الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإمبراطورية الأمريكية والرمال المتحركة في الشرق الأوسط «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعد البروفيسور جيفرى وورو أستاذ التاريخ العسكرى البارز بجامعة تكساس الأمريكية، واحدا من أهم الأكاديميين فى الولايات المتحدة الأمريكية فى مجال الدراسات الاستراتيجية، ومؤلف كتاب «الحرب والمجتمع فى أوروبا»، وكتاب «الرمال المتحركة.. سعى أمريكا إلى السيطرة على الشرق الأوسط»، والذى نقله إلى العربية صلاح عويس، والصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة. فهو يسعى إلى ملء الفجوة التى تعانى منها الأدبيات الاستراتجية عن منطقة الشرق الأوسط، من خلال التحليل الدقيق لأمور ثلاثة، هى: أولا: دخول أمريكا إلى الشرق الأوسط، وثانيا: التأثير الثقافى والسياسى والعسكرى على المنطقة، والأمر الثالث هو الهزات العالمية التى انشقت عن تصدعات ذلك التأثير. وكما قال المؤرخ الإنجليزى آرنولد توينبى، الذى كتب تقديرات استراتيجية لونستون تشيرشل بعد عام ١٩٤٠، فإن الاستراتيجيين الأمريكيين أدركوا عدم إمكانية الاستغناء عن منطقة الشرق الأوسط، بالنسبة لكلا الجانبين فى الحرب العالمية الثانية، فهى تقع فى القلب من قارات ثلاث هى: أوروبا وأفريقيا وآسيا.
وبعد إنجاز مشروع قناة السويس فى عام ١٨٦٩، وتوفير خطوط الطيران بعيد المدى فى أوائل القرن العشرين، ازدادت أهمية الشرق الأوسط، باعتباره «أقصر طريق بين التجمعين البشريين الرئيسيين، والذى تكمن فيه القوة فى عالم القرن العشرين»: بين عالم الهند وشرق آسيا والمحيط الهادئ وعالم أوروبا وأمريكا والمحيط الأطلنطي. وقال توينى: «قيادة الشرق الأوسط حملت معها قوة فتح الطرق المباشرة بين هذين القطبين الجغرافيين أو إغلاقها أو فرض فتحها من جديد».
وربما كان الصراع الإسرائيلى – الفلسطينى قابلا للتسوية قبل الحرب العالمية الثانية، ولكنه أصبح بعدها غير قابل لذلك كلية. لقد قتل هتلر وحلفاؤه الفاشيست ستة ملايين يهودى، ودفع مليونين إلى التشتت فى المنفى. وكأوروبيين مشردين أصبح اليهود فى حاجة إلى وطن. وقد أشير إلى فلسطين نظرًا لأن معظم بلاد العالم سدت فى وجوههم، بما فيها الولايات المتحدة. وبتأثير غضب الأغلبية العربية فى فلسطين جفل البريطانيون ورفضوا مجىء اللاجئين اليهود بأعداد كبيرة. وأكثر الوقائع شهرة هى عندما أعادوا سفينة «إكسودس» بحمولتها الكاملة من اليهود من حيفا إلى المياه الأوروبية قبل إجبار المسافرين اليهود الناجين من معسكرات الموت على النزول فى ألمانيا دون جميع الدول الأخرى، وأصبح المأزق الذى خلقه آثر بلفور بلا مبالاة عام ١٩١٧ عبئا مضنيا.
وشرع وايزمان فى العمل على إقامة الدولة اليهودية بعد فشل مناشدته الولايات المتحدة كى تتدخل ضد البرجماتية البريطانية. ولم يعتبر المستوطنون اليهود أنفسهم أقلية فى فلسطين العربية، بل على العكس من ذلك، عدوا أنفسهم طليعة الخمسة عشر مليون يهودى الموجودين فى أنحاء العالم ضد مجرد شريحة من ستمائة ألف عربى، يمكن إزاحتهم بسهولة وابتلاعهم فى موجه هجرة واحدة. وأخذ خبراء البروباجندا الصهيونية يختبرون الفكرة التى يصعب تصديقها بأن فلسطين هى «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». واعترف وايزمان فيما بعد بأنه قبل عرض بلفور الخاص بإقامة «وطن قوى» بدلا من عبارة «دولة» فقط.
وحتى ثلاثينيات القرن العشرين كانت أمريكا - لا فلسطين - هى الأرض اليهودية الموعودة، حيث هاجر إليها ٦٨٪ من اليهود الأوروبيين مقارنة بمجرد ٣٪ هاجروا إلى فلسطين، وهذا يفسر قول موسولينى الجازم فى عام ١٩٤١: «إذا كان اليهود يريدون دولة عليهم أن يقيموا تل أبيب فى أمريكا». ولإرضاء جمهور الناخبين اليهودى المتنامى أصدر الكونجرس قرارا مشتركا فى عام ١٩٢٠ يدعم إقامة وطن قومى يهودي. وبعد ذلك أخذت جماعات من أعضاء الكونجرس تدق الأجراس بانتظام لتذكير بريطانيا العظمى بمسئولياتها. وفى عام ١٩٣٠، قال السيناتور هاملتون فيش الصغير معنفا: «لقد سقط البريطانيون تماما فى فلسطين.. ويجب عليهم الحفاظ على إعلان بلفور الذى وافقت عليه القوى الرئيسية المتحالفة والكونجرس الأمريكى».
وتشكلت فى تل أبيب عصابة إبفراهام شتيرن أو «المقاتلون من أجل حرية إسرائيل». ومثلما فعلت العصابة الإرهابية الأخرى إرجون تسفاى ليومى التى كان مناحم بيجن عضوا فيها، اضطلعت عصابة شتيرن بالقيام بعمليات الميليشيات المسلحة الكريهة التى اعتبرت بالغة الفظاعة بالنسبة لعصابة الهاجاناه غير الشرعية التابعة للوكالة اليهودية، ومن هذه العمليات اغتيال المسئولين البريطانيين، وذبح الفلاحين العرب العزل من السلاح انتقاما لهجمات على المستوطنات اليهودية. وكان بيجين الذى صعد إلى قيادة عصابة إرجون - والذى حكم إسرائيل من ١٩٧٧ إلى ١٩٨٣ - صهيونيا شديد الحقد بوجه خاص. وفى فبراير ١٩٤٤، أعلن جناحه المنشق الحرب على بريطانيا عمليا. وسعت عصابة شتيرن إلى الحصول على تمويل للصراع من السفير النازى فى سوريا، وأعلنت أن هدفها من الحرب إقامة دولة إسرائيل الممتدة على نطاق واسع من الفرات إلى النيل، أى من العراق إلى مصر.
وفى القاهرة فى شهر نوفمبر ١٩٤٤، اغتالت عصابة شتيرن والتر جينيس «لورد موين» الذى كان وريثا لثروة ضخمة من صناعة البيرة الأيرلندية والوزير البريطانى المقيم فى الشرق الأوسط. ووزعت عصابة شتيرن بعد حادث الاغتيال منشورا يدويا وصف موين بأنه أداة «السياسة البريطانية المعادية» وبأنه «العدو اللدود لتطلعات الشعب اليهودى إلى الحرية فى بلدهم»... وللحديث بقية