الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حوار لم يكتمل!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مجرد سؤال.. كيف أقدم جمال عبدالناصر على إصدار قرار ضد شقيقه مصطفى رغم أنه يعمل في جهة سيادية؟.. تبدأ الوقائع في شهر سبتمبر، فقد مر شهر أغسطس في إحدى سنوات الستينيات بعنفوان سخونته، لدرجة أن المعتقل يفقد قدراته على التركيز في أسماء الأيام وطبيعتها والظلام يحيط بالمحبس، ولا يوجد أى نوع من الإحساس بالوقت وما يصدر من شعاع من المصباح المصاب بالأنيميا، ومشوار الدورة مرتين والغذاء، حيث توقفت في الأسبوع الأول وبادرت بالامتناع عن التدخين وحتى لا تكون السيجارة وسيلة ضغط نفسى علىَّ؛ لأن هذه معلوماتى عن داخل المعتقلات وقبيل حلول شهر شعبان وقعت انفراجة في الوقت، التى اعتبرت أنها وقفة مع النفس، كانت كافية لمراجعة حياتى، لم أكن وصلت لسن الثامنة والعشرين، وأول دفاع ركزت عليه، فتسلحت بفلسفة هل التحقيق المكتوب إثبات الواقعة داخل الإذن أو خارجه، ولكى نفسر هذه العبارة التى تعلمتها من خبرة أصدقائى القديمة، إن أى اتهام يتم بدفع شكلى، فإذا كان إذن النيابة صدر مكتوبًا قبل اتخاذ إجراءات الضبط بالواقعة مشفوعًا بالتلبس وقتها، تكون هناك مشروعية، ويمكن إقامة الإسناد في الاتهام، لكن الضبط خارج توقيت الإذن القضائى، فإنه يكسب المتهم مركزًا قانونيًا مختلفًا لأن العوار قائم.. وكنت مستعدًا إذا تعرضت للتحقيق مكتوبًا من باب الاحتياط، وحينما سألنى العميد سيد فهمى، حرصت في الحديث الشفهى، وكنت أخشى أن يكون مسجلًا، خاصة أن طبيعة الأسئلة يغلب عليها التحفظ الشديد والتحكم في التوجيه وحصار أسود كثيف الدخان يظلم الموقف، وفجأة ظهر بريق بشر ينطلقون من خلف البوابات المصفحة، وسمح بالحديث من أمام الزنزانة بصوت عال.. وكان بجوارى مصطفى مشهور، الذى أصبح فيما بعد المرشد للجماعة، وظهر من المتابعة فيما بعد أنه في عهد السادات هو الرجل الثانى بعد عمر التلمسانى، وعرفت أنه كان يمثل الجناح المتشدد بالجماعة والراديكالى القطبى ويبدو أننى خلال اختلاطى به قد رسبت في الامتحان.. وسألنى عن الصلاة وتلعثمت بالإجابة وانحصرت استفساراته عن طبيعة العمل، وما هى المهام التى نقوم بها مهنيًا، وكنت أشرح طبيعة عملى وما قمت به من مهام وتغطيات لأهم الأعمال منفردًا ومن خلال مجموعة مع الزملاء، وانحصرت العلاقة في الأحاديث الإنسانية وعرض على كيف كان يدخل المعتقل ويخرج فيرزقه الله بالأبناء وتخللت الأحادث مداعبات.. وسألنى عن تهمتى وكان ردي.. حتى الآن لم يسألنى أحد ولم يتم استجوابى، ووجدت علامات الدهشة، وأردت أن أبدد ظنونه بأننى لست عصفورة تم زرعها وسط النزلاء، لأعرف ما يدور بينهم من أحاديث تفيد جهات الضبط، وفهمت من ردوده أن محدثى مدرك أنه ليست لدى أى نوايا سيئة ضده، وفهمت أنهم مجموعة ليست نمطية، فهناك أفراد يبدو عليهم أنهم كوادر «استغلق عليهم التنظيم»، لكن ما يجمعهم هو الخط الذى انخرطوا فيه عقائديًا تحت شعار «السمع والطاعة»، وفجأة وجدت مصطفى مشهور يقول لى متسائلًا.. كيف تسكت على نفسك.. دى دولة مين حيفتكرك لازم تضرب الجرس.. ولاقت هذه النصيحة صدى في نفسى واختمرت