الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دير ياسين.. جريمة لن تسقط بالتقادم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع نسمات فجر الجمعة ٩ أبريل عام ١٩٤٨، اندلعت نيران الغدر والخيانة التى استهدفت الآمنين فى منازلهم، ولم تفرق بين الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، فالجميع تساوى أمام الرصاصات الطائشة للعصابات الصهيونية، التى حولت الأجواء الهادئة فى القرية الصغيرة إلى خراب ودماء ودمار.. تلك هى ذكرى مذبحة دير ياسين، القرية المسالمة الواقعة غربى مدينة القدس، والتى تقوم على أنقاضها الآن مستعمرة إسرائيلية تسمى جفعات شؤول، وأصبحت أسماء شوارعها تحمل أسماء أعضاء العصابات الصهيونية الذين قتلوا أهلها المسالمين!!.. والذين لم يشفع لهم أنهم أرادوا الحياة بأمن وأمان فقط، ووقعوا اتفاقًا مع اليهود للالتزام بالسلم من الجانبين، ولم يكن لهم أى دور فى حركات المقاومة ضد اليهود، حتى أن كبراء القرية رفضوا طلب المتطوعين العرب باستخدام القرية لمهاجمة قاعدة يهودية قربها، ولكنهم لم يدركوا أنهم لو لم تمتد أيديهم للمقاومة والدفاع عن جيرانهم، فسوف تصل النار إليهم وتلتهمهم أولا.. ففوجئوا بالعصابات الصهيونية تداهمهم فجرًا، ليقتلوا كل من وقع فى مرمى أسلحتهم، ثم ألقوا القنابل داخل منازل القرية لتدميرها على من فيها.. ولم تكتف العصابات الصهيونية بذلك، بل أخذوا بعضًا منهم أحياء ليمثلوا بهم فى الشوارع والأحياء اليهودية، ومارسوا معهم أبشع أنواع التعذيب، وقبل الانسحاب من القرية جمعوا كل من بقى حيًا من أهالى القرية، وأوقفوهم أمام الجدران ليطلقوا عليهم النيران، وكما وصف أحد المراسلين الصحفيين المعاصرين للمذبحة قائلا: «إنه شئ تأنف الوحوش نفسها ارتكابه لقد أتوا بفتاة واغتصبوها بحضور أهلها، ثم انتهوا منها وبدأوا تعذيبها فقطعوا نهديها ثم ألقوا بها فى النار».. وقد استمرت تلك المذبحة حتى ساعات الظهر بلا رحمة.. وفى الفيلم الوثائقى الإسرائيلى «ولد فى دير ياسين» للمخرجة الإسرائيلية/ نبتع شوشانى، والذى قدمته منذ سنوات قليلة، واعتبره الكثيرون تحقيقًا تاريخيًا شبه محايد عن تلك المذبحة، التى اعتبروها جزءا من حملة اليهود لاقتحام الطريق إلى القدس، واعتمدت المخرجة على المادة الصحفية التى قامت بتجميعها من عدة مصادر!!.. وحاولت الحصول على صور للمذبحة، ولكن الجيش الإسرائيلى لم يعطها سوى صور المقاتلين الإسرائيليين، ورفض منحها أى صور للضحايا الفلسطينيين، وأثناء بحثها عن الصور، تعرفت على ضابط استخبارات سابق يدعى شرغا بيلد، وكان قد تم إرساله إلى دير ياسين آنذاك لتوثيق ما حدث، فقام بتصوير عشرات الشهداء الذين تم تجميعهم فى محجر قبل أن يشعلوا النيران به.. وقال أيضًا إن: «أول شىء رأيته شجرة كبيرة محترقة ربط عليها شاب عربى أحرقوه مع الشجرة وقد أرسلت هذه الصور للمسئولين وقتها، ولم أشاهدها بعد ذلك».. ومن ضمن الشهادات التى جاءت فى الفيلم من خلال المقابلات التى أجرتها مع بعض منفذى المذبحة، والذين يتفاخرون بجريمتهم دون حياء أو ضمير!!.. يقول يهوشع زنكر قائد المذبحة: «ركض سكان دير ياسين كالقطط، كنا ندخل من منزل إلى منزل ندخل مع مادة متفجرة فيما هم يهربون، فى غضون ساعات نصف القرية لم تعد موجودة... وكان هناك بضعة أخطاء من جماعتنا وأنا غضبت مما فعلوه، فقد أخذوا جثث القتلى ثم وضعوها فوق بعضها، وأحرقوها، كانت الرائحة كريهة، وهذا ليس بسيطًا».. تلك كانت المذبحة الدامية التى مهدت بها العصابات الصهيونية احتلال فلسطين، حيث تسببت فى زيادة الهجرة الفلسطينية إلى البلدان العربية نتيجة الرعب الذى دبّ فى قلوبهم من وقائع المذبحة، وكانت سببًا أيضًا فى تفجير غضب الشعوب والحكومات العربية، التى قررت خوض حرب ١٩٤٨ التى كانت بداية النهاية!!.. والغريب أن يأتى إلينا نفس اليوم بعدها بخمسة وخمسين عامًا، حاملاً إلينا ذكرى لا تقل إيلاما، وهى سقوط بغداد عام ٢٠٠٣ فى أيدى القوات الأمريكية، وإسقاط تمثال الرئيس صدام حسين الموجود فى ساحة الفردوس.. والذى سقط معه هيبة حكامنا ورموزنا، وخاصة بعد أن قرروا إعدامه فى صباح عيد الأضحى فى رسالة مهينة لكل عربى، فكان بداية انفراط العقد العربى، وتنفيذ الخطة الكبرى للتقسيم التى تعد «سايكس بيكو» ثانية.. وهى الاتفاقية السرية التى أخذت اسمها من الفرنسى فرانسوا جورج بيكو والبريطانى مارك سايكس، وكانت للاتفاق على مناطق النفوذ فى المنطقة العربية بين فرنسا وبريطانيا والإمبراطورية الروسية بعد انهيار الدولة العثمانية، التى كانت تسيطر على تلك المنطقة.. وليس من الصدفة أن المفاوضات كانت ما بين أبريل ومايو عام ١٩١٦!! وبكل أسف كنا ومازلنا فى غيبة وسبات عميق!!.. تركناهم يخططون ويقسمون وينفذون ونحن منشغلون بصراعاتنا الداخلية، وبالتآمر ضد بعضنا البعض!! وجاء أبريل هذا العام ليحمل إلينا مفاجآته!!.. والآن ننتظر إعلان الملامح النهائية من «صفقة القرن» التى تم تنفيذ أغلبها فعليًا، ولم يتبق سوى إعلاننا بها!! ضاعت القدس وضاعت الجولان ولم تنته الصفقة بعد!! ونحن مازلنا نعبث ونتصارع على مباريات كرة القدم!!.. فيا أمة العرب ناموا واهنأوا بنومكم فلم يعد هناك نفعًا لصحوكم!