الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمود صلاح يكتب.. "سفاح مصر": هكذا.. أصبحت مجرمًا!.. هويت السرقة.. وأول جريمة في لبنان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تكن الإسكندرية فقط، بل القاهرة ومصر كلها، التى أصيبت فى تلك الأيام بما يمكن أن يقال عليه.. «جنون السفاح»!
ربما لم يكن محمود أمين سليمان لصًا عاديًا، وربما كان لصًا خطيرًا ذكيًا، لكن الظروف وخيانة الأحباء والأصدقاء، هى التى حولته إلى مجرم خطير يبحث عن الانتقام.
أما الصحافة فهى التى ـ بالتأكيد ـ أشعلت نار حمى المطاردة والاهتمام. والصحافة أيضًا هى التى أطلقت عليه اللقب الذى لازمه حتى النهاية.. لقب السفاح!
نشرت نوال زوجة محمود أمين سليمان مذكراتها، وروت فى هذه المذكرات كيف تعرفت على زوجها وأعجبت بشخصيته وثرائه، وكيف أخذت تحلم بحياة زوجية سعيدة معه، وحكت كيف استعدت ليوم عقد القران، وامتلأ بيت أهلها ليوم عقد القران، وامتلأ بيت أهلها بأضواء والزغاريد، لكن العريس محمود تأخر ولم يظهر!
وفجأة داهم رجال الشرطة البيت وكان العريس محمود معهم، وأخذوا يفتشون كل شبر، ويدققون فى كل وجه.
وقالت نوال: وهمس ضابط المباحث فى أذنى: يجب عدم إتمام هذا الزواج.. إن عريسك لص خطير! ولم أصدق الضابط، صرخت فى وجهه.
وقال لى محمود: دى مكيدة.. أنا راجع تانى!
وتصورت أنها بالفعل مكيدة دبرتها زوجته السابقة، الذى حدث أن محمود عاد فعلا بعد نصف ساعة، وقال لى إنهم اتهموه بسرقة فيلا المليونير سباهى، وأن ضابط المباحث هو الذى لفق له هذا الاتهام، بسبب المنافسة على فتاة كان سيخطبها.
وصدقت محمود! صدقته لأننى كنت أريد تصديقه، ولأننى لم أكن أريد أن أفيق من حلمى الجميل، لكنهم عادوا وقبضوا عليه مرة أخرى، وبدأت أتردد عليه فى قسم الشرطة بعد أن أمرت النيابة بحبسه، وقلت له إننى واثقة من براءته.
وفى النهاية، صدر قرار النيابة بحفظ الجناية ضد محمود لعدم ثبوت الاتهام، وتم إطلاق سراحه، وبدأ قلبى يخفق بحبه من جديد، وتحدد يوم آخر لعقد القران، وعادت الطبول والزغاريد، وحضر الأهل والصدقاء والمأذون.. لكن محمود تأخر عن الحضور!
وبدأت أحدث نفسى فى حزن.. يارب لماذا يحدث هذا معى؟
لماذا أصبح أضحوكة الناس، وهل كتب على الشقاء؟ هل قبضت عليه الشرطة مرة أخرى؟
وبدأت الدموع تهطل من عينى، والدقائق تمر ببطء، وبعد ساعتين.. ظهر محمود!
وشاهد الدموع فى عينى، فاعتذر لى، وقال إنه كان فى مهمة فى القاهرة، وتوسل لى أن أقبل عذره، وقال إن المهمة كانت من أجل سعادتنا، وهزتنى كلماته، وقبلت اعتذاره، وتم عقد القران.
وتنفست الصعداء، لكن عندما تلفت حولى لم أجده، اختفى تمامًا كأنه فص ملح وداب!
وقلنا للمدعوين إن العريس اصيب بتعب وذهب إلى الطبيب.
ومضت الليلة سوداء!
■ ■ ■
وفى الصباح.. ذهبت إلى مكتبه وكنت غاضبة للغاية، لكنه بكى كالأطفال.
وقال لى: لم أستطع احتمال الهيصة ودوشة الفرح!