الفكرة في ذهنى بعد أن قمت خلال الشهور الثلاثة بمراجعة النفس، وما جرى معى أمر غير مسبوق، ولكى أكون صادقًا فإن ارتباطى بالعمل العام وانخراطى في قلب الأحداث جعلنى استعرض السوابق بدقائق، ووقتها كان أقرب مثال هو مقابلة مع الليثى عبدالناصر، وحضر محمد عفيفى، أمين الاتحاد الاشتراكى بالعطارين، ودار الحوار حول قسوة العمل السياسى، وضرب الليثى مثلًا قائلًا: «لقد اجتمع مجلس قيادة الثورة لمدة 6 سنوات برئاسة اللواء نجيب، لمناقشة بند واحد بجدول الأعمال، وهو مناقشة التجاوزات التى تحدث من الليثى عبدالناصر بالإسكندرية، والوحيد الذى ترك أعضاء المجلس يتناقشون الأمر بحدة، وترك الأمر لأن الموضوع يخص شقيقه واستقر الموقف على تعيين آخر يتولى الإشراف على هيئة التحرير وهو أحمد بدر المحامى، وهو الذى أصيب ببطنه من رصاص محمود عبد اللطيف بحادث المنشية، والثانى كان الوزير السودانى ميرغنى حمزة الذى أصيب بأصبعه الأيمن».. وأدرك أعضاء المجلس أن الأمر لا يعدو أكثر من محاولة لإبعاد أهل الثقة بمجلس الثورة، وأعيد الليثى عبدالناصر بعد سلامة موقفه فيما أسند إليه، ولكن كان نصيبه استدعاء من الرئيس له هو، وشعر أن الأمر يحمل الكثير فاصطحب معه شقيقه الأكبر عز العرب لمقابلة الرئيس، وعندما دخلا عليه قال عبدالناصر لعز العرب: إنت إيه اللى جابك هنا اتفضل أقعد بره.. وترك الليثى وحده ونال منه من التعنيف الشديد دون سماع أى دفاع والسبب ما أثير عن مساعديه بالعمل السياسى وهو أول موقف جعلنى أتحفظ بكل دقة.
عندما تم تأسيس الاتحاد الاشتراكى أبديت رغبتى بالابتعاد، ويقول بكل صراحة السياسة أكلت صحتنا والأولاد في سن الطفولة.. وأسند الإشراف على تأسيس التنظيم الجديد للسيد زكريا محيى الدين، الذى قام بتشكيل المكتب السياسى منفردًا مستعينًا بالأجهزة التابعة له.. وبعدها تم ترشيح السيد حسن إبراهيم، نائب رئيس الجمهورية؛ ليكون أول أمين للاتحاد الاشتراكى بالإسكندرية، وفوجئ الرجل بإنه يتعامل مع الإسكندرية التى لا يعرفها.. فقد تغيرت تضاريسها السياسية وأصبح الطريق أمامه لأداء واجبه مليئا بالمطبات الصناعية والطبيعية التى تمليها واجباته السياسية إلى مواجهة مباشرة بين نائب رئيسه ومحافظ الإسكندرية، مما جعل الرئيس عبدالناصر يدرك أن هناك إشارات حمراء، واشتعل الموقف وقرر تكليف المشير عبدالحكيم عامر، لكى يقف أمام الفتنة وسيول الوشايات بين أكبر قيادتين، وأجرى عامر مكالمة مع حمدى عاشور المحافظ وقتها وسأله.. يا حمدى أنت بتشتغل إيه؟.. فرد عليه محافظ الإسكندرية يا فندم.. وسأل حسن إبراهيم فرد عليه نائب رئيس الجمهورية وأمين الاتحاد الاشتراكى، وهنا قال له عبدالحكيم سائلًا.. ومين أقدم فيكم «طبعًا يقصد الترتيب في الأقدمية بتنظيم الضباط الأحرار» ورد عليه أنا أقدم يا فندم وأنا دفعة سيادتك.. فرد عليه طيب يا حمدى أنا عاوزك تيجى بيت حسن إبراهيم بشارع رشدى وأنا سأكون موجودا.. لفتح حوار يتم فيه إسقاط أى خلاف أو شوائب أو رواسب.. وفوجئ حمدى عاشور بأن المشير استدعى للحضور المسئولين عن جهاز الأمن القومى والمباحث العامة واستعراض مواقف لمدبرى الفتنة وحصرهم وصدرت قرارات بإبعاد عدد كبير منهم من مناصبهم.