الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

أبو منصور الحلاج.. السيرة كما يرويها ابن الساعي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعتبر الحسين بن منصور الحلاج "244 -309 ه" من أشهر وأغرب متصوفة العالم الإسلامي، وذلك لما حفلت به حياته من قصص غريبة وعجيبة، جعلت الناس تختلف في أمره، ولا تستبين حقيقته، بالإضافة لتمتع الحلاج بلغة خاصة تضم تعبيرات ملغزة للغاية ومليئة بالأسرار، يرجع البعض السبب في ذلك إلى مرور المتصوفة بأحوال تعجز اللغة عن وصفها فتبدوا تعبيراتهم ملتبسة وقاصرة.
أرخ لسيرة الحلاج المؤرخ الكبير علي بن أنجب الساعي، الذي عمل خازنًا لكتب المدرسة المستنصرية التي شيدها الخليفة المستنصر بالله العباسي في بغداد سنة 631هـ، فكتابه "أخبار الحلاج" يعد من الكتب النادرة التي تعرض بشكل كبير لحياة الحلاج، وما احتوته من عجائب وغرائب، نستعرض بعضها في السطور التالية.
فعن الزهد والتقشف وتحمل الجوع والصبر، يروى ابن الساعي: "عن أبي يعقوب النهر جوري قال: دخل الحلاج مكة أول دخله، وجلس في صحن المسجد سنةً لم يبرح من موضعه إلاّ للطهارة والطواف، ولم يحترز من الشمس ولا من المطر، وكان يُحمل إليه في كل عشية كوز ماء وقرص من أقراص مكة، وكان عند الصباح يُرى القرص على رأس الكوز، وقد عض منه ثلاث عضات أو أربعا فيحمل من عنده".
ونقل ابن الساعي نصا يناقض ما تم نقله عن الحلاج "ما في الجبة إلا الله" حيث التصريح فيها بوحدة الوجود، وفكرة الاتحاد بين الإله والإنسان، حيث تتضمن الفقرة التالية توضيحًا كبيرا ورفضا لهذه الفكرة. يقول ابن الساعي: "وقال أحمد بن فاتك قال الحلاج: من ظن أن الإلهية تمتزج بالبشرية أو البشرية بالإلهية فقد كفر، فإن الله تعالى تفرد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وصفاتهم، فلا يشبههم بوجه من الوجوه، ولا يشبهونه بشيء من الأشياء، وكيف يتصور الشبه بين القديم والمحدث، ومن زعم أن الباري في كل مكان أو على مكان أو متصل بمكان أو يتصور على الضمير أو يتخايل في الأوهام أو يدخل تحت الصفة والنعت فقد أشرك".
ومن غرائبه يروى ابن الساعي: "قال أحمد بن فارس: رأيت الحلاج في سوق القطيعة قائمًا على باب المسجد وهو يقول: يا أيها الناس، إذا استولى الحق على قلبٍ أخلاه عن غيره، وإذا لازم أحدًا أفناه عمن سواه، وإذا أحب عبدًا حثّ عباده بالعداوة عليه، حتى يتقرب العبد مقبلًا عليه. فكيف لي ولم أجد من الله شمّةً، ولا قربًا منه لمحةً، وقد ظلّ الناس يعادونني. ثم بكى حتى أخذ أهل السوق بالبكاء. فلما بكوا عاد ضاحكًا وكاد يقهقه، ثم أخذ في الصياح صيحاتٍ متوالياتٍ مزعجات وأنشأ يقول:
مواجيد حقٍّ أَوجد الحقُّ كلَّها
وإن عجزت عنها فهوم الأكابرِ
وما الوجد إلاّ خَطرةٌ ثم نَظرةٌ
تُنّشى لهيبا بين تلك السرائرِ
ومن الردود الملغزة والمقولات التي تسبب ارتباكا ينقل ابن الساعي: "يُروى عن عبد الودود بن سعيد بن عبد الغني الزاهد قال: دخلت على الحلاج فقلت له: دلّني على التوحيد. فقال: التوحيد خارج عن الكلمة حتى يعبر عنه. قلت: فما معنى لا إله إلا الله. قال: كلمة شغل بها العامة لئلاّ يختلطوا بأهل التوحيد، وهذا شرح التوحيد من وراء الشرع. ثم احمرت وجنتاه وقال: أقول لك مجملًا. قلت: بلى. قال: من زعم أنه يوحد الله فقد أشرك".
ويختتم ابن الساعي كتابه بموقف قتل الحلاج، "وقال الحلواني: قدم الحلاج للقتل وهو يضحك فقلت: يا سيدي ما هذا الحال. قال: دلال الجمال، الجالب إليه أهل الوصال.
قال بعضهم: رأيت حسينًا الحلاج وقد سمع قارئًا يقرأ فأخذه وجد فرأيته يرقص ورجلاه مرفوعتان عن
الأرض فإذا هو يقول:
من أطلعوه على سر فباح به 
لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
وعاقبوه على ما كان من زللٍ 
وأبدلوه مكان الأنس إيحاشا