وقال لى إنه يريد أن يدعونى للسهر، فمسحت دموعه، وذهبت معه وأختى وزوجها إلى السينما، ثم خرجنا لنجلس فى أحد المحلات، لأنه دعانا على العشاء، ولأول مرة رأيته يشرب الخمر، ثم ذهبنا إلى منزله.
وفى اليوم التالى أخذنى معه إلى القاهرة، وهناك طافت فى خيالى أحلام كثيرة وعريضة، ومشينا فى شوارع العاصمة، وأخذ يحدثنى عن الدنيا الجديدة، وكانت كلماته مليئة بالحب والعاطفة الصادقة.
وفى المساء عندما عدنا إلى البيت، ونمنا جميعًا فى حجرة واحدة، وكنت أنام إلى جواره، وفجأة انتزع نفسه من أحضانى، واتجه إلى ركن الغرفة، وانقض كالوحش على سكرتيره سمير أنور الذى كان نائمًا فى نفس الغرفة مع أخى وغادة أخت محمود، وانهال عليه بالضرب، وارتفعت صرخات الرجل!
كان محمود كالوحش الهائج..
ورأيته لأول مرة على حقيقته، وارتفع صراخ سكرتيره وصراخ أخته، ولم أفهم شيئًا مما يدور، فجأة أضىء نور الغرف، ورأيت مفاجأة لم أكن أتوقعها!
رأيت السكرتير فى حالة فزع شديد..
وزوجى يضغط بيديه على رقبته حتى كاد السكرتير يموت. وأما غادة أخت محمود.. فقد انزوت فى ركن وهى ترتعد.
ورأيت نفسى أشهد على جريمة قتل على وشك أن ترتكب. وسألت محمود فى خوف: لماذا تريد أن تقتله؟!
قال دون أن يلتفت لى: لقد شعرت بحركة فى الظلام.. وهذا الوغد يريد أن يعتدى على أختى!
■ ■ ■
وطلب محمود من الاثنين شيئًا مستحيلًا!
طلب منهما أن يتزوجا فورًا.. وبعقد عرفى!
وكان هذا من رابع المستحيلات.. فقد كانت غادة مسلمة.. وسكرتير محمود مسيحيًا!
وأكثر من هذا.. فقد كانت غادة متزوجة بالفعل.
وكان محمود لا يزال يضغط على رقبة سكرتيره.
الذى صرخ: خلاص.. حا أكتب.. حا أعترف!
وفى دهشة جلست أشهد محمود وهو يكتب بنفسه عقد الزواج العرفى الذى وقع عليه السكرتير، ثم اتجه نحو أخته غادة وظل يضربها حتى اعترفت بوجود علاقة بينها وبين السكرتير، بعد أن كادت تموت من شدة الضرب.
ولم أكن أتخيل أبدًا أن زوجى الهادئ.. يمكن أن يتحول فى لحظة هكذا إلى وحش مفترس.
وانتهت الليلة سوداء.. وعدنا إلى الإسكندرية!
■ ■ ■
- انتهت الليلة لكن المشكلة لم تنتهِ!
فقد ذهب محمود إلى أمه.
وسألها: عندما كنت محبوسًا فى قضية «سباهى».. أين كان سكرتيرى سمير ينام:
- قالت له أمه: كان ينام فى حجرة الأولاد.
فانهال بالضرب عليها بلا رحمة، ودون أن يرحم ضعفها.
ثم استدعى زوج أخته وروى له القصة، وطلب منه أن يطلق غادة، لكن الرجل رفض.
وقال له: أنا أثق فى زوجتى.. ولا أقبل منك أن تقول هذا الكلام عنها!
لكن محمود ضحك وكشر عن أنيابه وأخرج من جيبه ورقة الزواج العرفى.
وقال لزوج أخته: زوجتك تزوجت رجلًا آخر.. تزوجت سكرتير المسيحى!
وهنا خطف زوج غادة ورقة الزواج العرفى، ثم مزقها وهو ينتفض من الغضب.
وقال لمحمود: عيب.. دى أختك برضه.. وأم أولادى!
وانتهت القصة عند هذا الحد.
لكن يبدو أنها استقرت فى عقل محمود!
ومضت الأيام.
وبدأت أستعد لليلة الزفاف، وأخيرًا جداء يوم الزفاف، وكنت منذ الصباح أدعو الله ألا تحدث مفاجآت، وأن يمر اليوم بسلام.
