الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

القاهرة تحذر أنقرة من استمرار عمليات التنقيب.. وتشدد: لن نصمت أمام أي محاولة مساس بالمنطقة الاقتصادية في «حوض المتوسط»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استحوذت منطقة شرق المتوسط على أهمية كبيرة خلال الفترة الأخيرة تحديدًا بعد اكتشاف العديد من مصادر الغاز الطبيعى هناك، وباتت أكثر عرضة للصراع الجيوسياسى الإقليمى والعالمى، وأضحت الكشوفات الجديدة للغاز مصدرًا للنزاع الإقليمى على هذه الثروات باعتبارها عامل تهديد للاستقرار بدلًا من أن تتحول إلى عنصر استقرار فى المنطقة مما ينذر بتحفيز الصراعات، وتجددها كالصراع التركى المصرى.
وتتخذ منطقة حوض شرق المتوسط أهميتها كونها تتضمن أكبر احتياطيات كبرى من الغاز الطبيعى، ووفق تقديرات المسوح الجيولوجية الأمريكية، فإن هذه المنطقة تحتوى على ٣٤٠ تريليون قدم مكعب من الغاز، وفى نفس السياق، وبالتوازى مع هذه الاكتشافات النفطية تتزايد التعقيدات السياسية بالدول المعنية وما يتعلق من خلافات ومشاكل حول الحدود البحرية لكل دولة، وبالتالى حصة كل دولة من هذه الاكتشافات، وما قد تمثله من تحول فرص التعاون الاقتصادى والسياسى إلى تهديدات عسكرية.


توترات مصرية - تركية
تصاعدت التوترات المصرية - التركية فى منطقة البحر المتوسط قبالة السواحل القبرصية؛ حيث حذرت القاهرة تركيا من استمرار عمليات التنقيب، ومن قبل حذرت مصر تركيا على لسان المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية «أحمد أبوزيد» فى ٧ فبراير ٢٠١٨، من أى محاولة للمساس بسيادتها فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لها فى شرق المتوسط، كما قامت القوات البحرية المصرية بالعديد من المناورات العسكرية لرفع الكفاءة القتالية وحماية المياه الإقليمية ضد أى أعمال عدائية خارجية، ولا ينفصل ذلك عن الجهود المبذولة لإنشاء تحالف مصرى - يونانى مع قبرص بهدف استغلال غاز المتوسط فى مواجهة تركيا، وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات المصرية - التركية تشهد مرحلة من التوترات غير المسبوقة بعد عزل الرئيس «محمد مرسي» من الحكم فى ٣ يوليو ٢٠١٣، وفى نوفمبر ٢٠١٤ عقد الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى قمة مع رؤساء حكومتى قبرص واليونان، وتم التوقيع على الاتفاقية الإطارية المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بينهم دون تركيا، كما أعلنت مصر تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط بمشاركة ٧ دول دون تركيا فى ١٤ يناير ٢٠١٩، لتحقيق التعاون وفقًا لمبادئ القانون الدولى فى منطقة شرق المتوسط بين منتجى ‏الغاز الحاليين والمحتمل بين أطراف الاستهلاك والعبور فى المنطقة، وذلك لتعميق التفاهم والوعى ‏المتبادل بالتحديات والمصالح المشتركة فى مجال الطاقة بين دول شرق المتوسط، كما شدد الوزراء ‏على التزامهم بالعمل على تمهيد الطريق للتعاون المثمر فى المجالين التقنى والاقتصادى، بهدف ‏الاستغلال الكفء لإمكانات الغاز فى المنطقة، ويأتى إنشاء المنتدى فى إطار سعى مصر للتحول لمركز إقليمى للطاقة فى المنطقة، ويبدو أن مصر تفوقت على تركيا فى هذا المجال، إذ استطاعت أن تستقطب إليها دول غاز شرق المتوسط، كدولة عبور لأنابيب الغاز (ترانزيت)، وهذا ما كانت تسعى إليه أنقرة.
على الجانب التركى أعلن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بأنه سيلجأ إلى حلف شمال الأطلسى (الناتو) لتأمين نشاطه فى المنطقة، وأعلنت تركيا مؤخرًا تنفيذها أعمال تنقيب عن الغاز فى مياه شرق المتوسط، مما أثار انتقادات شديدة من قبل اليونان والاتحاد الأوروبى ومصر، وأكد أردوغان أن بلاده مستمرة فى التنقيب عن الغاز شرقى المتوسط رغم الانتقادات والتحذيرات التى وجهت إليه، مشيرا إلى أنّ السفن التركية تواصل أعمال التنقيب من أجل حقوق أشقائها بجمهورية قبرص التركية بصفتها دولة ضامنة، وذلك فى ظل ما أعلنته تركيا رفضها اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين مصر وقبرص عام ٢٠١٣، معلنة أنه لا يحق للحكومة القبرصية التوقيع على أى اتفاقيه فى ظل التوتر التاريخى بينهم حول النزاع على جزيرة قبرص الشمالية فى ظل تكريس انقسام شطرى الجزيرة عام ١٩٧٤.
وحذر الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، شركات النفط والغاز الأجنبية من أى عمليات استكشاف وتنقيب قبالة الشواطئ القبرصية، مشددا على أن بلاده لن تسمح للمحاولات الرامية «لإقصائها عن البحار»، وجاء تحذير أردوغان خلال خطاب ألقاه خلال مشاركته فى مراسم تسليم سفينة حربية «فرقاطة» تركية الصنع إلى قيادة القوات البحرية، وقال أردوغان إن بلاده لن تقبل بالمحاولات الرامية إلى «إقصاء تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية وسلب الموارد الطبيعية المتوافرة شرق المتوسط».


