السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قضايا النساء في مسامرات علي مبارك «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كان على مبارك فى قضية السفور والحجاب أقرب للاتجاه المحافظ السلفى - فى رأى البعض - فإن حديثه عن حقوق المرأة الشخصية - وإرادتها الحرة فى البوح والاعتراض والتعلم والعمل وتقويم سلوك زوجها واختيار الطرائق المناسبة لتربية أطفالها، وخروجها إلى المنتديات ومجالس التثقيف والملاهى برفقة من يحميها - كان أقرب للنهضويين والمستنيرين المحافظين فى النصف الأول من القرن العشرين. 
فها هو يقرر أن حقوق المرأة - فى المجتمع الإسلامى - داخل البيت وخارجه مكفولة بالطبع، ولكنها مقيدة بالضوابط الشرعية التى لا يمكن الشك فى صلاحها، وذلك لأن التحسين والتقبيح العقليين تحكمهما الثقافة السائدة والعادات والتقاليد والواقع المعيش، وكل هذه المسائل تخضع للتطور والتحول والتغير بفعل الزمان، أما صحيح المنقول فهو دستور أزلى تتميز أحكامه بالثبات والمرونة معًا بالقدر الذى يجعلها صالحة لكل عصر وثقافة، وليست قاصرة على وضع بعينه أو ظروف استثنائية، كما أن درجات الإباحة والكراهة تفيد ذلك، فيقول: «إن جميع الأشياء، حسنها وقبحها، ومدحها وذمها، تابعة لكيفياتها ونتائجها، فما طابت كيفيته وعظمت نتيجته لم يختلف أحد فى حسنه»، عملًا بقاعدة إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والشرع أميل إلى التيسير، وأحرص على الصالح العام.
وينتقل مفكرنا إلى الحديث عن حق المرأة فى التعليم والمحاورة والمحاججة والتعبير عن رغباتها واختياراتها بحرية، ومناقشة الرجل فى القضايا المشتركة، لا سيما تلك التى تتعلق بسياسة الأسرة وبيت الزوجية، فقد صور على مبارك زوجة بطل مسامراته «علم الدين» على أنها النموذج الأمثل للمرأة المسلمة، وذلك لأنها تجمع بين الحياء والعفة والوفاء والإخلاص ورجاحة العقل وسعة الثقافة والشجاعة فى التعبير عن رأيها والحكمة فى النصح لزوجها، وذلك كله بالإضافة إلى قدرتها الفائقة على تحمل صعاب الحياة، بداية من ضيق الأرزاق إلى مشقة العمل وتربية الأبناء، ويتفق مفكرنا فى هذا السياق مع رفاعة الطهطاوى ومدرسته، ولا سيما فى ضرورة تعليم المرأة بالقدر الذى يجعل لحريتها ضوابط نفسية وأخلاقية تلتزم بها دون رقيب، ويمكنها من المشاركة الإيجابية فى إدارة شئون الأسرة من جهة، واقتحام سوق العمل من جهة أخرى- إذا ما اضطرت إلى ذلك-، فقد رفض على مبارك أن تظل المرأة المسلمة الشرقية سجينة الجهل والخرافة والسيئ من العادات والتقاليد الموروثة أو أن تصبح مجرد أداة لإمتاع الرجل، فطالما صرح بإعجابه بالنساء الغربيات اللواتى يحسن الحديث فى شتى أمور الحياة، ويشاركن الرجال فى العمل والأماكن العامة دون ابتذال أو خروج عن الآداب الشرعية. 
ويرى على مبارك أن أخلاقيات المحافظين تمتاز بها المرأة الشرقية المسلمة عن غيرها من النساء الغربيات اللواتى ينظرن إلى العلاقة الزوجية نظرة أقل قداسة وأكثر مادية، فتقدم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وليس أدل على ذلك من نظرة النساء الغربيات لإباحة تعدد الزوجات فى الإسلام على أنه يهدر الكثير من حقوق المرأة، ويجعلها مجرد أداة لإمتاع الرجل وإشباع شراهته الجنسية فى ثقافة ذكورية. فى حين أنها تغض البصر عن العلاقات غير الشرعية بين الجنسين المقنعة باسم الصداقة أو العشق الأسود.
