السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نحو نظرية إعلامية متكاملة تفسر الظواهر الإعلامية الراهنة «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شَرُفتُ بأن أكون مُعَقِبًا على جلسة البحوث الأولى بالمؤتمر العلمى الرابع للمعهد الدولى العالى للإعلام بأكاديمية الشروق المعنونة: «منهجية التكامل المعرفى والتداخل النظرى والمنهجي» والتى رأسها د. حسن عماد مكاوى عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة الأسبق، وقد عُرِضَت فى هذه الجلسة المتميزة سبعة بحوث لباحثين من جامعات مصرية وعربية مختلفة بدءًا من جامعتيْ الإمام محمد بن سعود والملك عبدالعزيز السعوديتيْن وجامعة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة وجامعة «باتنة 1» بدولة الجزائر علاوة على جامعة الإسكندرية وأكاديمية الشروق المصريتيْن.
فى البداية قمتُ بالتعقيب على البحث المقدم من د. محمد بن على القعارى الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعنوانه: «التداخل النظرى والمنهجى فى النظرية الإعلامية.. دراسة نقدية»، وتساءلتُ: هل نحن بصدد العودة إلى الجذور فى نظريات الإعلام.. إلى نظرية الطلقة السحرية Magic Bullet؟، وأجبتُ ربما، لأننا نعيشُ الآن ما يعادل تأثيرها وهو «فيروس السوشيال ميديا».
ولعل هذا ما يفسر ثورات ما يُطلق عليه الربيع العربى فى موجتها الأولى التى شملت تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وموجتها الثانية فى الجزائر والسودان، بل وارتداد تأثير هذا الفيروس إلى مَن شاركوا فى تصنيعه وتعليبه وتصديره للمنطقة العربية، ففى الشمال.. فى فرنسا نجد ثورة أصحاب السترات الصفراء، كما نجد فيروس داعش يرتد إلى أوروبا والولايات المتحدة، وهم مَن سمحوا بتمكينه من تجنيد عناصره عبر تويتر. إننا فى حاجة ماسة لمداخل نظرية جديدة لدراسة هكذا ظواهر، نحتاج إلى الإلمام بشكلٍ أكثر عُمقًا بالمجتمع الشبكى Network Society، والذى ابتدعه الألمانى «مانويل كاسلز»، نحتاج إلى التحليل الشبكى Network Analysis، والذى يوضح لنا آليات انتشار فيروس الثورة والتحريض والشائعات عبر حسابات السوشيال ميديا.
إن نظريتيْ «انتقال المعلومات على مرحلتين» و«ترتيب الأولويات» اللتين تحدثت عنهما الدراسة الحالية أصبحتا جزءًا من تراث الماضى فى نظريات الإعلام بعد ما أصابته التكنولوجيات الاتصالية والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. الآن المعلومة أو شبه المعلومة أو حتى ما يمكن أن أُطلق عليه «المغلوطة» يتم توزيعها على سكان الكرة الأرضية فى ثوانٍ معدودة دونما انتظار لانتقالها على مرحلتين أو أكثر أو أقل قليلا. كما أننا لم نعد نعلم يقينًا مَن يرتب أجندة مَن؟، هل الوسائل الإعلامية هى التى ترتب أجندة الجمهور وأولوياته أم ما يحدث هو العكس من ذلك تمامًا؟. اليوم أصبحت الصحف وبرامج «التووك شو» تأخذ أولويات معالجتها من السوشيال ميديا.
وتوجد ثمة أكذوبة كُبرى وهى أن الصحافة فقط أو التليفزيون فقط أو الإنترنت أو الاتصال الشخصى فقط هو الذى يقوم بترتيب أولويات الجمهور، وهو أمرٌ غير صحيح، لأن بعض الدراسات الإعلامية تتعامل مع الجمهور وكأنه يقبع فى معمل كفأر تجارب كبير، لأن الجمهور يؤثر فى ترتيب أولوياته كل هذه الوسائل مجتمعة، وهو ما افترضته النظرية الأصلية، وليس تطبيقاتنا البحثية المصرية العربية التى افترضت أن وسيلة إعلامية واحدة هى التى تقوم بترتيب أولويات الجماهير..!.
