الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قنديل مارمرقص.. ينقذ حياة خديو مصر!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أيام قليلة من الاحتفالات بعيد القيامة المجيد انخلع قلب البشرية وهو يتابع البكائية الإنسانية، وهو يرصد أن عاصمة النور تنسحب منها البهجة أمام السنة النيران، فهى لا تلتهم تراث أو رموز نوتردام تلك الكنيسة الشامخة الذى تعدت عمرها الماسى وقبل وصول عمرها بقرن ظلت خلالها ينبوع للإسهام الإنسانى فجاء اللهيب وتزامن معها حريق الأقصى فتآمرت الحرائق عن عمد فى الأقصى وعن إهمال فى كنيسة فرنسا ليدمر برج الكنيسة الرئيسى ويعبث بالخزانة المعلوماتية الذى يبث بإشعاعه فى النفوس والوجدان.
وفى تقديرى إن هذا الحدث هو ثانى أبشع الحرائق التراثية التى تعرضت لها صفحات الإنسانية بعد حريق مكتبة الإسكندرية فهناك رموز حضارية هز لها الزلزال أشهرها منارة الإسكندرية.
وإذ تناولنا الحدث من جوانب متعددة فإن أول ما يتجسد أمامنا صورة انعكاساته المهنية فى التغطية الإخبارية فإنه لا يكفى توثيق المتابعة وارتباطه بما يدور من ردود فعل من كافة وسائل التواصل الإعلامى والاجتماعي، وقد أبلغنى الدكتور الصديق كمال قنديل عميد كلية العلوم الأسبق إنه كان طوال لحظات هذا الحدث يتابع الوقائع من خلال زملائه المقيمين فى باريس ومنهم الدكتور عبدالمنعم خليفة وبدا هذا التواصل كأنه إذاعة للوقائع بوجهات نظر تناسب حجم الحادث فقد ظلت الكاميرا فى تغذية المشاهد بكل التفاصيل إخباريًا وحضاريًا بعلم الإدارات بمواجهة الأزمات بكل منهجى يعتبر من ثوابت الفكر الحديث بتناول القضايا، فقد قال إن هذه من أكبر الدروس مهما اختلفت اللهجة ولا بد من التركيز على بث روح إعادة البناء لكى تؤكد الروح البشرية ذاتها متحدية النار العشوائية وإن الرسالة الإنسانية يمكن أن تؤسس لمدرسة جديدة فى الإعلام وبث فكر تجديدى فى عالم البناء الكنسي.
إن حريق كنيسة نوتردام لا يجب أن يعبر فوق المشاعر والاكتفاء بوصفه إنه وجع ولايصح أن نعتبر الحريق مجرد حريق محلى يتحمل مسئوليته فريق المطافئ، وإذا كنا فى المشرق نواجه مثل هذه الحوادث فمثل باريس أمر غير مسموح به على الإطلاق بل إن نسبة الخطأ فى تأمين هذه المواقع لا يمكن أن تحتمل نسبة من الخطأ مهما كانت.
ولا أريد أن أخوض حول التحقيقات التى تجرى لكن أقول إنه مثل هذه التحقيقات لايمكن أن تكون مجرد تقارير فنية وملابسات لكن عن فحص الوقائع وإضاءة الطريق أمام تحديث فى الأساليب الوقائية التى تجنب البشرية مثل هذه الكوارث الموجعة لا بد أن نأخذ مكانها على الساحة الدولية فإن ارتباطها فى الضمير العالمى برواية الفرنسى (فيكتور هوجو) خاصة أن معظم مقاطع هذه القصة جرت أحداثها داخل الكنيسة فى أواخر العصور الوسطى وتدور حول الأحدب قارع الجرس وما شملته الوقائع عن قصص التضحية بالنفس، لذلك فإن نجوم العالم كانوا أول من هب لتنظيم حملة دولية عالمية لإعادة بناء الكنيسة بأروع مما كانت عليه وعلينا ألا ننسى النجمة جنالو بربجيرا فكانت تمثل الجمال وهناك فيلم (بعد الغروب) مستوحٍ من شخصية (نوتردام) وهذا يعكس أن هذه الكاتدرائية كانت تمثل الضمير العام الأوروبى وظهر تأثيرها الروحى واضحًا فى الحرب العالمية والنصر الذى حققه الحلفاء.
