الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

5 تحديات تواجه السودان للعبور إلى الديمقراطية.. تنفيذ برنامج شامل لإصلاح قطاع الأمن يهدف لإنشاء جيش وطني احترافي أبرز التحديات.. وتفكيك الدولة العميقة المهمة الأصعب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يبدو أن ملامح الانتقال إلى مرحلة السودان الجديد بعد أشهر من الإطاحة بالرئيس السابق «عمر البشير» على يد الجيش فى أعقاب انتفاضة ديسمبر ٢٠١٨ بدأت فى التشكل من أجل التأسيس لنظام حكم ديمقراطى يسع الجميع فى المركز والأطراف وكان توقيع اتفاق الإعلان الدستوري، السبت ١٧ أغسطس، بين المجلس العسكرى الانتقالى وقادة حركة الاحتجاج من قوى تحالف الحرية والتغيير، يومًا من أيام السودان المشهودة.

وفى تحليل لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، قال إنه وباستثناء غياب إريتريا كان قادة دول الأركان فى محيط السودان الجيوستراتيجى على رأس الحضور: أبيى أحمد (إثيوبيا)، وأوهورو كينياتا (كينيا)، وسلفا كير (جنوب السودان)، وفاوستن تواديرا (جمهورية أفريقيا الوسطى)، وإدريس ديبى إتنو (تشاد)، بالإضافة إلى رئيس الوزراء المصري، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى «موسى فقى محمد».

وأوضح أنه وبغض النظر عن المناطق الرمادية وتلك المسكوت عنها فى «الإعلان الدستوري» إلا أنه يُعد بمثابة وثيقة مُلهمة إذا تم تجريده من السياق العام بالغ القتامة الذى نشأ فيه (مئات الضحايا الذين بذلوا أنفسهم أو تعرضوا للتعذيب فى مسار الانتفاضة الشعبية التى أسقطت نظام «البشير»). إن الإصرار على حقوق الإنسان، وسيادة القانون، والحريات الفردية، وحريات الصحافة، والتسامح، وأولوية إحلال السلام فى المناطق الملتهبة؛ كل هذا يوفر على الأقل - إن صدقت النوايا - الخطوط العريضة لبناء سودان جديد متصالح مع نفسه ومع الآخرين فى محيطه الاستراتيجي. بيد أن ميراث الماضى الثقيل، وتركيبة النخب الحاكمة، وجدلية العلاقة بين المركز والأطراف، بالإضافة إلى كثافة التدخلات الخارجية ليس فقط فى السودان ولكن فى القرن الأفريقي؛ كل ذلك يجعل عملية استشراف آفاق المستقبل مسألة بالغة الصعوبة.


تحديات الحكومة الانتقالية

ورصد التحليل الذى أعده الباحث السياسى فى شئون السودان د.حمدى عبدالرحمن يتمثل التحدى الأول والأكبر الذى يواجه الحكومة الانتقالية فى تفكيك الدولة الإسلامية العميقة التى أنشأها النظام السابق على مدار ثلاثين عامًا، والتى سيطرت على جميع مؤسسات الدولة والقطاعات الرئيسية للاقتصاد، بما فى ذلك مئات الشركات المملوكة للجهاز الأمنى العسكري. وربما يكون مفتاح تفكيك الدولة العميقة هو تنفيذ برنامج شامل لإصلاح قطاع الأمن يهدف إلى إنشاء جيش وطنى احترافى وموحد والحد من سلطة جهاز الاستخبارات. ورغم وضع قوات الدعم السريع تحت إمرة «القائد الأعلى للقوات المسلحة» وفقًا لنص الإعلان ‏الدستورى ‏فإن احتواء الطموحات السياسية لقائدها الفريق «محمد حمدان داغلو» (حميدتي) لا يزال محل شك من قبل أطراف المعارضة المدنية.

وعندما تذهب سكرة الاحتفالات السودانية بنجاح ثورة ديسمبر والإطاحة بحكم (الكيزان)، وفقًا للتعبير الدارج عن الإخوان المسلمين؛ تأتى الفكرة المستعصية على كل أنظمة الحكم المتعاقبة فى السودان لتمثل التحدى الثاني. إنها إشكالية بناء الدولة الوطنية التى عبرت عنها أدبيات التمرد والحرب الأهلية فى صيغة «السودان الجديد» التى تبتعد عن استراتيجيات الأسلمة والتعريب. فقد أدت هيمنة نخبة المركز بكل أطيافها التقليدية والحداثية إلى انفصال الجنوب واشتعال الحرب فى مناطق الأطراف والهوامش. فالسودان متعدد الأعراق يستعصى على حكم الأقلية بغض النظر عما تمتلكه من منعة وشوكة، وعليه فإن التوصل إلى صيغة مدنية علمانية للحكم على أساس المواطنة المتساوية والعادلة سوف يمثل محور النضال فى المرحلة المقبلة من الثورة السودانية. وهنا يكون التحدى فى ضمان التمثيل السليم للشباب والنساء فى هياكل الحكم الجديدة. ولقد كانت هذه المجموعات هى القوة الدافعة للثورة لكنها استُبعدت إلى حد كبير من هيئات صنع القرار فى مؤسسة الحكم المركزي. وسيكون استيعاب هذه القوى الاجتماعية الجديدة والفئات المهمشة الأخرى فى العملية السياسية أمرًا حاسمًا إذا أراد السودان أن يغير من نمط القوة المتوارث عن العهود السابقة.