أسباب التنافس
يمكن إرجاء حالة التنافس والصراع بين مصر وتركيا إلى العديد من الأسباب سواء على مستوى العلاقات الثنائية فيما بينهما أو الظروف الإقليمية التى أدت إلى بلورة مثل هذه التوترات، وفى هذا الصدد يمكن الإشارة إلى بعض العوامل التى من شأنها بلورة الإطار العام للصراع الحالى فى منطقة شرق المتوسط بين مصر وتركيا أهمها:
إن معظم دول شرق البحر المتوسط لم تكن جاهزة تجاه البيئة القانونية المناسبة لاستثمار الثروات قبالة سواحلها. ومع بدء الاكتشافات قبل حوالى عقد من الزمان، دخلت دول المنطقة فى سباق مع الوقت.
إلى جانب إن الاتفاق على ترسيم الحدود وتحديد الحقول مع الدول المجاورة معلقًا، لكن مع الاكتشافات الضخمة، أصبحت المسألة مهمة للغاية، وباتت موازين القوى أكثر أهمية فى المعادلة، إلا أنه وبالرغم من وجود العديد من الأسس القانونية الحاكمة لقانون البحار واتفاقيات ترسيم الحدود بين الدول، فإن ذلك لم يمنع من وجود طموحات إقليمية لبعض الدول التى تسعى وراء مكاسب سياسية واقتصادية.
كما أن الدور التركى المعادى للعديد من دول المنطقة مثل اليونان وقبرص ومصر، وهذا المشهد التنافسى بات أكثر الشواهد تعبيرًا عن خريطة التحالفات الإقليمية الجديدة شرق المتوسط وصراع المراكز الإقليمية على هذه الثروة، خاصة على خلفية الادعاءات التركية بأنها ترى أن هذه الأعمال تنتهك الجرف القارى التركى، وأن هذه الاتفاقيات تتجاوز السيادة التركية.


