الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

صهر أردوغان.. الشاهد على "مذبحة" الاقتصاد التركي.. وزير خزانة بدرجة فاسد.. وانهيار مالي وتدهور مستمر لليرة وتراكم الديون

صهر أردوغان
صهر أردوغان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد ١٤ عامًا من زواجه بالابنة الكبرى للرئيس التركى رجب طيب أردوغان، لم يكن صهره برات البيراق ذا صيت فى أنقرة، حتى كلفه «حماه» بتولى حقيبة المالية والخزانة إحدى أهم حقائب الحكومة، فى منتصف العام الماضي.
تولى صهر أردوغان زمام أمور اقتصاد تركيا، تزامن مع بداية ذوبان الجليد الذى كان يحمى «نموا وهميا» فى الاقتصاد على مدار سنوات، ليشهد البيراق أكبر أزمة عاصفة فى البلد منذ أزمة ٢٠٠١.
وبرات هو ابن المؤلف والكاتب صادق البيراق ذى التوجهات الإسلاماوية وتربطه بأردوغان علاقة صداقة قوية قديمة منذ عام ١٩٨٠، وكان عضوا فى البرلمان بين عامى ١٩٩١ و١٩٩٥ عن حزب الرفاه، وهو الحزب الذى انبثق عنه حزب أردوغان الحالى العدالة والتنمية.
درس برات البالغ من العمر ٤٠ إدارة الأعمال فى جامعة إسطنبول، وانضم عام ١٩٩٩ لمجموعة تشاليك القابضة العملاقة والتى تعمل فى العديد من المجالات وعلى رأسها الطاقة والبناء، وبعدها بثلاثة أعوام تولى منصب المدير المالى فى فرع المجموعة فى الولايات المتحدة وما لبث أن أصبح مديرا للفرع الأمريكي.
عام ٢٠٠٧ تولى برات إدارة مجموعة تشاليك التى اشترت عددا من محطات التليفزيون والصحف مثل صحيفة «صباح» التى أصحبت الناطقة باسم حزب أردوغان ومحطة «خبر» التليفزيونية الموالية لأردوغان.
ترك برات المجموعة التى يتولاها الآن شقيقه يافوز وترشح للانتخابات على قوائم حزب العدالة والتنمية عام ٢٠١٥ وأصبح عضوا فى البرلمان، وبعدها بأشهر قليلة تولى منصب وزير الطاقة.
ورغم أن المنصب الذى تولاه لم يمكن مهما، إلا أن علاقته بأردوغان جعلت منه صاحب نفوذ كبير فى الحكومة وبات أحد أهم المسئولين داخل أروقة القرار، حتى أصبح وزيرا للمالية العام الماضي.
ونفوذ صهر أردوغان، فى بلاط الحكم التركي، ليست بعيدة عن بداية الأزمة الاقتصادية للبلاد، التى جاءت بشكل مباشر نتيجة «قرارات غير مدروسة» وضعها أردوغان مع بداية حكمه لكسب التأييد الشعبي.
مرت تركيا بأزمة انهيار اقتصادى فى عام ٢٠٠١، شهدت فيه البلاد تضخمًا مُزمنًا وانخفاضًا لسعر العملة إلى ١.٥ مليون ليرة مقابل الدولار الأمريكي، وتعرض الاقتصاد التركى إلى أول هزة انكماشية عام ٢٠٠٩.
ونتيجة لإجراءات لم تكن محسوبة العواقب المستقبلية، فتراكمت الديون على تركيا، لتعصف بها مع العام ٢٠١٧ – ٢٠١٨، وتشدها لما هو أسوأ فى الأعوام المقبلة كما تشير التوقعات، فهناك شعور بأن ثمة أزمة اقتصادية تعصف بالبلاد، وبأن أيام الرخاء قد ولت.