لكن بدا.. وكأن السماء لم تستجب لدعائى!
فقد تلألأ البيت بالأضواء والزينات، ودقت الطبول، وحضر المدعوون، وبدأ قلبى يخفق بالخوف من المجهول، وتكررت المأساة، ومضى الوقت، ولم يحضر العريس.
وبدأ المدعوون يتململون، وتعبت الراقصات من الرقص، وتصبب وجهى بالعرق، وارتفعت الهمسات تسأل عن العريس، وتمنيت لو تنشق الأرض وتبتلعنى، وفجأة ظهر محمود.
وسألت بلهفة: كنت فين.. وتأخرت ليه.. تكلم؟
همس فى أذنى: بعدين أقول لك.. مش دلوقت!
واضطررت للسكوت، وانتهت الزفة، ودخلت حجرتى وأنا أتأبط ذراعه، وأغلقت الباب علينا وعدت من جديد اسأله: كنت فين.. واتأخرت ليه؟
وذهلت من إجابته!
قال لى محمود: كنت باتجوز!
سألته فى ذهول: إنت بتهزر يا محمود؟
قال بنفس الهدوء: أبدًا.. والله العظيم أنا كنت باتجوز واحدة اسمها حميدة، كمان، واتأخرت هناك علشان المأذون اتأخر علينا شوية!
ولم أحتمل الصدمة
وسقطت من على الفراش، ولا أعرف كم من الوقت قضيت فى غيبوبة، لكنى أفقت على رائحة الكولونيا تتسلل إلى أنفى، ولم أستطع النظر إلى وجهه.
هل هذا معقول؟
هل تزوج زوجى فى ليلة زفافى من امرأة أخرى؟
لا.. مش معقول ولا بد أنه يمزح معى مزاحًا ثقيلًا.
لكنى كنت ساذجة!
فقد كان يعنى ما يقول.
فقد جلس بجانبى يكمل حديثه، وقال لى: معلش يا نوال.. أنا عارف انك زعلانة.. الحكاية بالضبط أن الست دى غنية جدًا، وأنا تزوجتها عشان فلوسها.. فلوسها كتير.. وهى وعدتنى بلأنها ستعطينى أموال، وستفتح لى صالة عرض موبيليات، وحاكسب فلوس كتير، الفلوس حتجرى فى إيدينا، وكل ده طبعًا عشان سعادتك، علشانك إنت!
ولم أعرف ماذا أفعل؟
وفى الصباح.. طلب منى بيجامتين ليحملهما إلى زوجته الثانية.
ونفذت أوامره صاغرة.. باكية!
ومضت الأيام، وذات يوم سافر إلى القاهرة وعاد فى نفس اليوم ومعه مائة جنيه، ولم أساله عن مصدرها، فقد أصبحت أخاف منه.
ومضى يومان، وفاجانى بأننا سوف نسافر إلى القاهرة لقضاء بقية شهر العسل، وكانت حالتى النفسية سيئة فقبلت، وسافرنا إلى القاهرة وكنا نقضى طوال النهار فى النزهة ودخول السينما، ونقضى الليل فى المسارح.
وطوال الخمسة أيام التى قضيناها فى القاهرة كان يخرج من اللوكاندة فى منتصف الليل ويتركنى وحدى، ويعود مع الخيوط الأولى للصباح.
- واسأله: كنت فين يا محمود؟
- يرد: كان عندى شغل!
وكنت أرى محفظة نقوده عامرة بمئات الجنيهات. وبدأ الشك يساورنى..
هل ما يقولونه عن زوجى.. حقيقى؟
وهل هو حقيقة لص كمال قال لى ضابط المباحث فى ليلة زفافى؟
وقررت أن أحتفظ بكل هذه الأسئلة حتى نعود إلى الإسكندرية.
وعدنا، وقلت له: محمود كلمنى بصراحة.. أنا مراتك ويجب أن أعرف كل شىء عن حياتك.. قول يا محمود.. إيه مصدر الفلوس الكتير دى؟
- وتكلم محمود، وقال لى بكبرياء: اسمعى.. إذا كنت عاوزة تعرفى قصة حياتى، فان حياتك معى مش حاتطول.. ومن مصلحتك عدم معرفة شىء.
