الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"ألمانيا- فرنسا".. تحالف دعم المرأة والسلام ونزع السلاح بمجلس الأمن.. توأمة أوروبية لترسيخ مواجهة العنف في العالم عبر رئاسة الدولتين للمجلس الأممي.. ومحاولات لترسيخ لانتزاع المقعد الدائم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تسعى القيادة الأوروبية إلى تحقيق التوازن والاستقرار داخل عواصمها، بالتزامن مع تنامى التهديدات والتحديات المُحيطة بها، من خلال التنسيق والتعاون المشترك فى الملفات محل الاهتمام، وهو ما تجلى فى تولى ألمانيا العضو غير الدائم فى مجلس الأمن، رئاسة المجلس للمرة السادسة خلال أبريل ٢٠١٩ كجزء من «رئاسة مزدوجة» مع فرنسا العضو الدائم.
إلى جانب مساعدة هيئة الأمم المتحدة فى أداء دورها فى إدارة الأزمات والنزاعات، وقد استوفى البلدان «ترتيبات التوأمة» – التى تعد خطوة رمزية إلى حد كبير تهدف إلى إظهار موقفهما المشترك كفاعلين رئيسيين فى الاتحاد الأوروبي.
ويدعم ذلك جزئيًا انتخاب ألمانيا كعضو غير دائم فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال الفترة ٢٠١٩-٢٠٢٠، كما قامت فرنسا وألمانيا بالتنسيق الوثيق مع أعضاء الاتحاد الأوروبى الآخرين فى مجلس الأمن، بما فى ذلك المملكة المتحدة وبلجيكا وبولندا، فيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بأطر التعاون والدفاع المتعدد الأطراف.
وعليه تسعى برلين إلى توظيف مدة رئاستها «لتعزيز منع الصراع على المدى الطويل». وتركز على إثارة بعض القضايا الخاصة على جدول أعمال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال فترة رئاستها التى تستمر شهرًا، التى تتجسد فى منع نشوب الصراعات، وحماية العاملين فى المجال الإنساني، وحماية المرأة فى النزاعات بالإضافة إلى نزع السلاح.


القضايا المطروحة على الأجندة
تتبع الرئاسة الألمانية رئاسة فرنسا، لتعزيز السياسات القائمة على التنسيق المتعدد بين الجهات الفاعلة والرسمية، وتحاول كل من فرنسا وألمانيا تبنى سياسة جديدة فى تاريخ مجلس الأمن الدولى الذى تأسس عام ١٩٤٦، ستُعرف باسم «Jumelage». فلم تعد ترغب دول الاتحاد الأوروبى فى انتهاج استراتيجية تكثيف التعاون فى مجلس الأمن، فحسب ولكن أيضًا تسعى إلى إرسال رسالة حول التعاون متعدد الأطراف فى السياسة الدولية.
هذه الأهداف هى أيضًا من بين أولويات معاهدة «آخن»، التى تم توقيعها فى ٢٢ يناير ٢٠١٩ التى تستند إلى تقليد معاهدة الإليزيه لعام ١٩٦٣.
وفى هذا الإطار أعدت ألمانيا وفرنسا جدول أعمال شاملًا لرؤساء مجلس الأمن المتتاليين يهدف إلى تعزيز السلم والأمن العالمي، يستند إلى تعزيز القانون الدولى الإنسانى والمبادئ الإنسانية. على سبيل المثال، يستكشف مجلس الأمن كيف يمكن للعاملين فى مجال المساعدات الإنسانية أن يتمتعوا بحماية أفضل من العنف فى جميع أنحاء العالم.
كما ستقدم ألمانيا القضية الرئيسة لها إبان رئاستها عددا من القضايا التى تتمثل فى عدد من النقاط أهمها قضايا المرأة؛ حيث من المقرر عقد عدد من المناقشات المفتوحة حول حماية المرأة فى بعثات السلام التابعة للأمم المتحدة، وسبل تعزيز مكافحة ومنع العنف الجنسى فى النزاعات. كما تعمل الحكومة الألمانية على ضمان زيادة مشاركة السياسة للمرأة، والرغبة فى تمكينها، وحمايتها بشكل أفضل من العنف الجنسى فى مناطق النزاع، وتوفير سبل الدعم والحماية الكاملة لها بشكل عام.
إلى جانب مسألة نزع السلاح؛ حيث أثارت برلين قضية نزع السلاح للتصدى لسباق الهيمنة الجديد، الذى تحاول الدول الكبرى استنساخه مرة أخرى، من خلال إدراجه فى جدول الأعمال. وسيترأس «هايكو ماس» وزير الخارجية الألمانى جلسة مجلس الأمن المعنية بمناقشة عدم الانتشار النووى ونزع السلاح.
إلى جانب مواجهة الأزمات فى أفريقيا؛ وهنا تتشارك ألمانيا وفرنسا فى دعم السلام فى أفريقيا بصفة عامة، ومالى بصفة خاصة من خلال بعثة الأمم المتحدة فى مالي، فضلًا عن تعزيز التعاون الوثيق على الصعيد الأمنى لضمان الاستقرار السلمى فى بوركينا فاسو.
أيضا حماية العاملين فى مجال المساعدات الدولية؛ حيث تسعى الدولتان لإثارة قضية البعثات الخاصة بتقديم المساعدات الخارجية، ودعم وحماية العاملين بها من الانتهاكات التى من الممكن التعرض لها إبان عملهم فى جميع أنحاء العالم، وعليه يعتزم وزير الخارجية الألمانى تقديم مبادرة خاصة بهذا الشأن.
