الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"طفل أبوالنمرس" ضحية "ركوب الحمار"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من بين كل جرائم القتل التى تحدث بشكل مستمر، استوقفتني واقعة غريبة في تفاصيلها، مرعبة فى كواليسها، كل مشهد فيها موجع بصورة تختلف عن الآخر، مادة دسمة لعمل سينمائى، وأرض خصبة لرواية عنوانها: شهوة القتل.
طفل صغير داخل شوارع الجيزة الضيقة، يسعى لممارسة هوايته -هواية قد تبدو للبعض مادة للسخرية- فانتهى به المطاف إلى جثة هامدة فى يد شخص حقير، قتله بأبشع طريقة وبحُجة غير مقبولة وغير مبررة، جريمة أبكت العجوز والطفل والمرأة والشاب، قُتل "أمير"، 10 سنوات، طفل "أبوالنمرس"، بسبب حبه "ركوب الحمار"!
لعل تلك الهواية، قد تثير الضحك لدى البعض، ولكن أمير، كان يستيقظ يوميًا من أجل ركوب الحمار، كان ينتظر حتى يكبر سنًا ويشترى حصانًا، فلم يكن ممكنا أن يطلب من والدته شراء حصان صغير، لأنه يعرف الإجابة جيدًا "ذاكر يا ولدى، وسيبك من الكلام دا".
"أمير" كان بريئًا بشوشًا دائمًا ما تراه مبتسمًا ضحوكًا، هادئ الطباع، لا ينفعل، ولا يشتم ولا يسب أحدًا، يوميًا يتوجه لمدرسته صباحًا، ولكن عندما التحق بالصف الثانى الابتدائى بدأت تظهر وتنكشف هوايته المفضلة.
"أمير" لا يحب لعب كرة القدم كغيره من الأطفال، ولا يفضل كثيرًا اللعب بالشارع، اكتشف أنه يميل إلى امتطاء الحصان أو الحمار، ولكن كيف يأتي بحصان، ومن الذي يمكنه أن يشترى له حصانًا، فهو لن يطلب ذلك من والدته المنفصلة؟!
جذبه، راعي غنم، جار له، لديه "عشة" فى مكان يبعد حوالي 200 متر عن المنزل، يمر بالغنم يوميًا ومعه الحمار، لفت انتباهه الحمار، تقرب من ذلك الرجل، وطلب منه أن يسمح له بركوب الحمار، فوافق الرجل، ذلك الراعى الذى لاحظ تعلق الطفل صاحب السنوات العشر بهوايته الغريبة، ويومًا وراء يوم يطلب الطفل من الراعي أن يسمح له بممارسة هوايته فيوافق، ولكن يبدو أن ذلك الشخص أناني ومعدوم الضمير وهو ما اتضح مع تسلسل الأحداث.
أراد الراعى أن يستغل تعلق الأمير الصغير بتلك الهواية حتى تحولت إلى إدمان، وبالفعل نجح فى ذلك، وجعله يعمل معه فى رعاية الغنم، والطفل لم يبدِ أي رفض، بل وافق واستمر فى العمل معه، حتى نسي مدرسته وبدء يفكر فى ترك المدرسة وهو ما رفضته والدته، واعترضت على ذلك.
ولكن كما تقول الحكمة القديمة: ومن الحب ما قتل، ففى يوم من الأيام اكتشف الراعى غياب 3 غنمات، واتهم أمير بسرقتها، ولم يكتف بذلك، فأخذه إلى العشة وانهال عليه بالضرب والتعذيب مستغلًا ضعف الأمير الصغير عن المقاومة والدفاع عن نفسه، لم يستمع ذلك "السفاح" إلى نفي "أمير" ولا الإيمان المغلظة التى أقسم بها أنه لم يسرق غنما حتى مات الطفل بين يديه وألقاه داخل مستوصف طبي بحجة أن جاء لإنقاذه وهو يعلم بأنه مات، لتعلم الأسرة نبأ مقتل طفلها الذى قادته هوايته المفضلة إلى الموت بين يدي الراعى متحجر القلب.
كنت موجودا منذ الساعات الأولى لاكتشاف تلك الجريمة البشعة، وتوجهت إلى قرية الطفل، وقابلت أسرته وتحدثت معهم، وتملكنى حزن شديد على مصيره، فلا يوجد دليل واحد يقنعك بأن الطفل قد سرق حتى يلاقي هذا المصير المأساوي.
شاهدت بعيني أصدقاء الطفل يبكون عليه، شاهدت الأسود لونًا ترتديه جميع النساء بالمنطقة، مسنى الحزن وكأن نار تلتهم وتحرق قلب كل من يقترب من ذلك المكان الذى بات ميتًا حزينًا لا روح فيه بعد وفاة طفل، ليس له ذنب سوى أنه كان يحاول أن يمارس لعبته البسيطة، هوايته المفضلة، كان يحاول إرضاء الراعي من أجل الحمار، فقتله الراعي، ومات الأمير.