الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عدت يا عيد.. وزاد الحياة لمن استطاع إليه سبيلًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كل عام وأنت ونحن ومصر بكل خير.. جاء العيد كما يأتى كل عام.. نتبادل التهانى والتبريكات والزيارات العائلية ثم نندفع فى ماسورة الحياة وسوادها الحالك من الداخل ننسى أسماءنا ومواعيد الأطباء وننسى أن لنا أهل كنا معهم فى مناسبة اسمها العيد ابتسمنا عندما اجتمعنا فيه وتذكر كل منا شقاوة الآخرين.. طاردنا أحلامنا فطردتنا خارج دائرة الإنسانية وصار كل واحد منا مجرد رقم موبايل وأكاونت فيسبوك.. صرنا ديجيتال والحمد لله.. لا يتم فرمطتنا إلا فى المناسبات والمواسم.. وقتها نكذب بصدق ونقول إن تواصلنا ضرورة ملزمة وإننا سوف نرتب مواعيدنا لنلتقى ولو مرة فى الشهر.. نتابع حالة الضعيف منا ونسند المجروح ونمسح دموع الشقيقة.
نقول ولا نفعل فماسورة الحياة مغلقة ومظلمة وصلدة.. وقلوبنا كساها الزجاج والبلاستيك أما عقولنا فقد صارت كلابا تلهث خلف لقمة العيش المر.. نعيش ولا نعيش.. نمشى فى المكان متوهمين السير للأمام.. نشكر الله على نعمة الصحة والستر، ولكن الغريب هو أننا نموت من العلة المدفونة مفضوحين؛ لأننا لم ننفذ وعد لقائنا بالأهل والأصحاب.. هذه ليست مرثية لأعمارنا ولكن عيدية تليق بنا، نحن الذين اغتربنا طويلا واستعذبنا الغربة وطعم الديلفرى ونسيان القراءة وتركنا الأتربة على أغلفة الكتب شاهدة علينا.
لو سألتنى قبل سنوات عن العيد لسمعت منى كلاما جميلا.. لمة الأسرة على سطح البيت فى عيد الأضحى وقد شمر الإخوة عن سواعدهم متنكرين فى زى جزار محترف يضحكون من فشلهم المهنى فى الجزارة ويتلمظون لإفطار التشويحة التى أعدتها البنات فى المطبخ.. الأرغفة الساخنة والفشة والبطاطس المحمرة.. من زحمة العدد نفرش فى أرضية الصالة يخطف كل منا لقمة من الآخر.. لا فرصة للتمنع واختيار صنف معين للإفطار... إفطار المحبة والتواصل.. زاد الحياة لمن استطاع إليه سبيلًا..
نعم.. تفرقت الطرق وزادت الأحمال على الجميع فدخل بعضنا إلى مرحلة الاتصال التليفونى للتهنئة.. ثم أراحنا اختراع الواتس آب والكوبى بيست وضغطة واحدة على زر واحد وإرسال التهنئة للجميع ليرتاح الضمير مؤقتًا، فقد أديت الواجب ومهمة التهنئة.. وأمامى الآن أن أراجع جدول عمل الغد.. سوف أكتب مقالا بين الساعة الثامنة والعاشرة صباحا وبعدها أتابع كومنتات الفيسبوك عن بوست نارى ثورى إنسانى عميق كتبته وأنا أداعب النوم مساء أمس.. بعدها لا بد من زيارة إلى دار النشر قد استرد ديوان شعرى والتحويشة التى احتال الناشر فلهفها.. لن أنسى ابتسامة كاذبة اصطنعها لأقابل بها جيرانى فى العمارة. 
عيد بأى حال عدت يا عيد.. نعرف جرحك الدامى ونصلك المسنون ولا يؤثر فينا فقد اعتدنا البلادة من أثر البلاهة والنسيان والكذب.. عيد بأى حال عدت يا عيد.. لن تنجح أيها الموسمى فى مصالحتنا مع أنفسنا.. لن تنجح أيها الموسمى فى استعادة عمر مضى سرقته الأوهام والأحلام المغدورة.. شكرا لك لأنك أكدت أننا أشباه موصلات لا تراها العين ولكنها قادرة على الصداع والإزعاج والشكوى.. شكرا لك لأنك أكدت أكثر من مرة أن الإجابة على سؤال التشظى لا يمكن أن يكون إلا من داخلنا.. من أعماقنا من سنوات مضت ولن تعود.. فكل عام ونحن فى تروس الساقية بينما الغمامة على عين الثور الرافض التوقف إلا مع نهاية الطريق أو جفاف البئر.