بالإضافة إلى مكافحة تجارة الأسلحة الصغيرة فى البلقان؛ حيث يرغب البلدان فى تقديم رؤية تعاون أفضل مع السلطات فى هذا المجال، ليكون مثالًا للمناطق الأخرى، لدعم الاستقرار فى هذه الدول.
إلى جانب الترويج للتعاون متعدد الأطراف؛ حيث تهتم ألمانيا بالترويج لفكرة التعاون الدولى المتعدد الأطراف، كما تبنت ألمانيا وفرنسا مقاربتها المتعددة الأطراف فى معارضة القومية، والحمائية المتنامية للقيادات السياسية مثل الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب».
وقد بدأت فرنسا وألمانيا بالفعل بتطبيق هذه السياسة التى يمكن أن نرمز إليها من خلال «الرئاسة المزدوجة»، وبرزت أيضًا بتنسيقهما مع الأعضاء الأوروبيين الآخرين فى مجلس الأمن مثل (المملكة المتحدة وبلجيكا وبولندا).
كما تسعى إلى الالتزام بقرارات الأمم المتحدة؛ حيث تُصر ألمانيا وفرنسا على ضرورة الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، لضمان لتحقيق الأمن والسلم العالميين، وهو ما تجسد فى تنديد الممثل الدائم لألمانيا لدى الأمم المتحدة «كويستوف هوسجن» بقرار الولايات المتحدة الخاص بالاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل، ومنحها حق السيادة على هضبة الجولان. والجدير بالذكر؛ أن دول الاتحاد الأوروبى تعمل معًا لتفعيل هذه السياسة للحفاظ على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، مثل اتفاقية باريس للمناخ ومعاهدة الوقود النووى المشعة.


ملامح التنسيق المشترك
يشغل كل من دول الاتحاد الأوروبى مقعدًا لمدة شهر واحد، كرمز لتعاونهم الوثيق معًا، قرروا دمجها فى «رئاسة مزدوجة» أولى ووصفتها فرنسا بأنها «ترتيب توأمة». ستنتقل الرئاسة رسميًا من فرنسا إلى ألمانيا حلال هذا الشهر، ولكن فى الممارسة العملية لن يكون هناك أى تغيير، حيث سيستمر كلا البلدين فى شغل المقعد بشكل مشترك. هذا التعاون الوثيق للأمم المتحدة تم الاتفاق عليه بين برلين وباريس كجزء من معاهدة «آخن».
وتكمن أهمية هذه الرئاسة فى إدارة أهم هيئة تابعة للأمم المتحدة، والمكلفة بصون السلام والأمن الدوليين. كما يمكنه إرسال قوات حفظ السلام، وفرض حظر اقتصادي، وحظر أسلحة، واختيار العمل العسكرى الجماعى فى نهاية المطاف، لذا فإنه يعد الهيئة المعنية بحفظ السلام وإدارة الملفات الأمنية فى العالم.
وهنا لا بد من توضيح نقطة مهمة وهى أن عملية التنسيق بين ألمانيا وفرنسا لم تكن وليدة اللحظة، ولكنها تم تفعيلها وتحررها مع تولى الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» رئاسة الإليزيه فى مايو ٢٠١٧، وانتهاجه سياسات قائمة على التعاون المتعدد وفقًا لميثاق الاتحاد الأوروبى والداعم للأمن الأوروبي، وإصلاح منطقة اليورو علاوة على اتباعه سياسات تعاونية ومشتركة مع الدول الأعضاء للتصدى لتحديات الأوروبية المتلاحقة، بالتزامن مع تنامى موجات الحمائية والقومية، من قبل القوى اليمينية المتطرفة، والشعبوية والداعمة للخروج من الاتحاد الأوروبي.
وتجسد التنسيق المشترك فى إبرام معاهدة مشتركة ما بين فرنسا وألمانيا، لدعمها فى مجلس الأمن وحصولها على مقعد دائم، خاصة مع محاولة بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، لتكون فرنسا العضو الدائم فى مجلس الأمن من داخل الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذى انتقدته بعض القوى الأوروبية وفى مقدمتهم إيطاليا، الرافضة لبعض السياسات الأوروبية الخاصة بالهجرة واللجوء، معتبرة أن الأولى أن يكون للاتحاد الأوروبى مقعد دائم وليست ألمانيا كدولة.
وعلى الجانب الآخر؛ تسعى ألمانيا إلى الحصول على مقعد دائم فى مجلس الأمن منذ توحيدها فى عام ١٩٩٠ باعتبارها من أهم المساهمين فى ميزانية الأمم المتحدة، وأكبر مزود للقوات فى إطار الأمم المتحدة، وتنشط فى جميع أنحاء العالم فى المناطق التى تهم الأمم المتحدة، وتتبنى سياسات داعمة لها مثل سياسة المناخ وحقوق الإنسان ونزع السلاح.
إجمالًا؛ هناك العديد من الدول التى تطمح فى الحصول على مقعد دائم داخل مجلس الأمن مثل الهند، واليابان، والبرازيل، وذلك فى إطار الحملات المُروجة لإعادة هيكلة، وإصلاح مجلس الأمن لكى يتناسب مع التهديدات والتحولات الدولية والإقليمية المتلاحقة التى يشهدها النسق العالمي، لأن منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها هى جزء من سياسات وترتيبات مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ووجود نظام عالمى متعدد الأقطاب، لذا فعلى ألمانيا أن توظف هذه المرحلة بما يتناسب مع مصلحتها الوطنية، والأمن الإقليمى الأوروبى بكفاءة وفعالية.