإسرائيلى على «فيسبوك» أو «تويتر» يتطلب الحصول على تصريح مسبق، وهو ما أعلنته وزارة الأمن الداخلى الإسرائيلى صراحة، بل أكدت أن أجهزة الأمن تتابع كل شبكات التواصل الاجتماعي، بل وتجمع معلومات شخصية عن النشطاء عن طريق صفحاتهم الخاصة بكل منهم على «فيسبوك»، وتزرع رجال شرطة سريين داخل خيام الاعتصامات حال إقامتها، هذه طريقة إسرائيل وكيف تحافظ على أمنها واستقرارها، بقوة القانون دون رعب وخوف.
أما تركيا، فيكفى أن أردوغان ورفاقه اتخذوا قرارات بحظر مواقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» و«تويتر» فترات طويلة.
أما فى قطر، فلا يستطيع مواطن أن ينبس بشطر من كلمة «اعتراض» أو «نقد»، فمصيره إسقاط الجنسية وطرده من البلاد فورا، أو الاختفاء القسرى فى ظروف غامضة.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها