الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مائة عام على ثورة شعب (5)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ اندلاع الثورة فى التاسع من مارس 1919، والإدارة الإنجليزية تحاول جاهدة إرهاب الشعب المصرى، وذلك بالاعتقالات تارة وبإطلاق الرصاص الحى على صدور المتظاهرين تارة أخرى، وقد احتدم الأمر يوم الجمعة الموافق للرابع عشر من مارس، حين خرجت مظاهرة كبرى من مسجد الإمام الحسين رضى الله عنه، عقب الصلاة، لتستقبلها قوات الاحتلال بوابل من الرصاص العشوائى، وهو ما تكرر عند مسجد السيدة زينب رضوان الله عليها، ليسقط فى ذلك اليوم ثلاثة عشر شهيدا، أما الجرحى فكانوا بالعشرات، وردا على هذه الممارسات القمعية؛ فقد اجتمع مجلس نقابة المحامين وقرر إعلان الإضراب العام، وأصدر بيانا جاء فيه «أجمعت الأمة المصرية على طلب استقلالها والسعى لدى مؤتمر السلام للاعتراف بهذا الاستقلال، ولكن الحكومة الإنجليزية رأت أن ذلك لا يتفق مع مصالح حزب الاستعمار البريطانى، فمنعت المصريين الذين انتدبوا للقيام بهذه المهمة من السفر ولم تكتف بذلك، بل عمدت إلى طريقة الإرهاب، فقبضت على أربعة منهم، وأودعتهم السجن «المقصود هنا سعد زغلول وصحبه»، وبما أن هذا العمل اعتداء على حرية أمتنا وحرمان لها من أسماع صوتها، لذلك نعلن احتجاجنا نحن المحامين بامتناعنا عن العمل، وفى اليوم التالى انتقلت عدوى الإضراب من المحامين إلى مختلف المهن والحرف الأخرى، فتعطلت المواصلات وتوقفت القطارات وإشارات التلغراف والصحف ومصانع الغزل والمصارف والبريد وساد الشلل التام أنحاء البلاد، وفى يوم الأحد السادس عشر من مارس، شاركت المرأة المصرية الرجال فى الثورة وخرجت مظاهرة نسائية كبرى زاد عدد المشاركات فيها على ثلاثمائة سيدة وفتاة، وجميعهن يحملن أعلاما صغيرة ويطفن الشوارع هاتفات للحرية والاستقلال وسقوط الحماية وعودة سعد، ولفت هذا الموكب المهيب أنظار الجميع؛ فأخذت النساء يخرجن إلى الشرفات والنوافذ ويطلقن الزغاريد ابتهاجا بالدور النسائى الوطنى الذى ظهر للمرة الأولى منذ الاحتلال الإنجليزى لمصر فى 1882، ووصل موكبهن إلى دار الحماية وتقدمت السيدة هدى شعراوى حرم على شعراوى باشا والسيدة صفية زغلول حرم سعد باشا، لمقابلة المعتمد البريطانى وتسليمه مذكرة موقعة منهن، لكنه رفض لقاءهن، فتركن له المذكرة، والتى أفرجت عنها الخارجية البريطانية منذ عدة سنوات، وجاء فيها: «يرفع هذا لجنابكم السيدات المصريات، أمهات وأخوات وزوجات من ذهبوا ضحية المطامع البريطانية، يحتججن على الأعمال الوحشية التى قوبلت بها الأمة المصرية الهادئة لا لذنب ارتكبته سوى المطالبة بحرية البلاد واستقلالها تطبيقا للمبادئ التى نادى بها الدكتور ويلسن، وقبلتها جميع الدول محاربة كانت أو محايدة»، وجاء فى المذكرة أيضا احتجاجهن على الأعمال الوحشية وإطلاق الرصاص على الأبناء والأطفال والشيوخ العزل من السلاح لمجرد سيرهم فى مظاهرة سلمية تناهض الاحتلال وتدعو إدارته للإفراج عن زعماء الحركة الوطنية الذين تم اعتقالهم ونفيهم خارج البلاد، لأنهم يطالبون بأمر عادل وهو خروج المحتل عن أرضنا، وعلى مدار الأيام لم تهدأ الثورة، بل كانت تزداد يوما بعد يوم، وقد امتدت لتشمل مختلف المدن والأقاليم، فما كان من القائد العام البريطانى الجنرال «بلفن»، إلا استدعاء بعض الأعيان والعمد، وذلك عن طريق المراكب الشراعية التى أصبحت هى وسيلة المواصلات الوحيدة فى البلاد بعد تعطل القطارات والسيارات والمواصلات العامة نتيجة الإضراب الشامل، وقام «بلفن» بإلقاء كلمة غاضبة هدد فيها بحرق الحقول والقرى إذا استمرت المظاهرات، ولكنه فوجئ باعتراض شديد اللهجة من الحضور الذين استنكروا عليه لغة الوعيد والتهديد، وانصرفوا وتركوه وحده غاضبا، لينتهى الاجتماع إلى لا شيء، وكتب بلفن إلى المعتمد البريطانى بضرورة استخدام القوة الغاشمة مع المصريين لإسكاتهم وإخماد ثورتهم، وبالفعل قامت القوات الإنجليزية بفض مظاهرات الإسكندرية ودمنهور وكفر الزيات بالرصاص الحى الذى أودى بحياة العشرات، لكن هذا لم يرهب الشعب المصرى، ولم يدفعه للتراجع، فلقد استيقظ هذا الشعب من غفوته وبات حلمه الوحيد هو الاستقلال ورحيل الإنجليز عن أرضه، وكان للأزهر دوره الكبير فى تأجيج الثورة، بل إنه كان معقلا للثورة وكان محفلا عاما للخطابة ومكانا لدعاة الثورة، وخرجت الكنيسة إلى ساحة الأزهر، واعتلى القمص مرقس سرجيوس منبر الأزهر فى واقعة هى الأولى فى التاريخ؛ حيث تعانق الصليب مع الهلال للوقوف أمام المحتل، وأصبح الإنجليز فى مأزق تاريخى بمعنى الكلمة، فإما الاستجابة لمطالب المصريين وإما استمرار الثورة، التى كانت تزداد اشتعالا كلما خرجت جنازة شهيد مات برصاص الاحتلال.. وللحديث بقية.