الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عنق «الدجاجة»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحاول أعظم شركات صناعة السيارات حول العالم استخدام نظام ثبات مبتكر في سياراتها الجديدة، في محاولة للتأقلم مع ظروف الطريق المفاجئة، فيقرأ نظام آلى نوعية الطريق أمام السيارة لمسافة عدة أمتار، وبناءً على هذا يتم تغيير نظام التعليق في السيارة وفقًا لزاوية الميل دون أن يشعر الركاب بذلك، فلا يشعرون بأى اهتزاز مفاجئ وتبقى السيارة منطلقة بثبات على الطريق، وقد استُوحى هذا النظام من صفة وسمة ربانية للدجاجة، وهى أن تبقى رأسها ثابتًا مهما تحرك جسمها..
السر وراء هذه الميزة التى تحقق أولًا «تجاوز الظروف المفاجئة»، وثانيًا «استقرار الراكب دون الشعور بأى اهتزاز»، هو «رقبة الدجاجة»، هذه المنطقة شديدة الحساسية والدقة والمرونة، والتى تحقق التوازن المطلوب.
في حقيقة الأمر، أن هذه الميزة لها مساس شبه مباشر بالدور الذى تضطلع به نخبة المثقفين والمفكرين، فكما يؤكد التاريخ وتجارب الأمم، تتضاعف مسئوليات النخب في اللحظات المحورية للمجتمعات، لدرجة أنها تفوق بأضعاف المرات مسئوليات العامة من الناس.
أتصور أننا نحتاج من النخبة المدنية في مصر والوطن العربى إلى أن تعود إلى وهجها السابق في الشارع، وتستعيد رشاقتها في كل المجالات وأدواتها، في محاولة لخلق التغيير اللازم بالأدب والمسرح والفن والإبداع، لترسيخ مفاهيمها في مواجهة جميع أنواع الشائعات وأشكال التطرف التى تهدف إلى هدم الدولة.
في وقت لاحق كانت الشائعات تتناقل شفهيًّا، واليوم أصبحت تتناقل سريعًا نتيجة التقدم التكنولوجى الذى أنتج «السوشيال ميديا»، التى أصبحت أداة خطيرة في ترويج وإطلاق الأكاذيب، لذلك نحن نحتاج بجانب الشفافية وإطلاق المساحة الكافية للمعلومة إلى الرد السريع للشائعة وبالوسيلة نفسها، وكذلك تقديم تفسيرات وتوضيحات للرأى العام حتى تكون الرؤية واضحة أمام الجمهور، وهذا هو دور النخبة التى تشكل وجدان المجتمع، والتى تقوم بالدور الإرشادى والتنويرى بهدف مواجهة أى قضايا محورية قد تهز المجتمع.
وكما نقرأ في التاريخ وفى تجارب بناء الحضارات، أن النخبة الثقافية والفكرية لها باع طويل في تحريك الطاقات الكامنة للشعوب، من خلال زرع وتحريك موجات الوعى المتواصلة، التى تؤثر في عقول الناس البسطاء وغيرهم، لذا يُنظر إلى المثقف على أنه مسئول فكرى مباشر، يمهد السبيل للشرائح الأخرى، كى تواصل سيرها في المسارات الصحيحة، وهى مهمة ليست بالسهلة، ولا بد من الالتزام بها في الوقت نفسه.
وفى الواقع لن يستطيع أى رئيس دولة القيام بجميع مهام ودور الخطاب الشعبي والدينى والعلمى والسياسى والثقافى، بل هو في الحقيقة دور النخبة المحلية الوطنية، التى تحتل مكانة مهمة داخل هرم اتخاذ القرار من قلب مؤسسات الدولة، والتى من المفترض أن تمتلك مساحة كبيرة من المصداقية في نفوس ووجدان الشارع.