الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الممر.. ملحمة سينمائية عسكرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عجزت السينما المصرية عن تجسيد البطولات الحربية التى قامت بها قواتنا المسلحة على مدار تاريخها المعاصر، خاصة فى فترة ما قبل وأثناء معركة العبور العظيم فى أكتوبر ١٩٧٣، وللأسف فإن المكتبة السينمائية المصرية فقيرة للغاية فى هذا المجال وإذا فتشت فيها فلن تجد أكثر من عشرة أفلام فقط هى التى تدور أحداثها حول بعض اللحظات التاريخية العسكرية، وأظن أنها مشكلة تواجه مدير أى محطة تليفزيونية مصرية وقت الاحتفال السنوى بنصر أكتوبر، الأفلام الموجودة لديه معادة ومكررة وحفظها الجمهور عن ظهر قلب كالعمر لحظة، والرصاصة لا تزال فى جيبي، بدور، الطريق إلى إيلات، يوم الكرامة، حكايات الغريب، أبناء الصمت وأيام السادات، وبعض هذه الأفلام لا نستطيع تصنيفها كفيلم حربي، فمعظمها أفلام اجتماعية يلوح فيها شبح الحرب فى الأفق البعيد، أما فيلم الممر الذى يعرض حاليًا فى دور السينما فهو التجسيد الحقيقى للفيلم الحربى الذى غاب طويلًا عن السينما المصرية ونحن نلحظ ذلك ابتداء من المشهد الأول الذى نرى فيه قادة إسرائيل يجتمعون ليشاهدوا ويحللوا أغنية «الله معك» للسيدة أم كلثوم، وهى الأغنية التى شدت بها فى الأول من يونيو ٦٧ بمسرح قصر النيل، وهى من كلمات الراحل صلاح چاهين وألحان رياض السنباطى، هذه الأغنية التى كانت بمثابة التمهيد للحرب، وقد استشعر قادة إسرائيل ذلك من خلال تحليلهم لكلمات الأغنية ووجود ملقن خلف أم كلثوم ليذكرها بالكلمات مما يوحى بأن الأغنية قد أعدت على عجل وبأمر من القيادة فى مصر ومما يؤكد أن عبدالناصر على وشك اتخاذ القرار بالحرب وهو يؤهل الشعب لذلك خاصة بعد إعلانه إغلاقه لمضيق العقبة وحشده لقواتنا المسلحة فى سيناء وهو الأمر الذى يعترض عليه الرائد «نور» أو أحمد عز، فالحشد يتم بلا تدريب أو دراسة والآلاف يأتون بملابسهم المدنية دون أن يتدربوا على الإمساك بالسلاح مما ينذر بخطر كبير حال قيام الحرب والتى أرادت إسرائيل أن تبدأها بضربة موجعة وحاسمة فى صباح الخامس من يونيو، ذلك اليوم الأسود الذى لن ننساه أبدأ، وللحق فإن المخرج الكبير شريف عرفة قد تمكن ببراعة متناهية من أن يسقينا كأس الهزيمة المرة، ونجح فى تصوير الحالة العسكرية التى كنا عليها وكيف تم ضرب المطارات والجنود ومراكز القيادة وكيف عاد الجنود سيرا على الأقدام فمات منهم من مات ولاحقتهم الطائرات الإسرائيلية وأخذت تبيدهم بوحشية وهمجية،متناسية أنهم عزل بلا سلاح، ولا شك أن هذه الحالة التى وضعنا فيها شريف عرفة جعلتنا نتطلع إلى ما يشفى الصدور، وهو ما ظهر فى العملية العسكرية التى كلف بها «نور» وقتله للقائد الإسرائيلى فى نهاية المطاف بعد سلسلة من المعارك الصعبة، ولاشك أيضا أن الإمكانات الضخمة التى وفرتها القوات المسلحة لهذا الفيلم كانت سببا فى إنجازه بهذا الشكل اللائق، فنحن اليوم نستطيع القول إن لدينا فيلما حربيا بمعنى الكلمة بل ويضاهى تلك الأفلام التى صنعتها هوليوود، وأما بقية عناصر العمل فقد كانت تعزف ببراعة أمام مايسترو يقودها اسمه شريف عرفة، فالنجم أحمد عز قد وصل فى هذا الفيلم إلى حالة فنية جعله يغرد وحده محلقا بجناحيه فى فضاء فسيح مجسدا لنا شخصية البطل «نور» فتراه وهو يمثل بعينيه وبصمته معبرا عن التقلبات والتحولات التى حدثت فى حياته عقب النكسة ووصولا إلى نجاحه فى تنفيذ المهمة التى كلف بها، ويأتى دور أحمد رزق أو الصحفى إحسان، بهجة الفيلم وصانع السرور، فما إن يظهر حتى تضج القاعة بالضحك وطوال أحداث الفيلم وأنت تخاف على مصيره وتخشى أن يموت فى النهاية ولكن يبدو أن صناع الفيلم قد أدركوا ذلك ففكروا بعكس تفكيرنا، فقدموا محمود أو أحمد فلوكس شهيدا وهو البطل الأسير الذى كان يواجه القائد الإسرائيلى بكل قوة ليزيد غضبنا عند موته من هذا القائد الإسرائيلى الذى جسده إياد نصار ببراعة تجعلك تكاد تجزم أنه من إسرائيل، والحقيقة أن جميع الممثلين فى هذا الفيلم قد أظهروا قدرات فنية وأخرجوا طاقات كانت كامنة بداخلهم، ولذا فقد صدقناهم جميعا، وأخص منهم أحمد صلاح حسنى ومحمد الشرنوبى وهند صبرى والرائع المتألق محمد فراج ومحمد جمعة والموهوبة التى تضع قدمها على طريق النجومية أسماء أبواليزيد، ولا يستطيع مشاهد الفيلم أن يغفل ذلك التأثير القوى الذى أحدثته موسيقى القدير عمر خيرت، والتى تثير شجونا ومشاعر متداخلة بداخلك معبرة عن كل لحظة درامية.. وهكذا فنحن أمام فيلم حربى متكامل سيبقى فى ذاكرة السينما المصرية طويلا وسيصبح علامة فى تاريخها، فتحية لكل صناعه وتحية لقواتنا المسلحة التى تدرك قيمة الفن.