الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

أحدب «نوتردام» يبكى كنيسته المحترقة

نوتردام
نوتردام
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أحدب «نوتردام» يبكى كنيسته المحترقة
لم تسقطها الحروب والتهمتها النيران.. وأغلقها المتظاهرون خلال الثورة الفرنسية
احتلها الألمان فى الحرب العالمية الثانية... لجأ إليها أهل مارسيليا هربًا من وباء الطعون
شُيِّدَت على تلٍ ارتفاعُه 160 مترًا...تحوى تمثالًا للعذراء يبلغ طولُه 11 مترًا... أربعة تماثيل منحوتة فى أركانها تعبيرًا عن وجود الشر فى كل مكان
فى مشهد هز العالم أجمع، وهو يشاهد عبر الشاشات الإعلامية، حريق «التاريخ»، والفاجعة الإنسانية التى طالت كاتدرائية «نوتردام» بباريس مساء أمس الأول، مكان الملجأ الذى هرب إليه أهل مارسيليا من الطاعون، الحصن الذى لم يهزه الاحتلال الألماني، خلال الحرب العالمية الثانية، قلب القصص والأساطير التى تناقلتها الروايات والأفلام السينمائية، قبل عقود تحت عنوان: «أحدب نوتردام»، للكاتب الفرنسى فيكتور هوجو، تلك الرواية التى تعد من أشهر الروايات العالمية، التى صورت الكاتدرائية بشكل عظيم، وهى المكان الرئيسى، الذى شهد أحداث الرواية المأساوية، فنجحت فصولها بأن تأخذنا عبر المبنى العريق لنتعرف على معالمه، بل ونقلت روحه التاريخية، اليوم تغزو النيران التاريخ وثمانية قرون تحارب السقوط محاولة الصمود.
«نوتردام» الكاتدرائية قبلة السائحين التى بدأ بناؤها ما بين عامى 1163 و1345.. تأخذكم «البوابة» فى جولة داخل أعماق الكاتدرائية التاريخية، تبدأ الحكاية من الخارج، وفى الساحة الخارجية، وقبل أن تطأ قدماك الكنيسة، حيث تتوافد أسراب من طير الحمام، يقوم بإطعامها عددٌ من المرتزقة، ويقف السائحون لالتقاط الصور التذكارية.
شاشةُ عرضٍ كبيرة، تشرح معالم الكنيسة، قبل أن تدخل إليها باللغة الفرنسية تارة، وباللغة الإنجليزية تارة أخرى، وخلال الفيلم المسجل الذى يعرض بالخارج، جاء فيه ما يلي:
الكاتدرائية مبنية على تلٍ، ارتفاعُه 160 مترًا، فوق سطح الأرض، ومطلة على نهر السين الفرنسي، وتعد من أهم المعالم السياحية؛ حيث يتوافد إليها مليون سائح فى العام.
ويحج إليها المسيحيون فى 25 أغسطس، من كل عام، ويعود أصل الكاتدرائية لكنيسة رومانية قديمة، بُنِيَت فى عام 1224، وبعدها تم استخدامها كفنار لإرشاد السفن للساحل الفرنسي، ثم تم تحويلها عام 1516 إلى قلعة عسكرية، أثناء فترة حصار الملك تشارلز.
ومن أهم المعجزات التى صارت فى تلك الكاتدرائية، شفاء أهل مارسيليا من وباء الطاعون الذى ضرب المدينة كلها، فما كان من السكان سوى اللجوء للكنيسة، وطلب المعونة بالصلاة، وبالفعل تم شفاؤهم فى عام 1720.
وفى عام 1790؛ وأثناء الثورة الفرنسية، خرجت العديد من المطالبات بغلق الكنائس، وكان على رأسها كاتدرائية النوتردام، وعندما رفض رجال الدين غلقها، تسلل المتظاهرون إلى الكنيسة، تحت شعار الصلاة وإقامة القداس، وبعد دخولهم احتلوها، وطردوا المصلين، ونجحوا فى إغلاقها.
فى بداية 1814؛ نجح رجال الدين فى فتح الكنيسة من جديد، وأقاموا أول صلاة للقداس فى أغسطس، من نفس العام، ودخلوا الكنيسة فى موكب بعد أن تسربوا بثياب بيضاء، وبعضهم قام بتغطية وجهه، وتمت إعادة بنائها من جديد، بعدما تهدمت نتيجة الحرب. 
وموقع الكنيسة الاستراتيجى، كان سبب الصراع، بين كلٍ من السلطتين؛ الدينية والعسكرية، ونجحت الأولى فى أن تحتفظ بالكنيسة، ومنعت تحويلها إلى ثكنة عسكرية.
وخلال الحرب العالمية الثانية؛ تمركزت القوات الألمانية فى الكنيسة، وعليه قام الفرنسيون بشن الحرب، وتحرير الكنيسة، من يد الألمان، وإعادة بنائها جراء ما تعرضت له أثناء الحرب.
وبنيت الكنيسة بالحجر الأبيض الجيرى والحجر الأخضر، وزينت جدرانها من الداخل بالفسيفساء، وتحتوى الكنيسة على: برج الجرس على ارتفاع 41 مترًا، وعليه أربعة تماثيل تحمل أبواقًا.
ومن أهم المعالم الداخلية للكنيسة هو، تمثال السيدة العذراء، الذى يبلغ طوله 11 مترًا، وهو مصنوع من نحاس مطلى بالذهب، وصحن الكنيسة، يضم ثلاثة أجزاء متساوية.
ومذبح الكاتدرائية يتخذ شكل نصف دائرة، تعلوه صورة للعذراء مريم وتحمل بيد المسيح وباليد الأخرى باقة من الزهور، كما تحتوى الكنيسة على القبو، والذى يبدو معتمًا ولكنه مزين بطريقة بسيطة، وتنتشر به تماثيل المسيح والعذراء مريم، وتعد الطيور والزهور من أكثر الرسومات التى تزين جدران الكاتدرائية.
الحرب العالمية الثانية
فى شهر نوفمبر، وخارج كاتدرائية الأسرار والأساطير «النوتردام»؛ حيث يقف عددٌ من الشباب «الكشافة»، أمام الساحة يرتدون ملابس الجنود، فى الحرب العالمية الثانية. 
وبسؤال أحد الشباب الذى يرتدى زى الجنود عن الرسالة التى يوجهونها خلال احتفالهم؟ قال: إن الحرب العالمية خلفت العديد من المعاقين، والذين فقدوا أجزاء من جسدهم، ولكن قام القس دانيال بعمل منظمة بعد الحرب العالمية الأولى، أخذ الأطفال الذين يُتِّمُوا بسبب الحرب، وكذلك المصابين، لرعايتهم فى شتى جوانب الحياة، وعلموهم كيفية صناعة أدوات الحرب؛ مشيرًا إلى أن تلك المنظمة ما زالت قائمة، وتعتنى بثلاثة آلاف طفل.
وتمثل الكاتدرائية، الفن القوطى المعمارى، الذى ساد فى القرن الثانى عشر، وحتى بداية القرن السادس عشر، ويعد من المعالم التاريخية فى فرنسا، ومثالًا على العمارة القوطية الفرنسية.
وفى الخارج؛ عند باب الكنيسة، تبدأ الألغاز التى وردت بالأساطير تداعب مخيلتك، فور رؤيتك الأقفال الحديدية، والأجزاء المعدنية التى تزين الأبواب، وقد ورد فى عدد من الأساطير، أن تلك الأقفال والأجزاء تم إنجازها فى يوم واحد، وقام بها «بسكورنيه». وتقول إحدى الروايات إنه بعد أن أنهى مهمة الأقفال المعدنية، عثر عليه ميتًا، بعدما سلبت روحُه، والتى كانت ثمنًا لإنجازه تلك الأقفال فى ليلة واحدة.
والأسطورة الثانية، التى يرى العديد أن بها لغز النحت العظيم، الذى يعلو الباب الرئيسي، حيث جسد المسيح وتلاميذه الاثنى عشر، فتم نحت مخلوق غريب فى الوسط، وله ذيل حية، وقد تناولت الأساطير، تلك اللوحة، على أنها شيطان ساعد فى بناء الكاتدرائية.
ولكن الكنيسة لها إجابة أخرى، وهى أن الشيطان كان وما زال موجودًا، ولا يمكن أن ينكر أحدٌ وجودَه، وقد اهتم الفنانون فى العصور الوسطى بتجسيد الحقائق لتنبيه البشر.
ويوجد داخل الكنيسة أربعةُ تماثيل منحوتة، فى أركان الكاتدرائية، ويفسرها الكنسيون بأنها دلالة على أن الشر موجود فى كل مكان.