وبحسب تقرير لوكالة بلومبرج، مارس الجاري، فإنه مع دفع أردوغان للنمو بأى ثمن وضغطه على البنك المركزى للحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة، تدفقت رؤوس الأموال إلى تركيا خلال حقبة من التحفيز النقدى القياسى فى جميع أنحاء العالم.
لكن تدفق هذه الأموال، أنتج توسعًا غير متقطع تقريبًا أدى إلى رفع الاقتصاد بمعدل ٧٪ تقريبًا كل ثلاثة أشهر منذ أواخر عام ٢٠٠٩، لكن هذا الارتفاع قد تلاشى بعد انهيار العملة وخطوات السياسة والخلاف الدبلوماسى غير المسبوق مع الولايات المتحدة.
وانهارت العملة التركية العام الماضى بعد مضاعفة الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم الوارد من تركيا، ردًّا على اعتقال أنقرة لقس أمريكي، اتهمته تركيا بالضلوع فى عملية انقلاب فاشلة عام ٢٠١٦، وأفرجت عنه لاحقًا.
وفقدت الليرة التركية ٣٠٪ من قيمتها أمام العملة الأمريكية العام الماضي، ولا تزال تسجل خسائر يومية فى المعاملات أمام الدولار وصلت خلال اليوم فقط لخسائر نحو ٥٪.
ويقول خبراء الاقتصاد فى بلومبرج: إن تركيا كانت واحدة من أسرع الاقتصادات الناشئة نموًا فى عام ٢٠١٧، لكن نموها لم يكن متوازنًا، تسبب الإنفاق الحكومى الزائد والنمو السريع للائتمان فى زيادة الواردات وتوسع العجز فى الحساب الجاري، مما لا يثير الدهشة، أن الاقتصاد يدفع ثمن تجاوزات الماضي.
وقال إنان ديمير الاقتصادى فى «نومورا إنترناشيونال بى إل سي» فى لندن: إنه «على عكس التعافى السابق فى تركيا، هناك خطر كبير من أن يكون التعافى أبطأ بكثير هذه المرة.. قد يواجه الاقتصاد التركى برمته ضغوطًا على المديونية».
ومن خلال تكليف أردوغان لصهره بهذا المنصب الحساس ستتاح له فرصة التصدى للمشاكل الكبيرة التى يعانى منها الاقتصاد التركى فى الوقت الراهن وعلى رأسها التضخم وانهيار قيمة الليرة التركية وارتفاع سعر الفائدة وكسب ثقة المستثمرين الأجانب.
لكن ردة فعل الأسواق على توليه هذا المنصب كانت عكسية فقد تراجعت قيمة الليرة التركية بحوالى ٣ فى المئة بعد يوم فقط من توليه هذا المنصب كما تراجعت البورصة وارتفع سعر الفائدة على سندات الخزينة.
يذكر أن برات كان قد عزا تراجع قيمة الليرة التركية إلى مراكز تعمل بالخارج لإسقاط الحكومة التركية، بينما كان الإعلام التركى أكثر صراحة فى اتهام ما سمته «اللوبى اليهودي» فى العالم.
ولبرات موقف مماثل لموقف أردوغان من أسعار الفائدة، فكلاهما يدعو إلى تخفيض نسب الفائدة بشدة ويعتقدان أنها السبب الأساسى لأزمات الاقتصاد التركى بينما ترى المؤسسات المالية العالمية أن البنك المركزى التركى يجب أن يحافظ على استقلاليته ويرفع سعر الفائدة للجم التضخم.
يرى المراقبون أن أردوغان بات يتحكم بكل مفاصل الحكم فى البلاد، وهو ماض فى تحقيق خطته فى إعادة بناء تركيا وفق رؤيته وفرض مزيد من القيود والتضييق على معارضيه، والشيء الوحيد الذى يمكن أن يجعل أردوغان يتردد فى السير فى هذا الطريق هو تفاقم الأزمة الاقتصادية التى تمر بها تركيا حاليا مما يعنى فى النهاية تراجع شعبيته فى أوساط المجتمع التركى التى بقيت مخلصة له حتى الآن.