الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الثورة والخطاب السياسي لدى "جويس آش"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى مقالى السابق تطرقت إلى صورة النساء فى قصائد الشاعرة الكاميرونية الأمريكية جويس آش فى ديوانها الذى ترجمته العربية (نار جميلة) واليوم أستكمل ملمحا آخر من ملامح الديوان وهو الحالة الثورية وظلال السياسة الموزعة هنا وهناك عبر القصائد.وهى فى ذلك تنتهج نفس نهجها الثورى الرافض لكل أشكال الظلم والانتهاكات الإنسانية فتعبر عن ذلك فى قصائدها التى تلقى الضوء على ما قد يختفى بين ثنايا الواقع من مآسٍ وتحتفى بالثوار فى أنحاء العالم المختلفة، لا فى بلدها فقط. واختيارها للأحداث التى تكتب عنها دائما ما يؤكد إيمانها بالحرية والعدل واحتفائها بالشهداء ودعمها لحركات التحرر وخاصة فى بلدها الأم الكاميرون- الجزء الناطق باللغة الإنجليزية تحديدا- هذا الجزء المهمش الذى لا يتساوى مواطنوه فى الحقوق مع بباقى سكان الكاميرون الناطقين بالفرنسية والذين يمثلون الأغلبية. ولذا لا تخلو الأمور من حركات تظاهر ومناوشات مع الحكومة فى محاولة للانفصال وتكوين دولتهم الوليدة التى أطلقوا عليها أمبازونيا. ويعود الأمر إلى أن عصبة الأمم كانت قد قسمت الكاميرون- المستعمرة الألمانية السابقة- بين فرنسا وإنجلترا المنتصرتين فى الحرب العالمية الأولى وانضمت المنطقة الناطقة بالإنجليزية إلى الكاميرون الفرنسى بعد استفتاء عام 1961 ومنذ فبراير عام 2008 تتصاعد الأصوات مطالبة بالاستقلال، وذلك فى ظل ما وصفوه بالحرمان الاقتصادى والتهميش، فنراها تحتفى بهذا فى قصيدتها أطفال الموقد جاءوا- أطفال البيت والعائلة- جاءوا لاستعادة تاريخهم القديم زاحفين فى تظاهرات ومسيرات ليدخلوا قصور الاستعمار القديمة ويسترجعوا صور أجدادهم وتاريخهم ويستعيدوا مجدهم، مما يدل على فخرها ببلدها الأم وارتباطها الشديد به الذى لمسته فى محادثة هاتفية بيننا قالت لى أنها تفضل تعريف نفسها بالشاعرة الكاميرونية الأمريكية وليس كما يقال دائما الأفروأمريكية كما لمسته فى اعتزازها بلغتها الانجليزية الأفريقية التى كتبت بها بعض قصائدها وتطعيم بعض القصائد بكلمات كاميرونية وأسماء كاميرونية لمدن مختلفة مثل بامندا ومامفى وتطعيم عالمها الشعرى بالعادات والتقاليد الخاصة بهم وحتى الملابس. ثم تاخدنا جويس إلى بنجلاديش وقصة انفصالها عن باكستان وتسترجعها وهى تزور النصب التذكارى للشهداء فى دكا، فتذكر تضحيات الشهداء وتحتفى بهم وهى تأمل أن ينفصل إقليمها الإنجليزى بنفس الطريقة ويولد بلدها الجديد. وما تلبث أن تنتقل إلى ظلال العنصرية التى كانت تتيح للبيض ما تمنع منه السود- مع تحفظى على اللفظ- فتتذكر لافتات (للبيض فقط) وما تستدعيه هذه الإشارة من كفاح طويل ليحصلوا على حقوقهم كمواطنين أحرار. وتلحق ذلك بكيفية التعامل معهم فى الانتخابات والتودد إليهم من قبل المرشحين وخاصة من النساء. كما لا تخفى اعتراضها على رئيس بلدها فى قصيدة فى اليوم الذى سيسقط فيه الرئيس. ولا تخفى انتقادها للرأسمالية التى لا هم لها سوى أن يزيد الأغنياء غنى ويزداد الفقراء فقرا حينما تصف عمال المناجم الذين ظلوا مدفونين أحياء لأيام طويلة حتى تم إنقاذهم. كل هذا وأكثر فى عالمها المتنوع لا ينسيها احتفاء كبيرا بجامعتها وأساتذتها وزملائها فى مبادلات شعرية رائعة يتبادل فيها الشاعر والجمهور القراءة، بما يمثل سجالا يشبه الارتجال لدينا ولكن الاختلاف فقط هو أنه كله من صنع الشاعر ومن أنفاسه. وهو ما أعجبنى كثيرا، لأنه يزيل المسافة بين الشاعر والجمهور ويجعل الجمهور مشاركا فى القصيدة وداخل عالمها وهو ما نبحث عنه كشعراء طوال الوقت. إننى لا أخفى سعادتى لتقديم الشاعرة جويس آش إلى العالم العربى وأحتفى بها احتفاء شاعرة لشاعرة وامرأة لامرأة وأما لأم ليس لولديها فقط وإنما لأبناء العالم كل العالم الذى تتمنى لهم فيه كما أتمنى أيضا أن يسود العدل والسلام ويعود الحق لأصحابه والبلاد إلى أهلها. لن نمل من الكتابة ولن يتوقف الشعر ولن تخذلنا القصائد ولن نصمت لأن الشاعر هو ضمير الأمة وسلاحه هو الكلمات التى لن نمل قراءتها حتى يسمعنا ويلتفت العالم وينصت لنا.