«جان دارك» حامية باريس
جان دارك «حامية باريس»، كما يطلق عليها الفرنسيون، يوضع تمثال مجسم للقديسة، بقلب كاتدرائية النوتردام، ويظهر التمثال ملابس الجندية، التى ترتديها، وتحمل السلاح فى يديها، ويرجع ذلك لما يرويه الفرنسيون بأنه فى العصور الوسطى حاول الإنجليز احتلال فرنسا، وقامت حامية باريس بطردهم، وانتصرت عليهم، بعد أن قادت عددًا من الحروب.
ووفق الروايات المترددة داخل الكنيسة، للمرشدين السياحيين، فإن «جان دارك»، ادعت بأنها رأت الله فى رؤيا، يأمرها بدعم شارل السابع، واستعادة فرنسا من السيطرة الإنجليزية، وفى أواخر حرب المائة عام، بعثها الملك غير المتوّج حينئذ، شارل السابع، إلى حصار أورليان، حيث حققت هناك أول انتصاراتها العسكرية الكبيرة، تبعها عدة انتصارات سريعة أخرى، أدّت فى نهاية المطاف إلى تتويج شارل السابع فى ريمس.
وتعد «دارك» من أكثر الشخصيات شعبية وعليه جَسَّدَ عددٌ من الأفلام السينمائية شخصيتها.

