الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

"النطف المهربة"..أحدث معارك الأسرى الفلسطينيين لكسر قيد السجان

 الأسرى الفلسطينيين
الأسرى الفلسطينيين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تاريخ لن تنساه الحركة الأسيرة الفلسطينية إلى الأبد ، فهو موعد ميلاد الطفل مهند عمار الزبن، أول "سفير للحرية" من "نطفة مهربة" لوالده الأسير عمار الزبن القابع في السجون الإسرائيلية منذ عام 1998، والذي منح الأمل لعشرات الأسرى بعده لتحقيق حلم إنجاب أطفال يستكملون مسيرتهم رغم كل القيود.
و"النطف المهربة" هو عنوان لأحدث معركة انتصر فيها الاسرى الفلسطينيون على السجان الاسرائيلي، فهؤلاء الاسرى المحكوم عليهم بسنوات طوال خلف القضبان قد تستمر طيلة حياتهم يرون بصيصا من الأمل عندما تترجم عزيمتهم إلى أطفال يولدون من أرحام زوجاتهم المخصبة في المراكز الطبية.
وأثمرت فكرة تهريب نطف الاسرى من السجون الاسرائيلية حتى الآن عن انجاب ثمانية أطفال بطريقة التلقيح الصناعي، كما أن زوجات نحو 14 أسيرا نجحن في الحمل بهذه الطريقة وينتظرن الولادة بأية لحظة، فضلا عن وجود اقبال كبير من اخريات على اجراء العملية علهن يحققن حلم ازواجهن في وجود ذرية لهم تكمل مشوارهم النضالي الذي كتب عليهم في هذه الحياة.
ومع اصدار السجان الاسرائيلي احكاما عالية على هؤلاء الاسرى ليظلوا طوال حياتهم خلف القضبان دون وجود ذرية لهم تحمل اسماءهم وتخلد ذكراهم بعد وفاتهم، لاقت فكرة تهريب النطف رواجا كبيرا بين الاسرى كنوع من كسر القيد واثبات حقهم في الحياة، ويتم تهريبها بشكل سري للغاية لا احد يعلم عنه شيئا.
ويوجد الآن ما لا يقل عن 60 نطفة أخرى محفوظة لأسرى تخضع زوجاتهم للعلاج حاليا استعدادا لعملية التلقيح الصناعي علها تكلل بالنجاح مثل زوجات الاسرى اللاتي انجبن بهذه الطريقة في السابق، فالاسرى وزوجاتهم ينتزعون حقا مشروعا اجازته الشريعة الاسلامية، دون الاكتراث بالمجتمع الفلسطيني الذي شعر "بالصدمة" عند ولادة الطفل الاول مهند الزبن بهذه الطريقة، ثم ما لبث وان بدأ يقتنع بالفكرة.
وقد اجريت جميع عمليات التلقيح الصناعي لزوجات الاسرى حتى الآن في مركز "رزان" الطبي بمحافظة نابلس، الذي يجري تلك العمليات مجانا شريطة ان يكون الاسير محكوما بالسجن لسنوات طويلة، وذلك حتى لا تضيع على زوجته فرصة الحمل والانجاب عند وصولها الى سن معين.
ويقول الدكتور سالم ابو خيزران مدير المركز الذي اخذ على عاتقه مساعدة زوجات الاسرى لتحقيق حلم الانجاب ان المحاولة الاولى لاجراء عملية تلقيح صناعي لزوجة اسير بواسطة نطفة مهربة من زوجها كانت عام 2010 ولم تكلل بالنجاح، وتم تكرار التجربة بعدها بعام ونجحت بالفعل، لكن الزوجة اجهضت الجنين بعد ثلاثة اشهر.
وجاء شهر اغسطس من عام 2012 ليعلن عن ولادة "مهند" الذي لقب ب"سفير الحرية من داخل سجون الاحتلال"، وهو نجل الاسير عمار الزبن المعتقل منذ عام 1998، والمحكوم عليه ب26 مؤبدا و25 عاما، أي ان مجموع سنوات سجنه يصل الى الفين و599 عاما.
ويولد مهند ليبصر عمار الزبن النور اخيرا خلف القضبان ويمنح الامل لباقي الاسرى في الانتصار لارادتهم من خلال معركة فريدة من نوعها هذه المرة هي "النطف المهربة"، وبالفعل سارت الكثير من زوجات الاسرى على خطى زوجة عمار الزبن ليولد ثمانية اطفال حتى الآن والبقية تأتي.
