رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

جامعة تطوان تناقش "التأويلات وعلوم النص"

جامعة تطوان
جامعة تطوان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تواصل كلية الآداب في مدينة تطوان المغربية فعاليات المؤتمر الدولي "التأويليات وعلوم النص" الذي ينظمه مختبر التأويليات والدراسات النصية واللسانية بجامعة عبد المالك السعدي، بالتعاون مع مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" والأكاديميين والباحثين المتخصصين في عدد من الجامعات العربية والمغربية.
وقد شهد اليوم الأول جلسة افتتاحية أدارها الدكتور أحمد هاشم الريسوني الذي أكد على أهمية المؤتمر الذي يناقش قضايا العلاقة بين التأويليات والعلوم النصية من زوايا بحثية، ومرجعيات معرفية متعددة؛ كما أشار نائب رئيس جامعة عبد المالك السعدي الدكتور أحمد الموساوي إلى راهنية إشكال التأويليات في الدراسات الأكاديمية.
وأكد المنسق الإقليمي لمؤسسة مؤمنون بلا حدود الدكتور صابر مولاي أحمد على أهمية التعاطي مع الدرس التأويلي اليوم والعناية به"فالتأويل هو المعول عليه اليوم للخروج من الانسدادات التي تعاني منها الثقافة العربية في الزمن الحاضر، سواء أكانت انسدادات باسم الدين والهوية والمتجسدة في الأصولية الدينية التي تستعدي الحداثة، أم انسدادات باسم الحداثة والتقدم وما شابه ذلك؛ من التيارات الأيديولوجية التي تستعدي مقومات الثقافة الإسلامية"؛ معتبرا أن الدرس التأويلي "هو الذي سيمكننا اليوم من الانفتاح على الماضي بما يخدم ثقافة الحاضر، ويمكننا في الوقت ذاته من فهم ثقافة الحاضر بما يفيد المستقبل؛ كما أنه سيكون له دور مهم وفعال في بسط ثقافة الحوار والتواصل بين مختلف مكونات المجتمع الواحد، وبين الثقافات بشكل عام".
واعتبر الدكتور محمد الحيرش منسق مختبر التأويليات أن اختيار العلاقة بين "التأويليات وعلوم النص" موضوعا للبحث والمدارسة في جلسات هذا المؤتمر، جاء لتحقيق مطلبين، أحدهما يتمثل في تجسيد الهوية التعددية للمختبر، من خلال إثارة إشكالات معرفية أفقية تتداخل في بحثها أنظار متكاملة ومقاربات متفاعلة، والثاني يتصل بتهييئ سياق منفتح للتواصل العلمي المنتج والرصين بين الأكاديميين العرب والمغاربة المتخصصين في قضايا التأويليات والعلوم النصية واللسانية؛ وذلك بما يسهم في تبادل الخبرات والمعارف المتعلقة بهذه القضايا، وتقاسم التفكير في مرجعياتها الكونية، وتعميق اجتهادات عربية قادرة على محاورة هذه المرجعيات والمشاركة الفاعلة في إغنائها.
ودارت الجلسة العلمية الأولى حول محور "النص الفلسفي وأسئلة الحقيقة والتأويل"، التي أدارها الدكتور عز الدين الشنتوف، حيث تحدث الفيلسوف والمفكر المغربي الدكتور عبد السلام بنعبد العالي عن "الحقيقة ولباسها" من تساؤل حول إذا ما كانت مسألة الحقيقة على خطورتها تؤول في النهاية إلى قضية لباس ومسألة مظهر؟ مبينا أن طبيعة الحقيقي تتجلى في تمنّعه وحرصه على التحجب. على هذا النحو، يغدو تاريخ الحقيقة- في نظر بنعبد العالي- تاريخ مكبوتاتها؛ فهي تخفي خداعها بأن تظهره في المجاز. هذه "المسرحة" التي تسدل الستار حتى إن رفعته، وتَضَع اللثام حتى وإن أماطته، وتلبس الحجاب حتى إن نزعته، تطال الكائن في جميع أبعاده، وهي التي تتحكم في إنتاج المعاني وتحديد الدّلالات؛ حينما يُنزع اللباس، ويُكشَف الستار ويُماط اللثام والحالة هذه، فإنه لا يَكشف عن شيء، وإنّما لا يكشف إلا عن بنية الاختفاء ذاتها، تلك البنية التي تجعل اللباس، ليس غطاء يوضع "فوق" ما يستره، وإنما أثناء ما يظهر، إنه فعل الطيّ ذاته.
