الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإرهاب ومعهد الأورام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حادث معهد الأورام الذى وقع قبل منتصف الليل، وحدثت تناقضات فى المعلومات الأولية، وأعداد الشهداء، وضاعف من الالتباس سيل المعلومات والفتاوى على مواقع التواصل، مع خليط من الحزن والغضب الحقيقى، والادعاء والتمثيل، والشماتة.
فالضحايا من الفقراء والمرضى والعابرين الأبرياء كافية لتمزيق أى قلب لديه بعض الشعور، لكن خبراء «مواقع التواصل الاجتماعى» وجدوا لديهم برودا وطاقة، ليبدأوا حفلات الملامة المكررة، قبل أن يعرف الواحد ماذا جرى ولا كيف. 
الحادث الإرهابى أمام مستشفى الأورام مؤخرا لم يكن حادثا عاديا، فقد فتح الباب أمام كثير من التساؤلات المشروعة التى يمكن أن نسردها فيما يلى:
أولا: أيا كان الأمر سواء كان مخططا له فى هذا المكان أو ذاك، أو أن قائد السيارة المفخخة هو من تصرف من تلقاء نفسه وفجرها أمام المرضى وأطفال السرطان فى هذا المكان.. فالإرهاب لا دين ولا أخلاق له... كيف لشخص أو جماعة تتحمل صرخات وآهات الأطفال والمرضى المصابين بالسرطان أمام أعينها بحجة معاداة السلطة والدولة.. ألم يقرأوا الآية الكريمة: {وإذا الموءودة سألت بأى ذنب قتلت.
ثانيا: هل نشعر كمواطنين بعشرات العمليات الناجحة التى نفذتها أجهزة الأمن ضد جماعات الإرهاب؟؛ حيث وجهت وزارة الداخلية ضربات استباقية لخلايا وجذور جماعات الإرهاب فى الآونة الأخيرة.. قد لا يشعر المواطن بكمية الضربات التى وجهتها الداخلية.. فإلقاء اللوم على وزارة الداخلية أمر يفتقد للدقة.. فالوزارة تحتاج إلى ميزانية أكبر كى تساعدها فى حرب الدولة على الإرهاب.
ثالثا: هل تعاملت وسائل الإعلام بموضوعية وطنية مع الحادث؟.. حقيقة الأمر أنه حينما تحدثنى عن حرب الدولة ضد الإرهاب لا يجب أن تحدثنى عن حياد تقريرى أو نقل جاف للمعلومات.. لكن يجب أن تتعامل وسائل الإعلام بموضوعية بما فيه صالح الوطن.. بالتأكيد كان هناك بطء فى تغطية حادث مستشفى الأورام.. لكن كثيرا ما كنا ندين وسائل الإعلام لسرعتها فى نقل أى حدث وأى خبر عابر ما قد يعرضها لافتقاد الدقة ونقل المعلومة الصحيحة.. أما وسائل الإعلام فى مصر تابعت الحادث، ولكنها لم تقر بأنه حادث إرهابى إلا بعد الإعلان من الجهات الرسمية، ولم تفصح عن عدد الضحايا إلا بعدما أعلنت وزارة الصحة.. صحيح أن نقل هذه المعلومات شابه بعض البطء إلا أنه فى النهاية اتسم بالموضوعية.
رابعا: هل نجحت الدولة فى حربها على الإرهاب؟.. من يدرك أن الحرب على الإرهاب ستنتهى بين عشية وضحاها فهذا جنون.. مصر لا تحارب تنظيما بعينه أو جماعة.. مصر تحارب فكرة فى المقام الأول.. والفكرة انتشرت كالنار فى الهشيم بين أرجاء وطننا العربى والعالم.. والأمر لن ينته بالقضاء على جماعة أو أفراد بعينهم.. خاصة أن هناك دولا تغذى هذا الإرهاب وتساعد فى انتشاره داخل منطقتنا العربية.. من هنا مخطئ من يتصور أن معركتنا على الإرهاب ستنتهى سريعا، لكنها بإذن الله معركة سننجح فيها لأن مصر بلد تحميه العناية الإلهية، كما أن الإرهاب لا دين ولا أخلاق له.. ومن ينتمون له زائلون حتما.
