الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

محمود بقشيش.. انحياز الفن للطبقات المقهورة

محمود بقشيش
محمود بقشيش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يترك الفنان التشكيلى دائمًا فرشاته حرة أمام لوحته، فيُعبر عما يدور بداخله من أفكار وآراء فى مختلف مجالات الحياة، ولكن فى الحلقة الثانية والعشرين من «بورتريه»، جمع الفنان بين حرية التعبير ونظرة الناقد الفنى التى تتحكم فيما يدور بذهنه قبل أن يصل إلى فرشاته، إنه الفنان التشكيلى والناقد محمود محمد بقشيش، والشهير بـ«محمود بقشيش».
رغم براعة «بقشيش» فى عالم النقد الفنى، إلا أنه كان يُعبر عن إقباله على رسم اللوحات لحبه الشديد لهذا الفن قائلًا: «لا أدخل إلى اللوحة بخطة مسبقة، بل أدخلها بريئًا كطفل، وأنتظر من سطح اللوحة الأبيض النظيف أحيانًا والعشوائى أحيانًا أخرى، أن يلهمنى بموجوداتى الفنية، التى لا تلبث أن تتسلل من ذاكرة مسكونة بالبحر وبالكثبان الرملية والأطلال والعمائر الفطرية وأحزان الحرب والتخلف، وأجدنى وقد تقمصتنى روحان متعارضتان، روح صائد اللآلئ، وروح المتعبد الزاهد من أجل سلامة روحه وسلامة أرواح الآخرين، فى زمن مات فيه الفنان النبى، واحتل مكانه الفنان رجل الأعمال والناقد السمسار».
ومن كلمات الفنان يتضح تأثره الشديد بالبحر والبيئة الريفية، فهو من مواليد محافظة الغربية التى أثرت بجوها النقى والعذب على مشاعر «محمود بقشيش» الفنية، فاتجه إلى مجال الفن التشكيلى الذى بدأت رحلته الحقيقية فيه منذ التحاقه بكلية الفنون الجميلة وحصوله على البكالوريوس من قسم التصوير وهو فى الخامسة والعشرين من عمره.
اتسمت أعمال «بقشيش» بأسلوب خاص به، فتارة يجد المُشاهد بعض علامات من السيريالية، وتارة أخرى يستخدم التجريدية، فأسلوبه كان خلاصة من تجارب وإبداعات عديدة خاضها خلال مشواره الفنى، وأغلب أعماله كانت حول التراث والبيئة المصرية وما يجرى بها من أحداث مُختلفة، حتى أصبح أسلوبه المُستخدم بمثابة علامة فارقة فى تاريخه الإبداعى على المستوى الخاص، وفى تاريخ الفن التشكيلى المصرى كله على المستوى العام.
جمع الفنان محمود بقشيش بين العديد من الفنون، فبجانب كونه فنانًا تشكيليًا كان يُحب النقد وبالفعل برع فيه، فكتب العديد من الكتب التى اتخذتها الأجيال من بعده مرجعًا لها، ومُعلم كبير يُفيدهما فى أعمالهما الفنية المُختلفة، وبجانب كل ذلك كانت للفنان بعض الميول الموسيقية أيضًا.
كتبت الأديبة هدى يونس، زوجة الفنان عن شخصية «بقشيش» قائلة: «دائم الأسئلة والبحث ليس كفنان بل كمفكر نخبوى وفلسفى، متأمل فى الحداثة والدين يستمع إلى القرآن مبحرًا فى التشكيل والتركيب اللغوى، الفن عنده مرتبط بالسياسة وانحيازه للطبقات المقهورة، يرفض الظلم الاجتماعى ليس بالكلام وإنما بما يقدمه من خط وموقف واهتمامه الكلى بالثقافة والفن».
وواصلت الكاتبة: «يستخدم العقل أثناء الضرورة ويترك الداخل ينساب على المسطح، يتأمل حدوث أشياء كثيرة بتفكير منطقى واحترامه الكامل للعلم، روحه منطلقة بدون حسابات، يتجاوز الذات عن طريق الروح والحدس، رؤيته لا تعتمد على العالم البصرى وفيها انحيازات ورغم التدقيق الحر، نجد أعماله تعبيرًاعن الذات والرؤى القادرة على التحليل، يبحث دائمًا عن العالم اللامرئى، تجسد أعماله إحساسًا كونيًا وميتافيزيقيًا وواقعيًا، تتسرب فيه أحزان الماضى ويستشرف المستقبل، لا يعرف المساومة وآراؤه النقدية لا تحمل غزلًا أو نفاقًا، وتأتى بعد التحليل المتشعب والمتداخل لكل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية».
سافر «بقشيش» خلال حياته إلى العديد من البلاد الأجنبية والعربية منها باريس وروما، وبغداد والجزائر، فكان لهذه الزيارات دور كبير فى أعماله الفنية والنقدية حيث تعلم الكثير وأضاف إلى خبرته الكثير، وكان يعمل الفنان على رعاية الشباب بجانب كونه فنانًا وكاتبًا أصدر العديد من الكتب الفنية النقدية الهامة، هذا إلى جانب مساهمته فى تأسيس جمعية نُقاد الفن التشكيلى، واستمرت أعماله الفنية والنقدية تتزايد فى إثراء تاريخ الحركة التشكيلية المصرية، حتى فارق الفنان عالمنا فى ٢٠٠١ وهو فى الثالثة والستين من عمره.