السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تراحموا تصحوا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يشكو الكثيرون من التردى الذى حدث للشخصية المصرية فى الآونة الأخيرة، حيث يشهد المجتمع تراجعا ملموسا فى الأخلاقيات العامة والسلوكيات، وتفشى عادات وسمات لم تكن موجودة بيننا، من أنانية وغش وكذب واستغلال، وهو ما انعكس على العلاقات الاجتماعية بشكل عام وعلى العلاقات الأسرية بشكل خاص، حيث ارتفعت معدلات الطلاق إلى أعلى المستويات، وأصبحنا نحتاج إلى إعادة تأهيل، حتى ننجو بالأجيال الجديدة التى نشأت فى ظل هذا التراجع على كافة المستويات!!.. ولكن رغم هذا التدهور الذى نلمسه، إلا أننا نرى بين الحين والآخر نماذج رائعة تعيش بيننا، تعطينا الأمل وتوقظ التفاؤل فى نفوسنا، وتثبت أن مصر دائما «فيها حاجة حلوة»..فقد قرأت على الفيسبوك منشورا يتم تناقله بين الكثيرين، عن شخص روى موقفا نبيلا شاهده بعينيه فى إحدى الصيدليات حيث نشر ما يلى: «داخل أشترى مرهم لعينى من صيدلية معرفهاش والدكتور بيدور عليه.. والدكتور التانى صاحب الصيدلية واقف بيستقبل الناس اللى دخله تشترى علاج، دخل راجل كبير فى السن طلع روشتة الدكتور بص فيها.. قالوا عايزها علب ولا شرايط ياحاج.. قالوا شرايط بكام.. رد الدكتور قالوا ٤٥٥ جنيها..الرجل مد إيده ياخد الروشتة قام الدكتور بص للأخت اللى قاعدة ع الكاشير بصة أنا مش فاهمها.. وتقريبا أنا الوحيد اللى خدت بالى..الأخت قالت بصوت عالى دكتور الحاج ده العميل رقم ٥٠٠٠ وكسب معنا زى ما حضرتك قولت علاج بقيمه ألف جنيه..الدكتور رد مبروك ياحاج ليك عندنا علاج بألف جنيه تقدر تصرفه فى أى وقت هتاخد العلاج بتاعك كامل ويبقى لسه ليك عندنا ٣٥٠ جنيها ليك تاخدهم علاج أو نقدا زى ما تحب.. والله الرجل سجد شكرا لله وقال ادونى علاج فاطمة ومش عايز فلوس»... هذا الدكتور رفض الإشارة له بأى منشور، حين طلب منه هذا الرجل الفاضل الذى تفضل بنشر هذا الموقف على الفيسبوك، ومع ذلك قام الرجل بذكر الاسم الأول للدكتور قائلا: «ادعوا بظهر الغيب لدكتور حازم».. ما أروع القلوب النقية حين تعطى بلا مقابل، وتحرص أن تكون الصدقة فى أجمل صورة.. هذا الدكتور نموذج مشرف للإنسانية والنبل والرحمة والمروءة، والتى جعلته يحرص على صون كرامة هذا الرجل البسيط الذى لا يملك ثمنا للعلاج، ولديه من التعفف ما يجعله لا يمد يده أو يستجدى الصدقة، فهو مثال لوصف الله تعالى فى سورة البقرة: «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيم».. ففى الوقت الذى نرى فيه الكثير من رجال الأعمال والمشاهير يتصدقون كنوع من الدعاية الأرخص سعرا!!فيقدمون صدقاتهم من خلال بروباجندا لمجدهم الشخصي، وفى الغالب يحرصون على خصم هذه التبرعات من الضرائب المستحقة للدولة عن أعمالهم!!
ونجد البعض يتفاخرون بما يقدمونه من صدقات، وأحيانا يصحبونها بكبر يكسر نفوس وقلوب من تضطرهم الحياة لقبول الصدقة، نجد مثل هذا الدكتور صاحب الصيدلية الذى يعى معنى التكافل الذى تطالبنا به الأديان.. فقد جعل الله تعالى للفقراء والمحتاجين نصيبا مفروضا فى أموال الأغنياء والقادرين..كما تعلمنا من السيرة النبوية ومن سيرة الصحابة، أن الصدقات يجب أن تقدم برقى وفى الخفاء حرصا على الكرامة الإنسانية، ولا ننسى ما قرأناه عن عهد الخلفاء الراشدين، والذين كانوا يحرصون على وضع الأموال والطعام للفقراء أمام أبواب منازلهم ليلا حرصا على مشاعرهم.. والغريب أن من يتفاخرون بأحوالهم ويتعالون بأرزاقهم، يتناسون أننا جميعا خلقنا من نفس واحدة، وجعلنا الله شعوبا وقبائل لتعمير الأرض.. ولكننا نظل إخوة فى الإنسانية مهما علا شأن البعض عن البعض..وكما قال الله تعالى فى سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيم».. أى أن تقسيمنا لطبقات هو ابتلاء واختبار، ولو شاء الله لجعلنا جميعا متساوون فى الأقدار والأرزاق.. والأسوأ هم من يتناسون مبدأ التكافل فى عائلاتهم أيضا!!.. وربما يتصدقون فى العلن، وهم لا يدرون أن هناك من صلة أرحامهم من هم أولى بالصدقة!!.. وأذكر إحدى عاملات المنازل، والتى اضطرتها ظروفها المعيشية للعمل باليومية فى تنظيف البيوت، رغم أنها حاصلة على مؤهل عال، وتنتمى لعائلة من أكبر العائلات التى يشغل أبناؤها وظائف عليا ومرموقة!!..ولا يصدق أحد أن تكون هذه السيدة المكافحة سليلة أسرة أغلبها من الأغنياء، ومع ذلك اضطرتها الظروف لهذا العمل.. بالتأكيد لا يعلم أقاربها عملها الحالي، ولكنهم أساءوا لأنفسهم قبل أن يسيئوا لها ولأبنائها، لأنهم نسوا مبدأ التكافل الذى طالبنا الله تعالى به، ولأنهم نسوا أن «الأقربون أولى بالمعروف» كما جاء فى الحديث الشريف..فيا ليتنا نملك جميعا قلب وفطنة صاحب الصيدلية، الذى يتلمس حاجة المحتاج دون أن يطلب.. ستظل مصر فى حرز الله وأمانه طالما ما زالت بيننا هذه القلوب النقية.