الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الهوية والملتقى الثقافى لشباب محافظات الحدود

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الهوية المصرية من أهم البُنى التحتية التى تكونت عبر عصور وحقب التاريخ المصرى من خلال تراكمات حضارية ودينية وثقافية واجتماعية، فاستطاعت مصر التاريخ أن تشكل هذه الهوية التى كانت ولا زالت وستظل تعصم مصر وتحميها من كل صنوف التدخلات الحضارية الوافدة ومن كل أشكال الهجمات الاستعمارية المتعددة، حيث تشكلت هذه الهوية من نتاج حقب تاريخية مختلفة من فرعونية «أى مصرية قديمة» إلى يونانية ورومانية ثم قبطية وأخيرًا إسلامية، فهذه الحضارات شكلت الشخصية الحضارية المصرية التى احتمت بالثقافة المصرية الجامعة والحاوية للثقافة القبطية والإسلامية والبدوية والنوبية، ولذا كانت هذه التعددية الثقافية البنية التحتية والأساس السليم والمتين للثقافة الجامعة لكل المصريين سواء كانوا أصلًا على هذه الأرض أو من الوافدين عليها، حتى أن الأبحاث العلمية، تأكد أن المصريين يشتركون في جيناتهم بمعدل 97 بالمائة، ولذلك ظلت مصر طوال التاريخ تعرف بحق وعمليًا على أرض الواقع مبدأ قبول الآخر، أى آخر، سواء كان الآخر الدينى أو العرقى أو القبلى أو الثقافى أو الجغرافى، ولكن وبكل وضوح نرى الآن أن مصر تعيش مرحلة استثنائية غير طيبة لعدم قبول الآخر، وذلك لعدة عوامل تداخلت بين عوامل داخلية وخارجية، وعلى رأس هذه العوامل المخططات المؤامراتية التى تُعد وتُنفذ على أرض الواقع من كثير من بلاد المنطقة بهدف إعادة تقسيم المنطقة على أُسس طائفية لتقسيم وتفتيت القوة العربية لصالح الدولة الصهيونية، مع العلم أن تلك المحاولات تتم منذ القدم؛ حيث رأينا كم التدخلات الأجنبية بحجة حماية الإقليات الدينية منذ الحروب الصليبية، وحتى الآن بين المصريين المسلمين والمسيحيين، ناهيك عن إثارة القلاقل الطائفية والعرقية لتأجيج مشكلات تُطرح باسم البدو أو النوبة بهدف التقسيم، ولذلك نرى أن قبول الآخر، أى آخر، قد أصبح هدفًا استراتيجيًا يحمى الوطن ويصون وحدته ويعمق توافقه حتى يواجه تلك التحديات غير المسبوقة التى يواجهها.
وإذا كان مبدأ قبول الآخر يحتاج أول ما يحتاج إلى تصحيح الفكر الدينى الذى هو كلمة السر في هذا القبول، إلا أننا نحتاج أيضًا لتصحيح وتعميق خطاب تعليمى وإعلامى وثقافى لترسيخ وتكريس فضيلة قبول الآخر، ولذلك الجميع يعى أهمية ذلك الخطاب الثقافى وأهمية دور وزارة الثقافة بكل فروعها، وبخاصة هيئة قصور الثقافة؛ حيث إنها تنتشر على امتداد الوطن مما يلقى عليها مسئولية قومية، خاصةً أن الثقافة الجماهيرية، وهو المسمى السابق لقصور الثقافة، كانت قد قامت بدور ثقافى وفنى وتنويرى لا تزال آثاره قائمة حتى الآن، ذلك لأن موظفيها وكوادرها كانوا كوادر فنية ومثقفة، ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، فرأينا خلال الفترة الماضية، موظفى قصور الثقافة لا علاقة لهم بالثقافة، فأصبح دور هيئة قصور الثقافة دورًا ضعيفًا وعبئًا ثقيلًا على الدولة والمثقفين، لكن ومنذ أن تحمل الصديق الدكتور أحمد عواض رئاسة هيئة قصور الثقافة، وهو يحاول ويجتهد لتفعيل ونشر وتعميق دور قصور الثقافة، لكى تعيد مجدها الثقافى مرة أخرى، خاصةً في مثل هذه الظروف التى يواجه فيها الوطن هذه التحديات، وعليه فقد تلقيت دعوة من الدكتورة حنان موسى وكيل وزارة الثقافة، لإلقاء محاضرة بعنوان «قبول الآخر» في حى الأسمرات بالمقطم بالقاهرة، يوم الجمعة الماضية 6 / 9 / 2019، فذهبنا إلى الأسمرات ذلك الحى الجميل الذى احتوى أبناء المناطق العشوائية في منطقة أكثر رقيًا وآدمية، وتحتوى على كل الخدمات الحياتية والثقافية والرياضية، وداخل قصر ثقافة الأسمرات كان الملتقى الثقافى الأول لشباب محافظات الحدود، والحدود هنا تعنى تلك المحافظات التى يلقى على كاهلها حماية الأمن القومى ليس عن طريق القوة الصلبة «الجيش والشرطة»، ولكن عن طريق القوة الناعمة المتعددة الثقافات بين بدوى ونوبى وسيناوى وأسواني، فوجدنا شبابا وشابات في دورة لمدة أسبوع كامل من محافظات أسوان والأقصر وحلايب وشلاتين وسيناء والوادى الجديد ومرسى مطروح، كانت هذه هى المرة الأولى التى أشاهد وأتعامل فيها مع شباب من شلاتين وحلايب، وكانت المفاجأة هى ذلك التوافق بين شباب هذه المحافظات، بالرغم من تعدد ثقافاتهم وتنوع عاداتهم وتقاليدهم، شاهدت ورش عمل لصناعة الجلود وتحويلها إلى حقائب رائعة قاموا فيها الشباب لأول مرة بهذه الخبرة إلى جانب ورش للنحت والحفر والمسرح.
أظهرت ندوة قبول الآخر والأهم المناقشة التى أعقبت الندوة، واستمرت لأكثر من ساعة، إمكانات الشباب في الحوار ومدى تقبلهم للمعرفة، والتعرف على تجارب الآخرين، ثم عقب الندوة قام الشباب بعرض رائع لبعض النماذج من الفنون الشعبية لهذه المحافظات مع عرض رقصة لحفلات الزفاف ممزوجة من عادات محافظات أسوان والوادى ومرسى مطروح.
لا شك أنها تجربة رائعة وبداية موفقة لمزيد من هذه الأنشطة الثقافية، خاصةً فكرة الإقامة لمدة أسبوع التى تحدث التلاحم الفكرى والتوافق الإنسانى والتلاقى الثقافى الذى يدعم العلاقات ويمزج الثقافات، ويؤكد قبول الآخر عملًا وفعلًا وليس قولًا نظريًا فقط، كما تضمن الملتقى مشاهدة عرض مسرحية «المتفائل» في المسرح القومى، وهذه إضافة ثقافية جميلة ومطلوبة لشباب هذه المحافظات، خاصة أن الأقاليم وهذه المحافظات تحديدًا محرومة من مثل هذه المجالات الفنية سواء مسرح أو سينما.
شكرًا لهيئة قصور الثقافة ومزيد من التوفيق للصديق أحمد عواض، مع مزيد من العمل الثقافى الحقيقى لينتشر في ربوع الوطن، ليسهم في تأكيد قبول الآخر حتى تكون مصر وبحق وطن كل المصريين.