السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الخلافة فريضة أم بضاعة ؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في عام 1925 خرج للوجود كتاب فَجَرَ مصر من الداخل، هو كتاب الإسلام وأصول الحكم للشيخ علي عبد الرازق، أثار الكتاب ضجة كبرى في مصر والعالم العربي كله حيث جاء فيه "إن الإسلام لم يضع لنا شكلا للحكم، ولم تكن الخلافة فريضة ولكنها كانت تناسب عصرها فقط.... ليس المهم عندنا شكل الحكم ولكن المهم هو أن يحقق نظام الحكم الذي نتخيره مقاصد الشريعة" كانت الطامة الكبرى عند البعض أن الشيخ علي عبد الرازق تطرق للخلافة ، ونفى فرضيتها أو فريضتها، فقام الأزهر الشريف بسحب شهادة العالمية منه عقابا له على رأيه ، وكتب عشرات الكتاب منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا عشرات الكتب التي تحاول تفنيد رأي علي عبد الرازق ، وكتب العشرات أيضا كتبا تؤيده فيما ذهب إليه.
وضح من هذه المعركة أن مصر انقسمت فعلا إلى فريقين ، فريق يقول : إن الخلافة فريضة ، وهي فريضة حتمية ، ولا خيار لنا فيها ولا حق لنا في تبديلها ويجب أن تكون على شكل الخلافة الراشدة ، وهي خلافة ممتدة لا حدود لها ولا أرض ولا وطن ، إذ المستهدف منها الوصول إلى غاية واحدة هي السيطرة على العالم كله، فحيثما كانت أي أرض يصدح فيها الآذان فهي تابعة للخلافة الإسلامية ، لا فرق بين عربي ولا أعجمي ، وطننا في السماء ، وطننا هو لا إله إلا الله ، ولا عبرة بالأرض ولا الحدود ، وكان هذا الفريق يقوده كبار علماء الدين مع بعض الوزراء والشخصيات العامة التابعة للملك فؤاد الأول الذي كان طامحا في الخلافة بعد أن انقضت الدولة العثمانية.
أما الفريق الآخر فيقول: "ليس هناك شكل للحكم، ونحن نعيش في طن عربي، نستمد عاداتنا وتقاليدنا من تاريخنا ومجتمعنا ، ولنا الحق في أن ننشأ لأنفسنا نظام الحكم الذي يتوافق مع مصالحنا ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال "أنتم أعلم بشئون دنياكم" وهذه هي دنيانا لنا أن نضيف لها ما يتناسب مع العصر ، ولسنا تابعين ولا ينبغي أن نكون تابعين لدولة أخرى تحت أي مسمى ، بلادنا ليست في السماء ولكنها في الأرض ذات الحدود المعروفة لنا والتي ندب عليها بأقدامنا ، ندافع عنها بأرواحنا ، أما موعدنا في السماء فسيكون بعد الدنيا ".
انشغلت مصر سنوات بهذا الصراع ، وما زالت ، وبعد سنوات قليلة من احتدام هذا الصراع ، ومن اتجاه جمهرة من المتدينين بالفطرة والعاطفة إلى "وجوب دولة الخلافة" ظهر شاب درعمي صغير في طور الشباب الأول ، ولد في مدينة المحمودية ، وسافر إلى مدينة الإسماعيلية البعيدة عن مدينته ، ليعمل بها مدرسا وفقا لرغبته واختياره ، وهناك حيث مجتمع يضم الموظفين الإنجليز والفرنسيين الذين يعملون في شركة قناة السويس ، ويضم أيضا أغلبية مصرية من الحرفيين وصغار التجار وصغار الموظفين ، في هذه البقعة المتنوعة يعلن الشاب الذي كان في بداية العقد الثالث من عمره إنشاء جماعة دينية اسمها جماعة الإخوان المسلمين ، هدفها الأسمى هو "استعادة دولة الخلافة" لا تعترف بالوطن الذي نعترف به ، وتريد أن يكون وطنها هو الدين ، وليس الطين أو التخوم، وكان لهذه الجماعة الدور الأكبر في قسمة المجتمع المصري على خلفية عقائدية ، لم تكن هذه الجماعة بعيدة عن يد المخابرات البريطانية ، بل كانت في قبضتها وملك يمينها ، كانت كقطعة من قطع الشطرنج تحركها يد اللاعب ، فقامت بتمويلها ، وظلت متواصلة معها ، ومن وقتها وسياسات حسن البنا كانت تسير وفق ما يحقق مصالح بريطانية ، حتى أن هذه الجماعة وقفت ضد الحركة الوطنية المصرية في كل خطواتها ، فتحالفت مع اسماعيل صدقي عدو الشعب ، واغتالت محمود فهمي النقراشي رئيس وزراء مصر الذي كان خصما للانجليز وكان من أبطال ثورة يوليو حتى أن محكمة عسكرية انجليزية أصدرت ضده عام 1919 حكما غيابيا بالإعدام ، ولكن تأخر تنفيذ هذا الحكم حتى قام الإخوان بدور الجلاد فأطلقوا الرصاص على الرجل عام 1948 فأردوه قتيلا، ولا يزال التاريخ الحقيقي للجماعة غائبا عنا ، إذ أنهم نجحوا في استخدام الدين ، والبكاء على أطلال الخلافة، وفي سبيل ذلك قاموا بتزييف التاريخ .