ويوضح على مبارك - خلال محاوراته مع بعض الأجنبيات الغربيات فى مسامراته - أن الإسلام لم يبح تعدد الزوجات إلا فى ضوء المقاصد الشرعية أيضًا، أى درء المفاسد وجلب المصالح، كما قيد هذا التعدد بشروط أهمها الباءة (أى قدرة الرجل على القيام بكل حقوق الزوجية الجسمانية والمادية والنفسية والعقلية وعلى نحو يمكنه من العدل بين زوجاته)، ذلك فضلًا عن تأكيد علماء المسلمين أن الشارع لم يوجب التعدد، بل جعله مباحًا إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك، مثل زيادة عدد النساء على الرجال، أو فتور العلاقة الزوجية، أو مرض الزوجة، أو اشتهاء الرجل لغيرها، بيد أن فساد العوائد وتلوث الأخلاق هو الذى حول رخصة التعدد إلى حق واجب، وأهمل تمامًا الشروط والضوابط المنظمة له، ويقول: «غير أن استحكام الجهالة وإلغاء مدارسة الديانة وترك بناء الأعمال على أحكامها وانقطاع المواعظ الحسنة النافعة المفيدة بين الرجال والنساء تولد منه العود إلى مقتضيات الطبائع، من الغيرة والمحاسدة وحب الاستئثار والاسترسال مع الشهوات، والدخول فى الأمور من غير تقدير للحاجة ونظر للعاقبة، فاختل قانون الزواج ولحقه الفساد، وقامت المشاقة». 
ويضيف على مبارك فى مقابلته بين المنقول والمعقول من جهة وأحوال المرأة المسلمة وغيرها من النساء الأجنبيات من جهة أخرى، مؤكدًا - مع كل المنتمين إلى الاتجاه المحافظ المستنير - أن المرأة المسلمة قد منحها الشرع حقوقًا لم تحظ بها غيرها من الثقافات الأخرى، بداية من حقها فى اختيار الزوج ونهاية بتمكينها من الطلاق أو الخلع إذا ما استحالت العشرة، أو كرهت المرأة العيش فى كنف زوجها. 
ويتراءى لى أن على مبارك كان أقرب إلى الموضوعية منه إلى الإفراط أو التفريط - حيال قضايا المرأة -، إذ احتكم فى جل آرائه إلى المقاصد الشرعية، فبين أن الحجاب المادى والعزلة والتزام المسلمات باللباس الذى يستر مفاتنهن ليس كل ذلك غاية فى ذاته، بل إنه فرض لدرء المفاسد ومنع الشرور التى يمكن أن تلحق بالمرأة فى المجتمعات الفاسدة، كما أنه يمنع عيون الطامعين من هياج الشهوات وثورات الغرائز التى تدفعهم إلى ارتكاب أبشع الرذائل الحيوانية - وهذا الرأى يخالف تمامًا الاتجاه العلمانى الذى دعا نبذ الحجاب وجحد كل القيود الشرعية التى تحد من حرية المرأة -، كما أن حديثه عن المرأة الشرقية المسلمة لم يكن رجعيًا أو كارهًا لصورة المرأة الغربية، فحديثه خلال المسامرات ينبئ بأنه أخذ محاسن الطرفين، الأمر الذى قاده إلى القول إن حرية المرأة مرهونة بتوفر عدة مؤهلات، أولها حسن التربية والالتزام بالعفة والحياء، ثم التعلم والتثقف، والوعى بأمور الحياة، وأخيرًا الجرأة والشجاعة التى تمكنها من مشاركة الرجال فى العمل والكد والسعى تبعًا للواقع المعيش، أما تعدد الزوجات فقد تناوله بمنطق المفسر الحصيف الواعى بمرامى النص الإلهي، وقد توسع المجددون من بعده - ولا سيما الإمام محمد عبده وتلميذه قاسم أمين - فى تبيان فوائد رخصة تعدد الزوجات والمعايب التى حاقت بها من أثر التطبيق الجانح وفساد الطبائع والأخلاق.
وأعتقد من جانبى أننا أحوج ما نكون إلى تجديد الخطاب النسوى العربى الإسلامى وعرض جل الآراء المتعلقة بالسفور والحجاب والطلاق وتعدد الزوجات وعمل المرأة على مائدة النقد من جديد. 
وللحديث بقية عن آراء على مبارك الإصلاحية...