شموع النذور
تعد شموع النذور، بلونها الأحمر، والمنتشرة فى الكنيسة، من أجمل الصور التى يمكنك أن تراها، واختلفت ألوان الشموع ونوعيتها، ما بين مصر وفرنسا؛ ففى مصر توقد الشموع البيضاء البسيطة أمام صور القديسين، للوفاء بالنذور، أو طلب طلبة يتخللها صلاة.

الكاتدرائية وخدمة الاعتراف
على الجانب الشمالى من المذبح، وفى طريقك للدخول، تجد حجرات من الزجاج، يجلس بها الأسقف، ويقف بالخارج عددٌ من الزوار، كلٌ منهم ينتظر دوره فى الدخول، وهى خدمة خصصتها الكنيسة، بصفة يومية، تستقبل فيها المعترفين «وهو طقس كنسى يعترف فيه الشخص بالخطايا التى اقترفها، ويصلى من أجله الأسقف، حتى يسامحه الله».
وفى كل مرة؛ يقوم الأسقف ليودع ضيفه، ويقف حتى يستقبل الآخر، بشوشًا مرحبًا، ولا تقتصر الخدمة على مواطنى الكنيسة أو روادها، ولكنها خصصت لجميع الزوار من حول العالم.

صليب المسيح من أهم الآثار
تحتفظ كاتدرائية النوتردام بجزء من صليب المسيح، ويتم عرضه فى الأحد الأول من كل شهر، وفى هذا اليوم، تعد نسبة الزوار أكثر من المعتاد؛ حيث يفضل الشعب التبرك بهذا الجزء، والذى كان شاهدًا على آلام المسيح، وفق رواية الإنجيل.

أسرار الجدران واللوحات
يروى راهب نوتردام، لـ«البوابة»، قصة الجدار الجنوبى من المذبح ولوحاته، بعد أن حرص على كتابة الشرح، وترجمته إلى عدة لغات، ليساعد من لا يجيد اللغة الفرنسية؛ مشيرًا إلى أن «من لا يجيد لغتى، أعطيه الورق مطبوعًا باللغة التى يجيدها، وهذه خدمتى التى أقدمها للزوار».
وأضاف الراهب، أن «عمر الجدار الجنوبى للمذبح، يرجع إلى القرن الثانى عشر، واستمرت زخرفة الجدار، حوالى 25 عامًا، حيث تم الانتهاء منه فى الجيل الرابع عشر، وهذا الجدار قدم قصة حياة المسيح، بعد مماته، فى صور، ويعتبر هذا الفن فريدًا من نوعه، بالنسبة للقرون الوسطى، وقام الفنان «جان رافى» الذى انفرد بها، حيث رسم 40 يومًا، بدءًا من عيد الفصح: «الذى يحتفل به اليهود إلى اليوم» إلى عيد الصعود، وقد ركز على ظهور المسيح».
يستكمل الراهب ذو الـ85 عامًا بثياب بيضاء بلا صلبان، يقف ويتحدث عدة لغات ليس من بينها العربية، يستند على عصاه، مبتسمًا مرحبًا بالزوار، يحمل بيده عدة أوراق، يشير بيده إلى رسومات عريقة من القرن الثالث عشر، يشرح للزوار قصة كل لوحة على حدة، يجيب عن التساؤلات، تلتف حوله أعداد من الزوار، فوجٌ تلو الآخر، اخترقنا الوفود وبدأنا حوارًا قصيرًا معه، وبعد أن رحب قال إن مصر من أعظم دول العالم، بما تحتويه من فن وآثار ومناخ وحياة.
ويزيد المتقاعد فى سن السبعين، إنه خدم كقسيس راهب فى كنيسة النوتردام، وبعد أن أكمل أيام خدمته وتقاعد لم يستطع التوقف عن الخدمة، التى قضى عمره فيها، ويقف الآن داخل الكاتدرائية، ليس بصفة رسمية، كقس راهب، ولكنى أقوم بعمل تطوعى دون مسمى كنسي، ولكنه عمل فردى قررت أن أقوم به.
وظيفته الوقوف بجوار الجدار الجنوبى من المذبح، وهو القسم الأهم والأقدم فى كاتدرائية النوتردام، ويحاول شرح ما تحتويه الجدارية للسياح، الذين يقصدون الكنيسة لزيارتها، وأنا مهتم أن أحمل لهم المعلومة كاملة، حتى يتعرفوا على الكاتدرائية بطريقة صحيحة.
ويحمل شرحًا مكتوبًا عن الجدار ولوحاته، وترجمته إلى عدة لغات، خاصة التى لا يجيد التحدث بها، مثل اللغة العربية، حتى أستطيع أن أفيد الجميع، فمن لا أجيد لغته أعطيه الورق مطبوعًا باللغة التى يجيدها، وهذه خدمتى التى أقدمها للزوار.

