السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

درس قاس للماسونية وتاجر السياسة.. ومصر تصنع التاريخ من جديد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الخيال المريض والنرجسية المفرطة والتجارة السياسية لا يستقيمون أبدا فى العلاقات بين الدول، مهما كان الفارق، سواء فى القوة أو الحداثة؛ لأن التاريخ هنا يلعب دوره كاملًا، وتكون له الغلبة فى كل الأحيان.
فخيال ترامب المريض صور له أن مصر يمكن لها أن تفرط فى حبة من رمالها المقدسة، أو تتخلى عن دورها الريادى تجاه القضايا العربية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، التى أجهض حلها مرات كثيرة على مدى العقود الأربعة الماضية.. تارة بسبب ضعف الرؤية والرؤى لبعض القادة العرب والفلسطينيين، وتارة أخرى للخلافات العربية العربية والفلسطينية الفلسطينية، وما بينهم من خيانات وغير ذلك!.
ففى الوقت الذى تصور فيه الرئيس الأمريكى أنه يستطيع أن يفرض سطوته على مصر مستغلًا الضعف العربى وملفات ليبيا وسوريا واليمن وفلسطين لانتزاع قطعة من قلوبنا لصالح الصهاينة ومحاولة تسكين الفلسطينيين فى جزء من سيناء الحبيبة، فوجئ بالرد المصرى القوى والحازم والقاصم لظهره وظهر الماسونية العالمية؛ لأنه وبكل بساطة جاهل بالتاريخ.. ولو كلّف نفسه ومعه مستشاريه الأجهل منه وقرأ التاريخ منذ أيام أحمس، لعرف أن البوابة الشرقية لمصر هى مقبرة الغزاة منذ أيام الهكسوس.. ولو قرأ حرب أكتوبر المجيدة، والتى شهدت أشرس معركة للدبابات فى التاريخ على أرض سيناء الحبيبة، وكيف تكبدت إسرائيل خسائر فادحة فى أرض الفيروز، ولو اطلع على الحكم التاريخى لطابا، لعرف أن مصر لم ولن تفرط فى حبة رمال واحدة من أراضيها على مر التاريخ.
فأرض مصر مقدسة، وهى التى عاش عليها ومر بها أغلب أنبياء الله وذكرها الله فى كتابه المقدس، بل والأكثر من ذلك أن الملائكة تحرس بلاد المسلمين عدا مصر، التى يحرسها رب العباد وخص الحبيب أهلها ووصفهم بخير أجناد الأرض.. لذلك قدم الرئيس عبد الفتاح السيسى درسًا قاسيًا للرئيس الأمريكى فى بيته الأبيض وحرمه من نطق سيناء على لسانه، وأكد له أنه لا تفريط فى حبة رمل مصرية وفلسطين عربية وعاصمتها القدس الشرقية والجولان سورية عربية.. وطلب الرئيس إنهاء الاجتماع بعد 17 دقيقة فقط وهو الذى يفترض أن يستمر لساعة كاملة حسب البروتوكول الأمريكي.. ولم يجد الرئيس الأمريكى بدا سوى التنازل عن غطرسته وقبول الدرس المصرى القاسى، وتجلى ذلك فى وصفه للرئيس السيسى بأنه رئيس عظيم ويقوم بعمل عظيم.
وبالطبع سوف يعود ترامب كل حساباته من جديد فى التعامل مع مصر؛ لأن العلاقة هنا استيراتيجية، بمعنى أن مصر تستطيع أن تلعب أدوارًا مهمة تؤثر على المصالح الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وما هو أبعد من ذلك.
وأتصور أن هذا اللقاء التاريخى سيكون السبب المباشر فى إعادة أمريكا لتقييم سياستها فى الشرق الأوسط، وسيكون أيضا بداية عهد جديد لحل القضية الفلسطينية والتخلى عن الأحلام المريضة المتعلقة بما يسمى صفقة القرن وحل القضية الفلسطينية على أساس قيام الدولتين.. وسيدفع الأمريكان إلى هذا أيضا تراجعهم على المستوى العالمى ودس أنوفهم فى العديد من القضايا الدولية والتدخل السافر فى شئون الدول، وأيضًا تراجع الاقتصاد الأمريكى لصالح الصين المارد المقبل بقوة، والذى سيعتلى صدارة الاقتصاد العالمى خلال العقدين المقبلين ناهيك عن الإمبراطورية الروسية، التى هزمت الأمريكان فى القرم وأوكرانيا وكذلك سورية.
فمصر بدأت مرحلة تاريخية جديدة بعد اجتماع السيسى ترامب، حيث بدأ العالم أجمع يعرف أن مصر تستطيع أن تقف أمام أى قوة تهدد أراضيها ومصالحها، مثلما وقفت شامخة تحارب الإرهاب وحدها نيابة عن العالم.
وهنا أقول إن هذا الاجتماع التاريخى قد قدم للعرب فرصة ذهبية لإعادة صياغة العلاقات العربية العربية وتفعيل قيام السوق العربية المشتركة وزيادة حجم التبادل التجارى بين الدول العربية واستثمار الأموال العربية فى المشروعات العربية.. كما يجب أن يعى العالم العربى الدرس القاسى، الذى حل ببعض دول المنطقة ونستثمر نجاح ليبيا فى القضاء على الإرهاب والوقوف إلى جانب سوريا واليمن، حتى يتم القضاء على داعش والأطماع الإيرانية والتركية.. وكل المؤشرات تقول إن السنوات العجاف فى طريقها للنهاية، وسيبدأ وطننا العربى الكبير مرحلة جديدة من الازدهار، شريطة إخلاص النوايا والعمل الدؤوب الجاد إيمانا بالمصير المشترك وقدرة شعوبنا على صياغة التاريخ العالمى من جديد.
والله من وراء القصد.