بهذه المناسبة فإنى أوجه رسالة إلى قداسة البابا تواضروس حول ضرورة توثيق الكنائس المصرية ونفس الرسالة لفضيلة الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف والذى يقوم بدور يحتاجه كل مؤمن فى مشارق الأرض ومغاربها وليكن حادث نوتردام هو وقفة مع النفس لأن الغرض ليس فقط مجرد فتح باب تبرعات وإعادة إصلاح، فيجب أن تستنهض القوى لكى نقوم باستيعاب الدرس علينا أن نستعيد الذاكرة الدور الملقى على عاتق المساجد والكنائس فى بناء الضمير الوطنى، وهذه فرصتنا فى هذه الأيام فنحن مقبلون على شهر رمضان وساعات ونكون قد فرقنا من الصوم الكبير لدى الأخوة الأقباط سوف تتوهج المساجد فى كل مكان وتضىء بالأنوار والكنائس، تعلن فيها التراتيل وعندنا الكنيسة المرقسية أقدم كنيسة فى أفريقيا حيث بدأت الصلاة فيها عام 62 م عن طريق مارمرقص وتعرضت الكنيسة للحريق والتخريب واستطاع أبناء مصر أن يعيدوا البناء مرة أخرة، وقام البابا يوحنا السمنودى البطريرك الأربعين بإعادة بناء الكنيسة وتعرضت لأكبر عملية سرقة قام بها البحارة الإيطاليون حيث سرقوا جسد القديس مارمرقص ونقله بحرًا من الإسكندرية للبندقية الإيطالية وبقيت الرأس بالإسكندرية، وفى عام 1219م هدمت الكنيسة أثناء الحروب الصليبية وتم إعادة بنائها فى 1527م وفى عام 1798م هدمت الكنيسة مرة أخرى أثناء دخول الحملة الفرنسية وتم إعادة بناء الكنيسة وتدشينها على يد البابا بطرس عام 1819م وفى عام 1870م تم تجديد الكنيسة فى عهد الباب ديمتريوس الثانى وفى عهد البابا يوساب الثانى تم هدم الكنيسة بعدما تعرضت لتصدعات هندسية وأعدت لها رسومات على أحدث طراز شارك فيها خبراء إيطاليون، ومصر كلها تذكر الجهود التى قام بها القديس البابا شنودة حيث أعاد افتتاحها عام 1991م فقد أصبح مبنى الكنيسة مفخرة لكل مصرى وكل عربى وأصبحت تضم مذابح لإقامة القداس بأسماء السيدة البتول مريم العذراء.
ومن هذه الوقائع نقول إن ما تعرضت له الكنيسة الفرنسية ليس نهاية العالم لكن لايعنى أن نعتمد فقط على هذه النقطة فقد تعرضت كنيسة الإسكندرية لعشرات المرات من الهدم والتخريب، وتم إعادة بنائها لكى تصبح مفخرة ونموذجًا للكنيسة الشرقية فى العالم فلا بد من توثيق كل هذا فلا أتصور أن قيادات الكنيسة قامت بالتوثيق كل الجهود لكى تكون (بنك المعلومات الإكليركية) يستفيد منها أبناء الوطن لأن الكنائس والمساجد هى أقوى أسلحة معنوية لأبناء الوطن.
بهذه المناسبة أقول كيف يمكن ترك الوقائع الحية، صحيح إن هناك اجتهادات إبداعية حول (القنديل ودوره) فى بناء الروحانيات أشهرها ما قام به من إبداع العظيم يحيى حقى الذى عطر حياة الأسرة بكرامات حفيدة رسول الله وآل البيت حيث قدم لنا (قنديل أم هاشم) الذى ظل فى وجداننا، وأيضًا فى الكنيسة هناك (قنديل مارمرقص) وأثناء تولى الخديو عباس الأول عام 1850م وأثناء عودته من زيارة رسمية بطريق البحر لرأس التين وأثناء الرحلة فوجئت الأجهزة التى تتابع خط السير بعاصفة فماذا تعمل أمام الطبيعة؟ فلعبت العواصف بباخرة الخديو فى جنح الظلام فهل له سلطة على العواصف وعجز طاقم السفينة التعرف على الطريق فلم يكتشف مداخل الميناء، ويبدو أنه كانت هناك صعوبات خارج البوغاز وفجأة ظهر الأمل فقد اكتشف الربان أن هناك ضوءا يشع من اليابس واعتبر دليلًا إرشاديًا تهتدى به الباخرة الملكية وظل طاقم الباخرة يقوم بضبط حركته للطريق مصدر النور وفجأة وجدت السفينة ترسو أمام مصدر الضوء واتضح أنه صادر من الكنيسة المرقسية حيث كان يشع الضوء من مقصورة مامرقص، واتضح أنه منبع إرشاد لسفينة الخديو، وهناك هلل الجميع بمن فيهم الخديو، إن هذا الشعاع هو أنقذ حياة الخديو وساد جو المرح وعرفانًا من الخديو أصدر فرمانًا بصرف مبلغ 271 مليمًا قيمة زيت القنديل سنويًا على نفقة الخديو طبقًا لما قدمت من بيانات، وصدر قرار لاحق بأن تقوم محافظة الإسكندرية بدفع هذا المبلغ بعد تطبيق نظام الحكم المحلى وتضاعف المبلغ 12 مرة ولا تزال الخزانة العامة تسدد التزاماتها طبقًا لفرمان الخديو.
صحيح أن كنيسة نوتردام بلغت تكلفة التبرعات أكثر من 315 مليار يورو لكن الكنيسة المصرية قدمت خدمة أكبر وهى إنقاذ حياة خديو مصر بالصدفة وبتكلفة لا تزيد على ملاليم.