وكان البحث الثانى للدكتورة مريم نريمان نومار بقسم الإعلام جامعة «باتنة 1» بدولة الجزائر بعنوان: «المناهج المختلطة فى الدراسات الإعلامية الجديدة»، وتثير هذه الدراسة إشكالية مهمة، وهى ميل الباحثين العرب فى مجال العلوم الإنسانية لاستخدام المقاربات المنهجية الكمية أو الكيفية بشكلٍ منفصل، رغم أهمية التكامل بينهما. والمشكلة الأكبر من وجهة نظرنا هو «تكميم الكيفى وتكييف الكمي»، وهو ما يعنى لى عنق المنهج والأداة البحثية بما ليس فيهما، فنجد مثلًا تحليل المضمون الكمى بطبيعته يُستخدم أيضًا كأداة كيفية، وفى المقابل نجد أدوات ومداخل كيفية مثل تحليل الخطاب وتحليل الإطار يستخدمان خطأً كأدوات كمية وتوضع لهما جداول وتكرارات ونسب، وهى المشكلة التى تؤدى إلى مزيد من القصور الأداتى والمنهجي.
أما البحث الثالث فكان للدكتور إيهاب حمدى جمعة المدرس بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وعنوانه: «منهجية التكامل المعرفى بين الخطاب الإعلامى وعلوم اللغة واللسانيات: الاستراتيجيات التداولية فى تحليل الخطاب السياسى للقنوات التليفزيونية الفضائية المعادية نموذجًا بالتطبيق على تغطية افتتاح المسجد والكاتدرائية»، وعلقتُ على هذا البحث وقلتُ إن بداية طرح الباحث وطرح الإعلام المصرى عامةً لأطروحة «أكبر مسجد وكاتدرائية» فى الخطاب، وهو ما استغله الإعلام المعادى لأن «أكبر مسجد وكاتدرائية» يستلزم أكبر ميزانية فى التاريخ مخصصة لدور عبادة لا تعدمها مصر، ومن هنا فقد أعطى الإعلام المصرى الإعلام المعادى والسوشيال ميديا الذريعة بأن هذين «الأكبر فى الساحة وتكاليف الإنشاءات» كان ينبغى توجيه المخصصات المالية لهما لما هو أهم للصحة والتعليم والصناعة وتوفير فرص عمل للشباب.
كان الأفضل والأوقع للإعلام المصرى أن يعتمد فى خطابه على طروحات أخرى مثل أطروحة (التسامح الديني)، أو أطروحة (المسجد الجامع والكاتدرائية الخاصة بالعاصمة الجديدة) وهو أسلوب كان معروفًا فى العِمارة الإسلامية عند إنشاء العواصم الجديدة منذ قديم مثلما هو الحال عند إنشاء مدينة الفسطاط (مسجد عمرو بن العاص) أو إنشاء مدينة القاهرة (الجامع الأزهر)، أو أطروحة (التعايش وقبول الآخر).
وذكرتُ كذلك أن كلمة «المعادية» فى عنوان الدراسة جاءت غائمة، لأنها تصف هذا الإعلام بـ«المعادي»، فى حين أنه يصفنا بالوصف نفسه، فى ظل موقفنا الواضح والصريح من قطر وتركيا اللتيْن تأويان عناصر جماعة الإخوان الإرهابية وتوفر لإعلام الجماعة إمكانات البث والتمويل والمساندة الإعلامية واللوجستية، فكلمة «المعادي» كلمة مضللة، فكأننا نقف موقف «المسالم» مع هذا الآخر «المعادي»، وهو أمرٌ غير حقيقي، فالدولة المصرية فيما بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013 لا تُسَالِم مَن يُعاديها، ولا تُصَالح مَن يَمُدُ يَدَهُ إليها بالقتل والدمار والخراب، الدولة المصرية تضرب أعداءها فى ليبيا وتقصف معسكرات قطعان الإرهابيين، وتشارك فى الحصار الاقتصادى لقطر جراء تطاولها على مصر وشقيقاتها الخليجيات، هذا علاوة على الحرب الإعلامية الضروس بين مصر وإعلام أهل الشر ووسائل الإعلام القطرية والتركية والدولية المتعاطفة معه.
إن هذه الدراسة غاية فى التميز لأنها قدمت تأصيلًا معرفيًا ونظريًا لتداولية الخطاب وارتباطها بعلم اللسانيات والحِجَاج ومفاهيم المغالطة وأساليبها لإقناع الناس بالباطل من القول كما يحدث من قِبَل إعلام أهل الشر الذى يسهل كشفه وتفنيد خطابه الإعلامى المزعوم.
ونستكمل تعليقنا على بحوث هذه الجلسة المهمة فى المقال المقبل بإذن الله.