- قلت له: لا.. أتكلم بصراحة.. عايزة أعرف كل حاجة!
- قال لى: اسمعى يا نوال.. أنا مش بحبك!
- قلت بذهول: إيه؟
- قال: ومش باكرهك!
- سألته: واتجوزتنى ليه؟
- قال: أيوه.. أنا اتجوزتك لسببين، الأول عشان أغيظ مراتى الأولى عواطف.. وكنت واخد الحكاية هزار، والسبب الثانى عشان جميلك علىّ، كنت بتيجى تزورينى فى السجن، وكان بيعجبنى منظرك وانت جاية وفى ايدك الدبلة، انسانة بتحبنى ومؤمنة بيا.. نوال، أنا باحبك زى أمى وزى أختى، وموش ما أستغنى عنك أبدًا.
وجدت نفسى أقول له: لكنى أنا باحبك يا محمود؟
قال: معلش يا نوال.. بكرة ييجى يوم أحبك فيه!
ومضت بنا الأيام..
وبدأت أشعر أنه يعنى كلماته فعلًا.. أنه يحاول أن يحبنى..لقد تأكد أنه كل شىء فى حياتى..
وبدأ قلبه يستجيب لى.. وتأكدت من ذلك ذات ليلة.. نادانى إلى حيث كان يجلس فى الصالون.. وأخذ يداعبنى على غير عادته.
- ثم قال لى فى حب: نوال.. اسمعى.. أنا حا أعمل زى ما أنت عايزة!
- سألته: حا تعمل إيه؟
- قال: حاقولك كل حاجة.. حا أحكى لك قصة حياتى!
وأسند رأسه على صدرى.. ومد ساقيه إلى الأمام.. وبدأ يروى لى قصة حياته..
قصة الجريمة!
كيف أصبح مجرمًا؟!
وجلست ساعات صامتة أستمع إليه فى ذهول..
وكانت حياته مليئة بالمتناقضات!
■ ■ ■
أخذ محمود يعبث بأصابعه فى شعر رأسه وكأنه يبحث خلاله وراء الذكريات..
- ثم قال: حكايتى يا نوال مليئة بالتعاسة والشقاء.. وكان سبب تعاستى هوايتى للسرقة، طفولتى بدأت فى لبنان، كان أبى موظفًا هناك، وكان عمرى ٧ سنوات عندما ارتكبت أول حادث سرقة، سرقت ٤ خيارات، وشعرت بلذة عجيبة وأنا أحتضن الخيارات الأربع.
وما زلت أذكر ذلك اليوم الذى ضبطتنى فيه أمى، وضربتنى بقسوة، وطلبت منى أن أرد ما سرقته، وقفزت من النافذة، اختفيت برهة فوق شجرة فى الحديقة، ثم رجعت من نفس النافذة، وناديت على اخوتى ووزعت عليهم الخيار، ودخلت والدتى وضبطتنا ونحن نأكل الخيار المسروق!
وربطت أمى أخوتى كل اثنين من شعورهم!
وانهالت علينا ضربًا بعيدان القصب..
وجلست أبكى بعد العلقة..
وعندما علم والدى لم يفعل شئًا.
- وقال لها: مالكيش دعوة به.. بكرة يتعلم وحده! وفرحت لما قاله أبى..
ودخلت كلماته إلى قلبى.. وليتها ما دخلت!
وبعدها بأيام..
كنت ألعب مع صديقى الطفل اللبنانى «خيرالدين صايغ»، ووجدت يدى تمتد إلى البرتقال المعلق فى اشجار الحديقة التى بجوارنا واقتسمنا البرتقال، وعدت إلى البيت، وهناك واجهتنى أمى، وسالتنى عن مصدر البرتقال، فقلت لها إننى اشتريته وإن أبى أعطانى نصف ليرة، لكن أمى أخذت البرتقال.
- وقالت لى: لن تأكله حتى أسال والدك.
وأقسمت لها كاذبًا.
لكنها لم تصدقنى.
وخفت من أن أواجه أبى.
وقررت الهرب من البيت.
وعرضت الفكرة على صديقى الصغير فوافق فورًا
وهكذا.. هربنا إلى طرابلس!