الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

د. علي عبدالعال.. يحرس الحصانة بالحصانة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أرسى الفقية الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب حجر الأساس لفكر مستنير ومفهوم للحصانة البرلمانية.. بالحصانة نفسها.. واستطاع أن يعيد قراءة الأدبيات التى توارثناها فى العصر الحديث من خلال الدستور والقانون ولائحة المجلس.. ومع اقتراب نهاية انعقاد الدور الحالى حسم فى جلساتها قضية الحصانة البرلمانية، واتخذ المجلس النيابى شئونه فى ظل مبدأ الفصل بين السلطات، والذى يدعو للاحترام بأن كل القضايا نوقشت فى وضح النهار.
إن المجلس حاليًا استطاع أن (يستغلق) على الأسباب الجوهرية فقط كمبرر لرفع الحصانة ولم تفتح الأبواب على مصراعيها ليصل بطلب رفعها لدرجة الكيد الواضح، واستطاع خلال السنوات الأربع أن يرسى هذه القواعد.
تخرج الدكتور على عبدالعال من مدرسة القانون الدستورى التى وضع أساسها شيخ الفقهاء فى مصر والعالم العربى الدكتور عبدالحميد متولى، صاحب العطاء الفقهى والمرجعية الأولى للمنهج الدستورى بكل معانى الاستقامة المنهجية.
لقد أكد الدكتور على عبدالعال طوال أدوار الانعقاد حرصه على جعل الحصانة من أركان العمل تحت القبة.. فإن الدورات الأربع التى تولاها الدكتور على عبدالعال لم تتدخل السلطة السياسية أو الحكومة فيها كطرف فى قضية الحصانة، وهذه من أكبر مميزات المنصة وقد لاحظت كما لاحظ غيرى من المتابعين لأداء من يجلس فوق المنصة أن يكون أقل المتحدثين كلامًا وكل حديثه من فوقها محصور فى إطار (التوضيح والاستيضاح) طبقًا لصحيح الدستور والقانون واللائحة.
ويحيى لنا تاريخ مسألة الحصانة كثيرًا من الحكايات، وهناك حكمة للحصانة ومناط لتطبيقها فقد تعرض أحمد عبود باشا لحالة رفع الحصانة فى جلسة 22 مايو 1946م وتبين للجنة العدل إنه انتهت عضويته فى 17 مايو 1946م وبالتالى سقطت عنه الحصانة، لذلك رأت اللجنة أنه لم يكن أمام اللجنة غير حفظ الطلب.. وفى حالة النواب رفع الحصانة عن بعض النواب ورد فى تقرير اللجنة التشريعية، إن الحكمة من الحصانة هى تمكين العضو من أداء واجباته النيابية وحمايته من أى إجراءات كيدية تتخذ ضده يقصد تعطيله عن أداء واجباته، إذا كان ذلك بتدبير من السلطة التنفيذية وإنه يجب أن تتوافر صفة العضوية وقت اتخاذ أى إجراءات جنائية، سواء كانت فى وقائع نسبت إليه ولا يجوز أثناء دور الانعقاد اتخاذ الإجراءات أو القبض عليه إلا بإذن المجلس فيما عدا حالة التلبس، وفى جلسة 13 يونيو 1940م انتهى مجلس النواب برئاسة سعد باشا زغلول إلى أن طلب رفع الحصانة لا يشمل القبض عليه وإنه إذا رأى القبض على العضو وجب على وزارة العدل أن تطلب إذن المجلس فى امتداد لتفتيشه أو مسكنه، وفى جلسة 27 ديسمبر 1926م قرر البرلمان إن نص المادة (110 من دستور 1923م) يسمح بالتفريق بين الإجراءات وبين القبض على النائب.
هناك وقائع أصبحت واحدة من العلامات المهمة فى مفهوم الحصانة مثلًا فى ظل مجلس الأمة الذى أنشئ بموجب دستور 1956م لم يتدخل الرئيس عبدالناصر فى قضية الحصانة وترك الأمر للمجلس، سواء لرئيسه عبداللطيف البغدادى أو أنور السادات أو لبيب شقير وهناك وقائع وأزمات نيابية كانت الحصانة خلالها مصونة، وفى مجلس المهندس سيد مرعى شهدت القاعة معارك سياسية بسبب النائب أحمد يونس، فقد وصلت لدوائر القيادة السياسية إنه نسب إليه تعليقًا عن عدم حضور الرئيس السادات مؤتمرًا عربيًا للاتحاد التعاونى الذى كان يرأسه النائب أحمد يونس، وقيل إنه قال: «هو مش عاوز ييجى ليه.. إن شا الله ما جه».. ورغم رفع الحصانة، إلا إنه خاض الانتخابات وحصل على الأغلبية الساحقة بدون حصانة وظل نائبًا بغير حصانة وعرض محمود أبو وافية إنهاء الخصومة بعد أن أدرك الرئيس أبعاد هذه الوشاية وطلب إليه تقديم مذكرة بطلب مقابلة، لكن يونس رفض.. وصدرت كلمة القضاء بعد اغتيال الرئيس السادات ووفاة أحمد يونس التى حكمت ببراءته لكنها ظهرت بعد وفاته.
ويستفاد من دروس رفع الحصانة أن الصحفيين أكثر قطاعات المجتمع تعرضوا لطلب رفع الحصانة رغم قلة عددهم تحت القبة فهم مصطفى بك أمين وجلال بك الحمامصى وأحمد أبو الفتح، أما مصطفى شردى فقد ضرب الرقم القياسى حيث تم التقدم بطلب رفع الحصانة عنه خمس مرات خلال عام واحد.
فى الدستور الحالى أنشأ هيئات الإعلام والصحافة واشترط أداء الوظيفة بعد أن يؤدى رؤساء وأعضاء الهيئات الثلاث اليمين الدستورية فور صدور القرار بتشكيل هذه الهيئات لكن هذا القسم وإن كان أمام البرلمان فهو قسم وظيفى وليس تشريعيًا وهذه الهيئات لا تمثل سلطة من سلطات الدولة وإنها تخضع فى عملها لما يحدده القانون وإن السلطة القضائية تتخذ شئونها دون الحصول على إذن مثلما يحدث بحق السلطة التشريعية وأعضائها، وهذا القسم للهيئات الإعلامية لا يكسب المجلس أى حصانة ولا يعتبر سلطة من سلطات الدولة، وهذا يعنى أن الدستور والقانون يتيحان الفرصة لأعضائه بأن يكتسبوا الحصانة حينما يتم حصولهم على العضوية البرلمانية فى النواب أو الشيوخ، وهنا فقط يكتسب العضو الحصانة البرلمانية وتكون قاصرة على أعضاء البرلمان بغرفتيه ويخضع فى ذلك على الكافة.
وفى تقديرى أداء القسم تحت القبة لا يعنى أنه مكسب الحصانة، لكنه آلة وظيفية وليست آلية نيابية أو برلمانية، لكن ما يجرى تحت القبة أمر يدعو للتقدير لأداء الملجس لواجبه وحرص د. على عبدالعال أن تحرس الحصانة بمزيد من الاجتهاد لتعميق وجودها.