فالقول إن الإرهاب يتنافى مع كل القيم الدينية والإنسانية هو تحصيل حاصل، والإرهابى لا يراجع كتب الدين والأخلاق قبل أن يمارس قتل الأبرياء فى سيناء أو أمام معهد الأورام أو ضد الجيش والشرطة أو المدنيين أو السياح، فالكل هنا واحد، والتصنيف هو من عمل شياطين الإرهاب، وهو ما بدا فى بيان تنظيم إخوانى يحاول تقسيم المواطنين المصريين، بينما هو يعمل وغيره لصالح جهات تمويل وتوجيه تغسل له مخه وتحوله إلى أدوات للقتل، وربما يكون مقتنعا أنه يؤدى عملا يقربه لله، بينما هو يرتكب أكثر الجرائم انحطاطا.
هذه هى التفاصيل التى تغيب عن البعض وهم يمارسون الفَتْى والادعاء بالعلم والشماتة أو يظهرون غضبا مصطنعا ومبالغا فيه، بينما هم جالسون خلف شاشات مضيئة، فالإرهاب لا يفرق بين مواطن وآخر ولا بين مدنى وعسكرى، وربما يكون بعض خبراء الأعماق بحاجة إلى معرفة ذلك، واكتشافه بأنفسهم وهم يرون أعمال الإرهاب تطال أبرياء ومرضى بمعهد الأورام وذويهم، أو عروس وأهلها فى ميكروباص، أو مصلين فى مسجد بالعريش، أو فى كنيسة بطنطا أو الإسكندرية.
ولا مانع إطلاقا من أن نبدى الغضب من تأخر إعلان بيان رسمى، فقط يفترض أن يأخذ الواحد نفسا ويعطى نفسه وغيره فرصة للتفكير، نحن أمام تفجير غير طبيعى وجهات الأمن لا يفترض أن تستبق الأحداث وتصدر حكما قبل أن تعمل وتبحث وتحلل، وارد أيضا أن تكون هناك معلومات أولية متضاربة، وهو أمر يحدث فى كل العالم المتقدم الذى ينبهر به خبراء العمق العميق على صفحاتهم، ففى أى حادث تصدر الجهات بيانا أوليا، ثم تأخذ وقتا قبل أن تعلق بعض الحقائق، ومع أن الخبراء لدينا يشعرون بالدونية والانبهار أمام الخارج فهم يمارسون الاتهام والادعاء قبل أن تظهر أى معلومة.
ومما لا شك فيه أن الحادث الأخير كشف العديد من الأمور، منها الحاجة الملحة لمتابعة ملف السيارات المسروقة والمبلغ عن اختفائها، والسيارات التى تسير فى قلب العاصمة ومدن مصر بلا لوحات أو تحمل ملصقات جهات سيادية دون وجه حق، وأيضا ملف الدراجات البخارية..وكل ذلك يصب فى قضية انضباط الشارع المصرى والفوضى التى تسوده من أنواع مركبات النقل الجماعى كافة.
وختامًا.. لا مانع أن يكون لدى كل شخص وجهة نظر فى السياسة يؤيد أو يعارض، فقط أن يعى أن الإرهاب لا ينتقى ولا يفرق بين أى من المواطنين ولا المنشآت، ولا يفرق بين مريض سرطان أو مصل فى مسجد أو كنيسة أو ضابط يقف ليحمى هذا الوطن، فمصر تواجه تحديات كثيرة وأهل الشر يتربصون بها وحركة البناء والعمران والتنمية والتقدم التى تحققه يثير حقدهم ويشعل نيران كراهيتهم ويسعون بمحاولات إرهابية يائسة عرقلة مسيرة التنمية الناجحة وعليه لا بد أن نتيقظ دائما للمواجهة.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها...