الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأب الروحي لعشماوي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحدثنا الأسبوع الماضى فى عُجالة عن هشام عشماوى -الصيد الثمين- وألقينا الضوء على عدد من النقاط الفاصلة فى حياته إلا أننى رأيت من الضرورى والمهم أن نتحدث بقليل من التفصيل عنه عسى أن نساهم فى إيضاح بعض الأمور نربط الأحداث على مدار السنوات الماضية.
فى البداية من المهم أن نرصد أهم الدلالات الاستراتيجية لتسليم هشام عشماوى لمصر والتى يمكننا تلخيصها فى النقاط الاتية:
* ذراع مصر الأمنية والعسكرية والسياسية أصبحت تطول مناطق كثيرة فى الشرق الأوسط منها ليبيا على سبيل المثال لا الحصر، ومعظم الدول الآن حولها ضعيفة أو شبه مفككة وقد تحتاج عونها الأمنى أو العسكرى أو السياسى بحيث أصبحت مصر من الدول القوية فى المنطقة مرة أخرى.
* خطر الإرهاب المقبل على مصر من الناحية الغربية قد تلاشى تمامًا، وأن هذا التهديد قد انتهى تقريبًا، فقد كان هشام عشماوى فاعلًا ومؤثرًا فى تكوين وتشغيل وتأطير المجموعات القاعدية التكفيرية فى هذه المنطقة، وساعد على تلاشى هذا الخطر عوامل أخرى منها النشاط المصرى داخل أفريقيا، وكذلك سيطرة الجيش الوطنى الليبى على مفاصل مهمة داخل التراب الليبى.
* القبض على هشام عشماوى وتسليمه لمصر سيعطى دفعة معنوية هائلة للجيش والشرطة المصرية وتشجيعهم لإنهاء الخطر المقبل من الشرق مثلما أنهوا الخطر المقبل من الغرب.
* القبض عليه سيعطى انتكاسة معنوية للإرهابيين خاصة من إرهابيى سيناء، الذين يتدهور موقفهم يومًا بعد يوم، ويتلقون ضربات قاصمة ويزداد موقفهم العسكرى والأمنى والمالى والتسليحى سوءًا بعد إغلاق جميع المنافذ التى كانت تمولهم ماليًا وتسليحيًا وقتل الكثير من قادتهم البارزين، كما سيؤدى إلى إحباط كبير فى الروح المعنوية لكل الذين يمارسون الإرهاب أو يفكرون فيه.
* وقوع عشماوى فى قبضة الجيش والأمن المصرى يعنى أن الإرهاب كله عبر العصور لا مستقبل له ولا جدوى منه ومصيره الزوال، وأن الدولة مهما كانت حالتها ووضعيتها ونظامها ملكية أو جمهورية فقيرة أو غنية، شفافة أو فيها مشاكل، ديمقراطية أو ديكتاتورية، متقدمة أو متخلفة، ستنتصر على الإرهاب، لأن الدولة مهما كان فيها فهى أفضل وأأمن وأرقى للناس وأرحم بهم من الميليشيات، وأن أسوأ دولة أفضل من أحسن ميليشيا، وأن فقه الدولة يتسع للناس جميعا، أما فقه الميليشيات فهو لا يتسع إلا لها ثم يضيق بعد ذلك حتى على أصحابه.
* القبض على عشماوى يعنى تناغم مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والسيادية وبسط نفوذها، وأن ثمة شراكات استراتيجية بينها وبين الدول الأخرى، وأن هذه الدول أصبحت تثق فى عودة اللياقة والقوة إلى هذه الأجهزة مرة أخرى.
* بداية النهاية لتنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش فى إفريقيا عامة وشمالها خاصة، بعد انهيار المشروع الفكرى والعقائدى للقاعدة وداعش، كما أن مستقبل القاعدة فى الشمال الإفريقى كله قد قارب على الزوال، وسينعكس ذلك على تونس والجزائر والمغرب وتشاد، ومالى، ويطال نيجيريا وبوكو حرام.
وتواكب ذلك كله مع امتداد مصرى إلى أفريقيا سيحرم خصوم مصر من ملعب كبير كان يمكنهم السيطرة عليه، وتحول أفريقيا لمساحة مفتوحة للاستثمارات المصرية خاصة فى مجالات المقاولات والطب والدواء.
* ترسيخ جديد للقاعدة المعروفة والمستقرة، أن أى تنظيم أو ميليشيا مسلحة مهما كانت قوته لا يستطيع أن يهزم دولة مهما كان ضعفها، فعند الوقوف على المحك ينحاز الناس للدولة ويقفون إلى جوارها، فضلًا عن ثبات مؤسساتها واستقرار نظم عملها، وعمق وتجذر الأسس التى تقوم عليها مؤسسات الدولة بالنسبة للميليشيات التى لا تقوم على قاعدة ثابتة أو عمق تاريخى أو أسس مستقرة أو نظم ثابتة.
ويبقى أن نتعرض إلى تاريخ هشام عشماوى نفسه.. ذلك الضابط المفصول من الخدمة والذى كون تنظيم «المرابطون» حيث كان جزءًا من أنصار بيت المقدس الذى كان يقوم بعملياته فى سيناء وغيرها وذلك قبل مبايعته للبغدادى وتحوله لداعش سيناء، ورفض عشماوى وتلاميذه ترك القاعدة، وكونوا تنظيمًا وحدهم ظل على ولائه للظواهرى، وانضم تنظيم المرابطون بقيادة عشماوى إلى مجموعات مختار بلمختار واعتبر نفسه الفرع المصرى له، وقام بعمليات كثيرة قبل وبعد الانفصال، منها محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم والفرافرة ١، ٢ ومذبحة العريش ٣ وتفجير القنصلية الإيطالية بالقاهرة، والذى خطط عملية الواحات أما منفذها فهو تلميذه عماد الدين عبدالحميد.
اعتنق هشام عشماوى بعض الأفكار التكفيرية على يد الضابط السابق طارق أبوالعزم «المحكوم عليه بالمؤبد حاليًا» فتم فصله من الخدمة، سافر إلى سوريا عبر تركيا متسللًا ثم عاد إلى مصر وانضم إلى أنصار بيت المقدس بسيناء، ذهب إلى ليبيا ليشارك فى الحرب ضد القذافى، عاد للقاهرة بعد ٣٠ يونيو وعزل مرسى، تولى التدريب فى أنصار بيت المقدس بسيناء، وخطط ورصد مع تلميذه عماد عبدالحميد، اللواء محمد إبراهيم، أما الذى فجر العبوة فهو تلميذه وليد بدر وهو المسئول عن مذبحة العريش الثالثة، والفرافرة ١ و٢.
الجميع يعرف تنظيم أنصار الشريعة الذى قتل ١٤ ضابطًا وجنديًا من الشرطة المصرية فى محافظة الشرقية بقيادة أحمد عبدالرحمن، ولكن لا يعرف من المنظر الفكرى له.
وكلنا يعرف تنظيم أجناد مصر الذى قاده همام محمد عطية الذى قام بعشرات التفجيرات خاصة فى محافظة الجيزة وميدان النهضة حتى استطاعت أجهزة الأمن القضاء عليه، ولكن لا أحد يعرف المنظر الرئيسى والأساسى لهذا التنظيم التكفيرى.
كل هذه التنظيمات المسلحة لم تأت من فراغ ولم تولد بين عشية وضحاها، فقبل الضغط على زناد السلاح أو الضغط على مفجر القنابل والألغام كان هناك الفكر الذى أمر بذلك، فالمفكر الأساسى لهذه المجموعات هو رفاعى سرور، وهو أحد تلاميذ عبدالمجيد الشاذلى الذى هو من أنبغ تلاميذ سيد قطب.
وتحركت فكرة التكفير عبر هذا المثلث حتى نشر رفاعى سرور هذه الأفكار فى شرق القاهرة انطلاقا من منطقة المطرية، ثم جاءت فرصته الكبرى لنشر أفكاره عبر مجموعات حازمون بعد ثورة يناير، حيث قام الشاذلى وسرور باستقطاب حازم أبوإسماعيل ودعماه وأمرا جميع أتباعهما بدعمه وكونا الغطاء الفكرى والدعوى لحركته.
كانت هذه المجموعة مثل غيرها لا يعرف عقلها فكر التكفير ولم تتشرب نفسها أفكاره حتى التصقت مع العشرات من الشباب عقب ثورة يناير بمنظرين من أقوى منظرى التكفير وهما عبدالمجيد الشاذلى ورفاعى سرور، وهذه التنظيمات استغلت الغياب الكامل لمؤسسات الدولة المصرية مع الفراغ الأمنى الكامل بعد ٢٥ يناير وتوحدت مع المجموعات السيناوية الهاربة من السجن، واستغلت وجود مدربين فلسطينيين ذوى كفاءة عالية فى مثلث «رفح الشيخ زويد العريش» فى شمال سيناء والوجود المكثف لأسلحة الجيش الليبى ومتفجراته الحديثة، فضلا عن إرسال بعض الشباب لسوريا وليبيا للتدريب والقتال.
كل هذه العوامل صبت فى تكوين تنظيمات تكفيرية تفجيرية شرسة بدأت عملياتها وتفجيراتها بعد اسقاط حكم الإخوان، وهى تعتبر أشرس وأفظع عمليات إرهابية فى تاريخ مصر كله.
رحم الله شهداءنا وحفظ الله مصر وشعبها وجيشها