الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السادات ومعركة السلام «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توقفنا فى المقال السابق عند استشعار الرئيس السادات تراجع الموقف العربى فى مساندة الاقتصاد المصرى بعد الحرب، بل إنه غضب من أسلوب المعاملة الذى تعرض له بعض مبعوثيه فى دول عربية عند طلب الدعم للاقتصاد المصرى ومشروعاته الطموحة، فى الوقت الذى أكدت له مظاهرات ١٨ و١٩ يناير حالة الاستنفار فى المجتمع المصرى والحاجة للإسراع فى برامج التنمية الاقتصادية لحماية الجبهة الداخلية، إضافة إلى سبب آخر يتعلق بالعدو ذاته ألا وهو وصول حزب الليكود إلى الحكم فى إسرائيل.
كان السادات يدرك أن الحزب من أكثر الأحزاب تشددًا فى إسرائيل برئاسة مناحم بيجين التلميذ النجيب لمعلمه جابوتنسكى البولندى الذى كان أكثر اليهود عداء للعرب فى فلسطين، كان وصول الحزب إلى السلطة فى إسرائيل مؤشرًا إلى مرحلة من التشدد والاتجاه نحو اليمين لأول مرة فى إسرائيل منذ إنشائها فى عام ١٩٤٨، كل تلك الأسباب فرضت على الرئيس أن يفكر مليًا فى كيفية تطويق الجانب الإسرائيلى ووضعه فى موضع الدفاع. الطريف فى الأمر، رغم جديته، أن إسرائيل كانت تتعامل مع ملف السكان الفلسطينيين باعتبار أن الإسرائيليين هم الفلسطينيون العرب، ما عبّرت عنه جولدا مائير فى إحدى المرات بالقول: «من هؤلاء الفلسطينيون؟! نحن الفلسطينيون». كان الفكر الإسرائيلى يرى أن هناك فلسطينيين يهودًا، وهم الإسرائيليون، وفلسطينيون عربًا فى أرض متنازع عليها! وجاء الرد الإسرائيلى على المشروع المصرى الذى سبق طرحه فى الإسماعيلية يوم ٢٥ ديسمبر بالرفض، فأكد «موشى ديان» فى رسالته أن إسرائيل على استعداد لقبول أى صياغة لجدول الأعمال يكون قد تضمّنها قرار مجلس الأمن ٢٤٢، وما عدا ذلك فإن إسرائيل لا تستطيع القبول بأى شىء آخر، مشيرًا إلى رفض إسرائيل ما قدمته مصر من مقترحات فى الإسماعيلية يوم ٢٥ ديسمبر عام ١٩٧٧، واقترح أن تكون الصيغة الأساسية لجدول أعمال مفاوضات القدس تدور حول معاهدات السلام مع معالجة كل النقاط السياسية والمدنية للقضايا مثل مسائل المستوطنات المدنية فى سيناء، وعادت الرسالة فى نهايتها تؤكد الرؤية الإسرائيلية فى ٥ نقاط كجدول أعمال مقترح، أهمها ضمان قدسية الأراضى والاستقلال السياسى لكل دولة فى المنطقة من خلال إجراءات من بينها إقامة مناطق منزوعة السلاح، وإنهاء كل دعاوى الحرب وإقامة علاقات سلام بين كل الدول من خلال توقيع معاهدات سلام، وتضمين معاهدات السلام المسائل السياسية والمدنية مثل المستوطنات فى سيناء، والاتفاق على إعلان خاص بالفلسطينيين العرب المقيمين فى الضفة وغزة. 
رفضت مصر المقترحات الإسرائيلية وأصرت، فى رسالة وزير خارجيتها محمد إبراهيم كامل، على التأكيد على أن تعكس الأفكار المصرية روح ونص القرار ٢٤٢ الذى يؤكد على عدم جواز الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة ومن ثم مطالبتنا لإسرائيل بالانسحاب من الأراضى المحتلة منذ عام ١٩٦٧. التدخل الأمريكى لدعم المفاوضات بدا أن الجانبين، المصرى والإسرائيلى، لن ينجحا بمفردهما فى التوصل إلى اتفاق على جدول للأعمال يفتح الطريق أمام بدء المفاوضات فى إطار اللجنة السياسية بالقدس، وشعر الأمريكيون بحتمية التدخل بين الطرفين لمساعدتهما على تجاوز خلافاتهما حتى لا تضيع فرصة تسوية سلمية نهائية بالمنطقة. واقترح وزير الخارجية الأمريكى سيروس فانس الحضور للقدس لمناقشة مسألتين أساسيتين مع الطرفين المصرى والإسرائيلى هما: الاتفاق على خطوط استرشادية للتفاوض على ترتيبات للضفة الغربية وغزة لفترة ٥ أعوام، وكذلك إعلان مبادئ للتسويات بين العرب وإسرائيل، واقترح أن يتم ذلك من خلال إعلان مبادئ حاكم للمفاوضات، ومعاهدات السلام فى الشرق الأوسط مع تركيز هذا الإعلان على مسائل السلام، والانسحاب من الأراضى المحتلة، واتفاق حول الحدود الآمنة والمعترف بها، والتوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. وبدأت الاجتماعات تحت رعاية أمريكية، وكانت اللجنة العسكرية المصرية- الإسرائيلية بدأت أعمالها فى ١١ يناير ١٩٧٨، ورأس الجانب المصرى الفريق أول «محمد عبدالغنى الجمسى» والجانب الإسرائيلى «عيزرا فايتسمان» وزيرا الدفاع فى البلدين. وكشفت الاجتماعات تباعد رؤى الطرفين؛ حيث أصرت إسرائيل على التمسك باستخدام القواعد الجوية فى سيناء من قبَل قواتها الجوية وبقاء المستوطنين فى مستوطنات سيناء. ووصل الأمر لحد طرح فايتسمان بأنهم يطلبون ضمانات من خلال السيطرة على هذه المطارات والمستوطنات، وذلك لعدم ثقتهم فى الأجيال المصرية القادمة. وهو ما سفّهه الفريق الجمسى وقتها ورفضه شكلًا ومضمونًا، مؤكدًا عدم الاستعداد تحت أى ظرف للقبول ببحث مسألة الأمن من خلال التنازل عن أراضٍ أو السماح بالوجود على الأرض المصرية بأى شكل من الأشكال، وأن الأطروحات الإسرائيلية تعكس الميول التوسعية لإسرائيل وهو أمر مرفوض بالكامل.