لوحات ورموز
عن اللوحات الموجودة داخل الكاتدرائية، يروى الراهب قصتهم؛ للوحة الأولى تجسد ظهور المسيح لمريم المجدلية «من السيدات اللاتى تبعن المسيح»، وتظهر الأجواء والتوقيت، حيث ظهر لها المسيح، وفق ما ورد بالأناجيل، عند بزوغ فجر اليوم الثالث بعد صلب المسيح، فقد جاءت أولًا مريم المجدلية إلى القبر، ومعها العطور لتطيب جسد المسيح.
وكما يذكر الإنجيل، وجدت القبر فارغًا، وكان هناك رجل يقف بجانب القبر، اعتقدت أنه البستاني، وسألته: هل تعلم أين وضعوا جسد المسيح؟ وبعد أن تحدثت معه، وناداها باسمها «يا مريم»، أدركت أنه المسيح.
ويظهر فى اللوحة الثانية 3 سيدات؛ وهنا جسد الفنان ظهور المسيح الثانى للسيدات، حيث أتت ثلاث سيدات إلى قبر المسيح صباح القيامة، وقد شاهدن المسيح، وتعرفن عليه من آثار المسامير التى فى يده، وهذا هو الظهور الثاني.
وبالنسبة للوحة الثالثة؛ فقد رسم الفنان ظهورين معًا، واللذين كانا لتلميذى المسيح «بطرس ويوحنا»، فكان الظهور الأول لبطرس وحده، فى مغارة جبلتيه، وهو ما يظهر فى شمال اللوحة، والظهور الثانى كان لبطرس ويوحنا معا، وهنا نرى يوحنا على بعد بينما المسيح يطرح سؤالًا على بطرس ثلات مرات متتالية: «أتحبني؟»، وهو ما كتبه القديس يوحنا فى إنجيله، وكان هذا السؤال تاريخيًا، ومغيرًا فى حياة الرسول بطرس، والذى استشهد مع مسيحيين آخرين، وذلك بالموت معلقًا على الصليب، ورأسه لأسفل.
وحملت اللوحة الرابعة شخصين؛ فى الجهة الشمالية من اللوحة نرى تلميذين من تلاميذ المسيح، قلقين من جراء موت سيدهما، وخلال عودتهما إلى قريتهما، والتى تدعى «عماوس»، والتى تقع على بعد 15 كيلو مترًا من القدس، ينضم إليهما ثالث، وهو المسيح، وفى البداية اعتبره التلميذان رجلًا تقيًا، وطلبا من المسيح فى نهاية رحلتهما أن يشاركهما وجبة العشاء، وعندما جلس معهما ليأكل، قام كعادته بالصلاة ثم ودع، ومن هنا علمنا أنه المسيح.
وخلال الحرب العالمية كانت تستخدم كخندق، ومكان للاحتماء، وفى شهر مايو، من كل عام، يتم إحياء الذكرى بعمل احتفالية كبرى خارج الكنيسة، بالصوت والضوء، ويتم تجسيد ما كانت تقدمه الكنيسة، فى هذه الأثناء من خدمة.