وفى الوقت الذى يتمثل التحدى الثالث الذى تم التعبير عنه بأشكال مختلفة، فإن القضايا الاقتصادية الأساسية فى السودان فى ظل عبء اقتصاد منهار - إلى حد كبير - لم يتم التعامل معها بأى شكل من الأشكال. وقد يكون هذا متوقعًا من خلال وثيقة دستورية مؤقتة، لكن أكبر عائق أمام إعادة التأهيل الاقتصادى فى السودان يتمثل فى شيوع الفساد، والتهام الميزانية الوطنية المخصصة للجيش والأمن معظم الإنفاق العام.

وتشير بعض التقديرات المستقلة إلى أن النسبة تتراوح بين ٥٠٪ و٧٠٪ من إجمالى النفقات الوطنية. ولعل أصل المشكلة هو أنه بعد انفصال جنوب السودان فى عام ٢٠١١، فقد السودان ٧٥٪ من حقوله النفطية ونسبة أكبر من أرباح عملته الصعبة. وعليه أضحت أزمة الاقتصاد الكلى فى السودان تتمثل فى ارتفاع معدلات التضخم، وتراكم متأخرات الديون الخارجية المستحقة، ونبذ السودان وإقصائه من النظام المالى الدولى القائم على الدولار. وبدون حدوث تحول هائل فى الأولويات الاقتصادية، الأمر الذى يستلزم تعاونًا وثيقًا من مؤسسات الحكم الانتقالي؛ سوف يتراجع الإنتاج الزراعي، وتنخفض القدرة على تمويل الواردات الحيوية، بما فى ذلك الغذاء والدواء والمنتجات البترولية المكررة. وفى هذه الحالة تصبح عودة المد الاحتجاجى الشعبى أمرًا متوقعًا.

وينبع التحدى الرابع من إشكالية عدم احتواء قادة المناطق الملتهبة التى تشهد حركات تمرد مسلح فى أطراف السودان (مثل: دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق). يقول «ماو تسى تونج» إن «القوة السياسية تنبثق من فوهة البندقية»، وهو ما يشير إلى الحقيقة الأولية المتمثلة فى أن السلطة السياسية لا تكتمل أبدًا بدون السيطرة على مصادر القوة المسلحة، وعليه يتمثل التحدى الرئيسى للثورة السودانية - فى الواقع - فى ضرورة وجود قوات مسلحة وطنية احترافية وموحدة. فكيف يتم إذن دمج الجبهة الثورية التى تضم عددًا من قادة الحركات المسلحة (أمثال: مالك عقار، وعبدالعزيز الحلو، ومنى مناوي، وعبدالواحد محمد نور) فى مؤسسات الحكم الانتقالي؟

ويتمثل التحدى الخامس فى إعادة تأهيل السودان فى محيطه الإقليمى والدولى بحيث ينفض عن نفسه رداء الدولة العاصية الذى جلبه نظام الإنقاذ واستحق عليه «البشير» الملاحقة الدولية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية فى دارفور. وثمة اهتمام دولى بعملية التحول الديمقراطى فى السودان بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين. لقد كان العمل الحقيقى للوصول إلى صفقة تقاسم السلطة فى الخرطوم يدور من وراء الكواليس من قبل الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين. ولاحظ قيام إدارة «ترامب» فى منتصف يونيو بإعادة تعيين «دونالد بوث»، مبعوثها الخاص السابق للسودان ليحتل نفس المنصب. وهنا يصبح السؤال: كيف يُصلح الحكم الانتقالى ما أفسده «البشير» عبر ثلاثة عقود من سياساته الخارجية المتقلبة وتغير تحالفاته الدولية وفقًا لمصالح ذاتية خاصة بضمان استمراره فى السلطة؟

ويمكن القول إن الحكومة الانتقالية القائمة على مبدأ تقاسم السلطة، والتشاور بين النخب العسكرية والمدنية، بما فى ذلك مشاركة أوسع لمختلف المجموعات العرقية، وعدم السماح بإعادة إنتاج الأحزاب الدينية؛ سوف تعد الصيغة الأكثر ملاءمة لتحقيق انتقال سريع نحو الحكم الديمقراطى فى سودان ما بعد «البشير»، بيد أن الأمر لا يخلو من تحديات جسام كما سبق وأن بيّنا.