وركز الدكتور سعيد توفيق على "أخلاقيات التأويل: رؤية جادامرية"، وأهمية الوقوف على ما يمكن تسميته "بأخلاقيات التأويل"، وهو مفهوم إشكالي بطبيعته؛ لأنه يتداخل مع مفهوم المنهج "وهذا يستدعي ابتداءً السؤال: هل للتأويل منهج؟ وبأي معنى يمكن أن يكون التأويل منهجًا؟ وما دور الأخلاق هنا؟ وبذلك، فإن مسعانا في هذا البحث يهدف إلى تجاوز هذه الإشكالية، من خلال الكشف عن الشروط العديدة لإمكانية التأويل، باعتبارها شروطًا لها طبيعة أخلاقية، وتعد بمثابة منهج له في الوقت ذاته. وعندما نتحدث عن "أخلاقيات التأويل"، فإننا يجب أن نرجع إلى الفيلسوف الحجة في هذا الصدد: هانس- جيورج جادامر. ومع ذلك، فإنه لا يهدف من رواء مداخلته إلى ترديد أقوال جادامر في هذا الصدد، وإنما يسعى إلى تأويلها من خلال الاستعانة بها في صياغة رؤية أخلاقية شاملة لكل تأويل".
وقدم الدكتور محمد أبو هاشم محجوب دراسة بعنوان "نهاية النّص وبداية التأويل: عالم النّص: من الأفق الشعري إلى الحدس الفكري"، وبين أن هذا العمل يعمد إلى اختبار مفهوم النص في انغلاقه التقليدي وفق تعريفاته الكلاسيكية؛ وذلك من خلال مَعْرَف "عالم النص" الريكوري، الذي يمتحن المنزلة البلاغية والميتافيزيقية لمفهوم الاستعارة، لينتهي إلى تسديدها نحو نوع من التزييد النظَراني الذي يضطلع بالاستعارة معنى معطيا للتفكير، وهو يحاول في مرحلة أولى مسايرة المفهوم من خلال كتابي الاستعارة الحية والزمان والسرد، ليحاول ضربا من تملك الاستعارة الحية من خلال "التطبيق" على قصيدة للمتنبي تقيم عالم الأنا الحديث كأحد عوالمها الممكنة، فتنفتح الفلسفة السينوية في هذا السياق عالما لنص المتنبي، لا يعني قصدا له، وإنما إمكانا يصبح متاحا به.
وشهدت الجلسة العلمية الثانية، وكان موضوعها "النص التخييلي وإبدالات التأويل" ورقة بحثية للدكتور عبد الله إبراهيم بعنوان "الإيهام بصدق المُحالات السردية- ضرورة الكذب السردي"، وفيها تطرق إلى الرواية بوصفها فنا دنيويا؛ لأنها تنشد إقامة صلة مع العالم بواسطة التمثيل، وفيه يترتّب شأنها، بداية من التفكير بها وصولا إلى تلقّيها، مرورا بكتابتها، وتأويلها "ولا يراد بهذا القول إنّ الرواية تستنسخ العالم، فالأصوب أنها تتولّى تمثيل أحداثه المتناثرة بحبكة تجعله قابلا للإدراك والفهم، باقتراح صور لفظية متخيّلة دالّة عليه، وبذلك تُسهم في إثراء فهم العالم؛ فعالمها الافتراضي ينبّه القارئ إلى ما في عالمه من تجارب وخبرات. تلتقط الرواية بالتخييل السردي ما غاب عن الإنسان في العالم، وما ظلّ جاهلا به لقصور في حواسّه، أو لأنه غير قادر على استيعاب صوره المتفرِّقة، فتتولّى هي إعادة تشكيلها بما يلبّي حاجته للمعرفة، وقدرته على الإدراك".
وتناول الدكتور عبد الرحيم جيران "إنتاج النص: التآول وتدوين الليالي " وإمكانية استرجاع "الليالي" إلى موضعها الأصليّ الذي ليس سواها. معتمدا في هذا المسلك الإصغاء إلى حكاياها، لا في ما تحكيه فحسب، بل أيضًا في يتخفّى من حكي وراء ما تحكيه. ويتطلّب توجُّهٌ من هذا القبيل سمعًا ثانيًا مرهفًا. ونختار موضوعًا لنا- في هذا المسعى- مسألةَ إنتاج النص بوساطة تدوين "الليالي"، والكيفية التي يصير بوساطتها هذا التدوين مكوِّنًا مركزيًّا في فهمها. وليس المعوَّل عليه في هذا الاختيار النظر إلى التدوين بعدِّه مجرَّد بحث في مصدرها الأصليّ، وكيف أفضت إعادة تدوينها ّإلى الابتعاد عن هذا المصدر أو الاقتراب منه، وإنّما البحث عن أثر فعل التدوين في تسريدها، وما ينجم عنه من تآول".