الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

موسيقى فرانز جوزيف هايدن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى عام ١٧٤٥، عين أمير مقاطعة مانهايم بألمانيا، عازفًا بارعًا على «الفيولينه» (الكمان) يدعى «يوهان أنطون شتامتس» الذى أصبح بعد تعيينه بفترة وجيزة قائدًا لأوركسترا البلاط. وبفضل توجيه هذا العازف العبقرى – كما أوضح ذلك جوليوس يورتنوى فى كتابه: «الفيلسوف وفن الموسيقى»– أصبح أوركسترا مانهايم أعظم مجموعة من العازفين فى أوروبا، وعرض هؤلاء الموسيقيون تحت قيادته، ألوانًا وأساليب جديدة للعزف، واستحدثوا تأثيرات إيقاعية ودينامية لم تعرفها الأذن الأوروبية من قبل؛ فاستخدموا طريقة التصاعد (أى تقوية الصوت رويدًا رويدًا) والخفوت (أى هبوط الصوت شيئًا فشيئًا) بنجاح ليس له نظير. وقد مهدت مدرسة مانهايم للفترة المقبلة فى الحضارة الغربية، وهى الفترة التى كانت تتميز بعلاقة جديدة أكثر إنسانية بين الموسيقى الذى ينتمى إلى الطبقة الوسطى وبين أفراد الطبقة العليا فى المجتمع. وكان للآراء الاجتماعية والفنية التى نادت بها هذه المدرسة أعظم تأثير على «فرانز جوزيف هايدن» الذى برز بوصفه أحد عباقرة عصره فى تأليف السيمفونيات والرباعيات الوترية. 
وقد امتدت حياة «هايدن» طوال الفترة الكلاسيكية للموسيقى بأكملها، واستهل هو ذاته عهد الأسلوب الكلاسيكى فى الموسيقى عن طريق تطوير طريقة للتفكير من خلال ألحان موسيقية رئيسية، بمعنى أنه وضع أسس التركيب المنطقى للتفكير الموسيقى المبنى على الألحان. وقد عبر عن هذه الأفكار الموسيقية فى ألحان مميزة، وزاد على موسيقى «عصر الباروك» بأن وزع اللحن على أكثر من خط صوتى واحد وحسب أهميته. وقد ظل «هايدن» متمسكًا بالنظر إلى اللحن على أنه تفكير موسيقى فى كل رباعياته، وبذلك أضفى عليها استمرارًا واتصالًا – على عكس ما كان يتميز به عصر «الباروك». 
وقد حرص «هايدن» – طوال سنوات تطوره الموسيقى – على ألا يتعمد فرض أسلوب يعتقد بصلاحيته لقالب موسيقى معين، على قالب آخر. ونستطيع تقسيم إنتاجه الفنى إلى ثلاث مراحل:
• المرحلة الأولى من عام ١٧٥٩ إلى عام ١٧٧٠، ويظهر فيها تأثره الكبير بموسيقى «كارل فيليب باخ»، وشمل إنتاجه من السيمفونيات حتى السيمفونية الرابعة، وتتميز – هذه السيمفونيات – بألحان ممتدة تتناوب بين مجموعة آلية صغيرة ومجموعة آلية أكبر. أما الرباعيات الوترية، فقد جعل لكل حركة فى الرباعية استقلالًا خاصًا بها، من حيث القالب، ومن حيث التباين بينها وبين الأخريات.
• المرحلة الثانية من عام ١٧٧٠ إلى عام ١٧٨٢، وفيها تحول «هايدن» إلى الأسلوب الحساس فى طريقه إلى الكلاسيكية، حيث أصبحت الألحان محددة الملامح ومتوازنة التقسيم الداخلي.
• المرحلة الثالثة من عام ١٧٨٢ إلى عام ١٨٠٣، وهى فترة النضوج، حيث وصلت السيمفونية على يديه إلى شكلها المتكامل، وأصبح هناك بناء يتوازى فيه تباين الألحان وتباين المقامات. وقد ظهرت ملامح نضجه ابتداءً من مجمعة سيمفونيات باريس (من رقم ٨٢ إلى رقم ٨٧) وكل مؤلفاته – فى هذه المرحلة – تدل على سيطرته الفائقة على البناء والصياغة الموسيقية.