الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قضايا النساء في مسامرات علي مبارك «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ عقدين من الزمان كان الحديث عن حجاب المرأة وعزلتها واختلاط النساء بالرجال وتعدد الزوجات والطلاق.. من القضايا التى يتناولها الباحثون بالنقد والتحليل فى السياقات التاريخية خلال حديثهم عن حقوق المرأة، واعتقد الكثيرون منهم أن تلك القضايا قد حسمت فى منتصف القرن العشرين، ولا سيما بعد ذيوع الأفكار الثورية التى تبنتها الجمعيات والاتحادات النسائية والعديد من الكتاب فى عشرات الصحف والمجلات، تلك التى كانت تنظر لحجاب المرأة وعزلتها فى الشرق الإسلامى على أنه درب من دروب الرجعية والتخلف، ونزع القليل منهم إلى أن ما ورد فى المنقول بشأنهن يحتاج إلى اجتهاد وتأويل ومراجعة وتصحيح للمفاهيم، وقد اجتهد مفكرو الربع الثانى من القرن التاسع عشر فى نقد العديد من الآراء المطروحة، وذلك خلال عشرات المساجلات ومئات المؤلفات فى مصر والشام بين الكتاب المحافظين الرجعيين والمجددين والمستغربين، غير أننا فى ظل ما نحن فيه من تراجع الأصيل من العادات والتقاليد والعزوف تمامًا عن النسق الدينى باسم التحرر من الجمود وقيود السلفيين المعاصرين وآراء المحافظين الجامدين بات لزامًا علينا أن نطرح هذه القضايا ثانية على مائدة الحوار، متخذين من كتابات النهضويين العرب الأوائل، من أمثال على مبارك سياقًا للكشف عن مواطن الجدة والطرافة والأصالة فيها من جهة ومواضع الجموح والجنوح والانحطاط فى حياتنا المعاصرة، من جهة أخرى فإذا تناولنا قضية السفور والحجاب واختلاط الجنسين، فسوف نجد أن على مبارك - ومن قبله رفاعة الطهطاوى - قد انتصر للشريعة، مبينًا أن القيود الشرعية التى حددت طبيعة الاختلاط بين الجنسين لم تكن جائرة أو سالبة لحقوقها، بل جاءت مهذبة ومقومة لوقائع وأحداث يخشى من تضخمها وانتشارها إلى درجة أن تصبح ظاهرة، ألا وهى التحرش ثم الاغتصاب التى تطورت فى زمننا، وأمست زنى المحارم وإباحية مفرطة فى صورة جماعات مثل عبدة الشيطان، أو الفحش الإلكترونى عبر الفيس بوك والتويتر، أو تبادل الزوجات، فلا عجب أن نجد على مبارك وغيره من أنصار الاتجاه المحافظ المستنير أن ينتصروا لصحيح المنقول، ويعولون على التربية والتعليم والتثقيف والتهذيب قبل السماح للجنسين بالاختلاط إذا ما أدت الضرورة إلى ذلك. 
علمًا بأن مشكلتنا يمكن تلخيصها فى توسعنا فى معنى الإباحة؛ فأضحت إباحية، وإهمالنا تمامًا ضوابطها أعنى حسن التربية وجودة التثقيف ونضج الوعي.
وقد ذهب على مبارك - فى مسامراته - إلى أن الاختلاط فيه نفع وضرر، ونفعه أقل من ضرره، فإذا كان اختلاطهن مباحا فينبغى أن نضع له ضوابط وأولويات لا نحيد عنها، أما الضوابط فتتمثل فى ضرورة التزام كلا الفريقين (المرأة والرجل) بالعفة والحياء، وتتمثل الأولويات فى وجاهة العلة الدافعة لذلك الاختلاط، مثل: التعليم والتثقيف والتطبب والتحاور البناء حول قضايا الأسرة والمجتمع، ودون ذلك فإن الاختلاط غير المسئول يفتح الباب أمام الأهواء والغرائز، ولا سيما فى المجتمعات المنحطة والأنفس السفلة من الجنسين، ويقول: «وجدت فى اختلاطهن فوائد لهن من حيث أنهن يتلذذن بما يرينه ويعلمنه من الحوادث والأخبار، وما يطلعن عليه من محاورات الرجال، لكن ربما ترتب على هذا الاختلاط ما يخرجهن عما هو أليق بهن من الصيانة والحياء، لأن كثرة المخالطة والملامسة بين الرجال والنساء قد تفضى إلى ضد ذلك، فلا شك أن عادات الشرقيين أرجح، ورأيهم فى احتجاب النساء عن الرجال أصح وأصلح».