تعزيز القدرات الدفاعية
اتجهت مصر لشراء أسلحة من فرنسا وألمانيا وروسيا وأمريكا بـ٢٠ مليار دولار، لتدعيم الجيش المصرى خاصة القوات البحرية والجوية، تحسبًا للمواجهة المقبلة مع تركيا؛ حيث تم التعاقد مع فرنسا على شراء أربع فرقاطات من نوع جوييد، وفرقاطتين من نوع فرايم، خلافًا لحاملتى طائرات مستيرال لحمل طائرات هليكوبتر وقمر للاتصالات العسكرية، كما تم التعاقد على ٤ غواصات من ألمانيا، و٤ لنشات أمريكية سريعة من طراز إمباسدور، بخلاف صورايخ اس٣٠٠ الروسية بنسختها (فى إم) المتطورة. وفى مجال الطائرات تم شراء ٢٤ طائرة رافال فرنسية و١٢ طائرة إف ١٦ أمريكية و٥٠ طائرة ميج ٢٩ روسية بالإضافة إلى ٥٠ طائرة عمودية من طراز كا ٥٢، والتى تصلح للعمل على حاملتى الطائرات الفرنسية المستيرال، بالإضافة إلى افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية.
وشاركت مصر فى نوفمبر ٢٠١٧ فى مناورات عسكرية مشتركة مع اليونان فى جزيرة رودس اليونانية المنزوعة السلاح لقربها من الأراضى التركية، كما شاركت اليونان فى مناورات النجم الساطع عامى ٢٠١٧ و٢٠١٨ بعد إعادة إحيائها مرة أخرى فى قاعدة محمد نجيب العسكرية.
كما حذرت وزارة الخارجية المصرية تركيا من مغبة التنقيب عن الغاز فى شرق قبرص دون الاستناد إلى اتفاق بين دول شرق المتوسط، معتبرة أن ذلك يهدد أمن واستقرار المنطقة، خاصة بعدما أعلنت أنقرة أنها ستنقب فى المنطقة.


الرفض الإقليمى والاستفادة المصرية
تزايدت حدة التوترات بين تركيا والعديد من الدول الإقليمية فى منطقة شرق المتوسط، الأمر الذى انعكس على مستقبل الأمن والاستقرار فى المنطقة ومن أهم تلك التوترات:
- اليونان: فى تصعيد جديد أعلن وزير الدفاع اليونانى «ديميتريس فيتساس» أن إذا ما حاولت تركيا توسيع حدودها البحرية، فإن اليونان لديها القدرة على الرد دبلوماسيًا وعسكريًا على هذا الإجراءات، وصرح وزير الخارجية اليونانى «نيكوس كوتزياس» بأن اليونان لن تسمح لتركيا بأن تنتهك القانون الدولى كما تفعل فى منطقة الشرق الأوسط.
- قبرص والاتحاد الأوروبي: فى ١٠ فبراير ٢٠١٨، اتهمت قبرص تركيا بتهديدها باستخدام القوة لمنع شركة «إيني» الإيطالية من التنقيب على الغاز فى البحر المتوسط، وعلى خلفية هذا التصعيد صرحت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» نقلًا عن صحيفة «كاثرميني» اليونانية فى ٢٤ فبراير ٢٠١٨، بأن ألمانيا تدعم حقوق أثينا ونيقوسيا فى مواجهة الاستفزازات التركية، وتوج التصعيد الأوروبى عندما أشار قادة الاتحاد الأوروبى بإلغاء اجتماع مزمع مع الرئيس التركى «أردوغان» الموافق ٢٦ مارس ٢٠١٨، فى بلغاريا، معربين تضامنهم مع قبرص واليونان.
تبع ذلك تصريح «دونالد توسك» رئيس المجلس الأوروبى بأن اليونان وقبرص لهما الحق السيادى فى التنقيب على الموارد فى شرق المتوسط، ودعا الاتحاد الأوروبى تركيا إلى البعد عن التهديدات والامتناع عن أى تصرفات قد تضر حسن الجوار.
ويمكن لمصر الاستفادة من حالة الرفض الأوروبى للسياسات التركية حول تهديد أمن واستقرار منطقة شرق المتوسط، والتوترات مع الدول الواقعة فى المنطقة خاصة قبرص واليونان لتحقيق تقارب معها لكى تصبح مصر مركزًا إقليميًا للطاقة.