هنا ينبغى أن نسترجع مشهدًا يحدد ملامح التعامل فى تلك الفترة مع العدو الإسرائيلى، فقد كانت إحدى الملاحظات التى لفتت نظر المفاوض المصرى عند حضور الوفد الإسرائيلى لمصر يوم ١٣ ديسمبر ١٩٧٧، أنه سبقه وفد أمنى للتحضير لوصول الوفد الرئيسى والحصول على مقر إقامته فى فندق مينا هاوس بمنطقة أهرامات الجيزة، فتصرف هذا الوفد مع الفندق وكأن لا شىء يمكن أن يردع الأمن الإسرائيلى معلنًا عن رغبته فى التأكد من عدم وجود ميكروفونات فى الغرف أو أجهزة التليفون أو الحوائط أو الأثاث، من هنا كانت الصدمة كبيرة عندما غادر الإسرائيليون مينا هاوس لكى تكتشف إدارة الفندق أن كل الأسلاك والتليفونات والحوائط، وربما كل الأثاث قد أسيئت معاملته بشكل احتاج إلى إعادة تأهيل كاملة لهذه الأجنحة والأقسام التى احتلها الإسرائيليون بالفندق تحت دعاوى الأمن والتأمين. ولذا فمع وصول وفد المقدمة الأمنية المصرية للقدس فى يناير ١٩٧٨، قام بتسلم الأدوار التى كان سيقيم بها فى فندق هيلتون القدس وتعاملوا مع كل شىء بنفس الأسلوب الذى عومل به فندق مينا هاوس. وكأن الرسالة هى أن «البادى أظلم»، فقام الوفد المصرى بتركيب شبكة اتصالات كاملة بين كل غرف أعضائه ومُسحت حوائط الأدوار والحجرات بأجهزة كشف ميكروفونات التنصت. وفشلت تلك المفاوضات هى الأخرى بسبب التعنت الإسرائيلى، وعاد الوفد المصرى من القدس، وحضر وزير الخارجية الأمريكى لمصر وقدم للرئيس السادات دعوة لزيارة واشنطن فى ٤ فبراير ١٩٧٨ لمواصلة النقاش مع الرئيس الأمريكى كارتر، وهو ما قبله السادات الذى ظن به البعض تنازلًا عن مواقف ولكنه كان يسعى للحصول على دعم اقتصادى غربى كبير فى مواجهة انقطاع وتوقف المساعدات العربية الاقتصادية لمصر، ما حدث بالفعل من الولايات المتحدة ودول غربية أوروبية أخرى فى مقدمتها ألمانيا، بالإضافة إلى اليابان، كما سعى لكسر الاحتكار السوفيتى للسلاح لمصر ورغب فى الحصول على مقاتلات أمريكية، حتى لو كانت متخلفة عما لدى إسرائيل أو السعودية لكى يعيد التوازن لعلاقات أمريكا بدول المنطقة. من هنا كان يسعى لتحقيق صفقة كبيرة من المقاتلات الأمريكية «F٥»، وهى طائرة قتال لا تقارن بالأخريات المتاحة فى الترسانة الأمريكية إلا أنها كانت البداية. يوم ٢ فبراير عام ١٩٧٨ هبطت طائرة الرئيس السادات فى المغرب، قبل توجهه لواشنطن، كان سبب الزيارة السريعة هو رغبة السادات إبداء تقديره لملك المغرب الذى رتب فى صمت لاجتماع مصر وإسرائيل مرتين فى يوليو وسبتمبر ١٩٧٧، تمهيدًا لزيارة السادات للقدس، وفى اليوم التالى توجهت الطائرة لإكمال رحلتها ليصل السادات إلى واشنطن ومنها مباشرة إلى منتجع كامب ديفيد، حيث أمضى الرئيسان الأمريكى والمصرى يومى ٣ و٤ فبراير فى هذا المقر يتشاوران حول الموقف وما يمكن لهما الاتفاق عليه وما يجب القيام به، أدرك السادات أن الجانب الإسرائيلى لا يبغى التحرك، وأنه لن يستطيع إحراز تقدم من دون المساعدة الأمريكية لتسهيل تحريك المفاوضات بين مصر وإسرائيل. ولذا انتهت هذه المشاورات باستعداد الولايات المتحدة للتقدم بمقترحات لتحريك الموقف، ما يتطلب من الجانب المصرى استمرار المفاوضات مع إسرائيل، وتوفير الفرصة للولايات المتحدة للمزيد من الاتصالات مع الجانبين للتعرف على مواقفهما، للتدخل من جانبها والتقريب بينهما.
يتبع....