ويوضح ابو خيزران ان عينات النطف تأتي الى المركز من خلال اهل الاسير بطريقة لا يعلمها احد ويمكن ان تحفظ لسنوات اذا كانت صالحة، مشيرا الى ان العملية اجريت للعديد من زوجات الاسرى ولم تكلل بالنجاح لكنهن يمتلكن اصرارا كبيرا على تكرار التجربة عدة مرات حتى تنجح.
وأضاف ان المركز اخذ على عاتقه اجراء هذه العمليات من ناحية انسانية بحتة وتقتصر على زوجات الاسرى ذوي الاحكام العالية فقط لأن هؤلاء النساء يمكن ان يتخطين سن الانجاب عند خروج ازواجهن من الاسر، مما يدفع المجتمع للضغط على الاسير للزواج بأخرى ويقع ظلم كبير على المرأة التي انتظرت لسنوات طويلة الافراج عن الزوج.
وينصح ابو خيزران باقي المراكز المتخصصة في التلقيح الصناعي بالتبرع باجراء هذه العمليات لزوجات الاسرى نظرا لوجود آلاف الاسرى الذين صدر بحقهم احكاما عالية ويتطلعون الى تحقيق هذا الامل.
وامعانا في الشعور بالانتصار على قيد السجان، ترغب بعض زوجات الاسرى اللاتي انجبن مرة عن طريق نطف ازواجهن المهربة بتكرار تجربة الانجاب بهذه الطريقة مرة اخرى بعد الاتفاق مع الزوج بالطبع، من بينهن زوجة الاسير عبد الكريم ريماوي الذي حكم عليه بالسجن 25 عاما ونجحت بعد اجراء عملية التلقيح الصناعي في انجاب طفلها "مجد" العام الماضي وتنوي تكرار التجربة ليكون لديها اسرة كبيرة تعوضها غياب زوجها.
وتقول ليديا ريماوي انها كانت قد انجبت من زوجها ابنة واحدة قبل اعتقاله في 2001 وانه اقترح عليها في بداية سجنه محاولة الانجاب بهذه الطريقة لكنها رفضت لاعتقادها ان فترة سجنه لن تطول، لكنها حسمت امرها في 2012 وتم تهريب نطفة من زوجها وخضعت لعملية التلقيح الصناعي بنجاح لتنجب مجد الذي اعاد اليها فرحتها، وتعتزم تكرار التجربة هذا العام.
غير ان ليديا ريماوي وغيرها من زوجات الاسرى تعرضن لنوع بشع من الظلم من ادارة مصلحة السجون الاسرائيلية التي ترفض الاعتراف بأبناء "النطف المهربة" وتعتبرهم "اطفالا غير شرعيين".
تقول ريماوي ان ادارة السجن رفضت ان يرى زوجها طفله "مجد"، وتساءلت كيف يمكن لعبد الكريم ريماوي انجاب طفل وهو قابع في السجن منذ اكثر من 12 عاما، موضحة ان الادارة طلبت اجراء تحليل "دي ان ايه" لاثبات نسب الطفل الى ابيه، وهو ما قوبل بالرفض من جانبها.
ويطالب حقوقيون فلسطينيون بتحرك قانوني جاد يكفل حق هؤلاء الاسرى ويضمن حماية اطفالهم وعدم الاساءة لهم، فإسرائيل تعاقب الاطفال هؤلاء الاطفال بوصفهم "غير شرعيين" وتمنعهم من الزيارات لحرمان آبائهم من رؤيتهم.
لكن هذه القيود لم تسمح باحباط عزيمة الاسرى في انجاب اطفال يخلدون ذكراهم حتى وان حرموا من رؤيتهم، وانتشرت فكرة تهريب النطف لدرجة ان بعض الاسرى غير المتزوجين يفكرون في مخرج شرعي وقانوني يمكنهم من الزواج والانجاب بهذه الطريقة ويبحثون عن فتيات توافقن على هذا الوضع.
ويظل المجتمع الفلسطيني ما بين مؤيد ومعارض لفكرة "النطف المهربة"، فبينما ينظر المؤيدون للامر على انه كسر للقيود وانتصار لإرادة الحركة الاسيرة، يرى المعارضون أن هذه الفكرة لن تتسبب سوى في انجاب المزيد من الاطفال الذين يحملون صفة "ايتام" رغم ن آباءهم لا يزالون على قيد الحياة بسبب سنوات الاسر الطويلة، والمزيد من الاعباء المعيشية المفروضة على زوجة الاسير التي تتحمل مسؤولية تربية اطفالها بمفردها.