ومع ذلك فهو يؤكد أن حجاب النساء وعزلتهن عن المجتمع لا يضمن عفافهن بالكلية مسايرًا فى ذلك رفاعة الطهطاوي، فكلاهما قد أكد أن صلاحهن فى حسن تربيتهن وتنشئتهن على الفضائل، ثم تثقيفهن بالعلم وإشراكهن فى الأمور التى تتناسب مع خبراتهن، فالأسافل من النساء لا يعجزن عن المسالك وإيجاد الحجج التى تمكنهن من الوصول لأغراضهن والاستجابة إلى أهوائهن، فكل ممنوع مرغوب، ويقول: «إن حسن التربية يرشدنا لما يجب عليها من الفروض، ويكسوها حلل المروءة اللائقة بها وبزوجها وأقاربها، فكما لا يكتفى بمجرد العلم مع الحرية، كذلك لا يكتفى بمجرد العزلة مع الجهل، بل لا بد من كلا الحالين من حسن التربية فى الابتداء، لأنك تعلم أن حسن التربية يهذب عقل الإنسان ويصفى طباعه ويعوده على الفضائل ويبعده عن الرذائل، فهو زمام ذلك كله، والقاطع لعرق الشبهة من أصله، ولم أر هذه العادة المخالفة لعادتنا - أى العزلة الكاملة والنقاب المادى – إلا فى بعض مدن البلاد الشرقية، فاختصاصها بهذه المدن القليلة يدل على أنها بدعة حدثت لأسباب طارئة؛ فإن جميع نساء الأرياف ونساء عربان البادية وبلاد العرب وأهل المغرب وسواحل الشام وأرض الحجاز لا يحتجبن عن الرجال، وربما قمن مقام أزواجهن فى بعض الأحوال، كإكرام الضيف والأخذ والعطاء مع الأجانب، وكثيرا ما يكون أمر المنزل وإدارته موكولًا إلى رأيهن وتدبيرهن، وقد رأيت فيهن من عاونت الرجل فى أعماله الشاقة، وهذا كله بالاختيار من غير إكراه ولا إجبار.
ويضيف على مبارك أن هذه القضية لا يمكن تحكيم العقل فيها بمنأى عن صحيح المنقول، فقد جاء فى الشرع ما يؤكد ضرورة ارتداء النساء من الملابس ما يستر مفاتنهن عن الأغيار الأجانب، مبينًا أن احتجاب النساء لم يكن من عوائد العرب فى الجاهلية، بل دعت إليه الضرورة بعد اختلاط العرب بغيرهن من الأجانب الذين لا يراعون حقوق النساء ولا كرامتهن فى الأسواق والطرقات، فجاء الشرع لمعالجة ما فسد من علاقات بين النساء والرجال، ويقول: «أما دلائل لزومة (أى الحجاب المادى وعدم الاختلاط) فالآيات القرآنية والأحاديث النبوية المنبهة على محاسن احتجابهن واعتزالهن من غير محارمهن كثيرة»، ويعنى ذلك أنه حكم قانون السببية فى المساءلة، فإذا غابت العلة لا يقع المعلول، ففساد ثقافة المجتمع هى التى تجعل للحجاب أو النقاب أو العزلة مبررًا والعكس صحيح فى حدود المسموح من الشرع.
وللحديث بقية عن قضايا المرأة فى مسامرات على مبارك....