الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"الآثار" عن أزمة مسجد أحمد بن طولون: بالوعة الصرف السبب.. وخاطبنا الحي لـ"تسليكها"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«أريد أن أبنى جامعا إذا غرقت مصر أو احترقت بقى، أريد أن أبنى جامعًا من مال حلال»، كانت تلك الجملة التى تحدث بها الأمير أحمد بن طولون، وهو يشعر أن الدولة الطولونية التى أسسها سوف تزول، فقرر حينذاك بناء مسجد يخلد به ذكراه على قمة صخرية جبلية تسمى جبل يشكر، حتى يكون محميًا من الغرق إلى الأبد، أما الجدران فبناها من الطوب الأحمر، ليحمى المسجد من الحرائق، ولم يستعن بأى عناصر من عمائر قديمة مثل الأعمدة وغيرها، حتى يكون المسجد من مال حلال، وهكذا ظل المسجد شامخًا منذ بنائه عام ٢٦٣ هـجرية وحتى الآن.
عند وصولك إلى حى السيدة زينب، لن يصافح عينيك جمالا أفضل من ذلك الصرح العملاق الذى يقع فى وسط الحي، واستغرقت عملية بنائه نحو عامين، وعلى الرغم من أنه كان ثالث جامع يبنى فى مصر، إلا أنه يعتبر أقدم مسجد ما زالت جميع تفاصيله المعمارية الأصلية حاضرة، حتى الآن.

المياه الجوفية والصرف تهدد المسجد
وتجولت «البوابة»، فى محيط مسجد أحمد بن طولون الذى يزيد عمره على ٥٠٠ عام، للوقوف على وضعه الحالى الذى وصل إليه، لنفاجأ بأن المسجد الذى تم بناؤه على مساحة ستة أفدنة ونصف الفدان، محاط بالكثير من المياه الجوفية التى تهدده.
ويتكون المسجد من صحن أوسط مكشوف يأخذ شكل قبة محمولة على رقبة مثمنة، ثبتت على قاعدة مربعة، وبها أربع فتحات معقودة وفى المنتصف حوض للوضوء.
ومن حول هذا الصحن بالمسجد أربعة أروقة، يقع الأكبر فيها حجما فى اتجاه القبلة، الذى توجد به خمسة صفوف من العقود المدببة، مرفوعة على أكتاف مستطيلة القطاع مستديرة الأركان على شكل أعمدة ملتصقة، لتجد الأروقة الثلاثة الأخرى صفين فقط، ويغطى هذه الأروقة الأربعة سقف حديث من الخشب صنع على نفس نمط السقف القديم، وعليه آيات قرآنية بشكل مزخرف. 
وللمسجد ثلاث زيادات من الجهات الشمالية والغربية والجنوبية لمنع وصول الأصوات من الخارج فيسمعها المصلون أثناء تأدية الفروض، وكانت تستخدم أيضًا لإقامة الأسواق والمحاكم بداخلها، وتتوج هذه الزيادات الشرفات النادرة التى تأخذ العرائس المتشابكة شكلا لها، ويوجد بالمسجد مائة وتسع وعشرون فتحة شباك مصنوعة من الجبس، ومما يحتار فيه العامة والمتخصصون أن الزخارف الهندسية والنباتية على هذه الشبابيك متباينة إلى درجة أنك لا تجد بها زخرفة تشبه الأخرى.
ولجامع أحمد بن طولون ٤٢ بابا موزعة على الأسوار، أما مئذنة المسجد التى يبلغ ارتفاعها أربعين مترًا، فتتوسط الزيادة الغربية وهى مربعة من الأسفل ثم أسطوانية وتنتهى على شكل رقم ٨ تعلوها قبة، وأخذت المئذنة الشكل الملوى على غرار مئذنة جامع سامراء الكبير، الذى تأثر مسجد أحمد بن طولون بعمارته كثيرًا من خلال شكل المئذنة والزيادة وأشكال الدعامات، ومع حلول القرن الثانى عشر الهجرى كان الإهمال قد أخذ طريقه إلى هذا المسجد التاريخى العتيق، حيث تحول إلى مصنع للأحزمة الصوفية، ثم استعمل بعد ذلك ملجأً للعجزة، حتى أتت لجنة حفظ الآثار العربية عام ١٨٨٢، وقامت بعمل إصلاحات وترميمات من أجل الحفاظ على الجامع وإعادته إلى دوره الحقيقى، وتم ترميم المسجد مرتين بعدها، الأولى فى عام ١٩١٨ بتكلفة ٤٠ ألف جنيه، والأخيرة فى عام ٢٠٠٥ بتكلفة تجاوزت ١٢ مليون جنيه، واختارت كلية الآثار بجامعة القاهرة مئذنة مسجد أحمد بن طولون لتتوسط شعارها، تقديرًا واحتفاء بثالث مسجد يبنى فى مصر، وأقدم الآثار الإسلامية التى لا تزال تحتفظ بالكثير من طابعها الأصلى حتى اليوم.
ورصدت كاميرا «البوابة» تحول هذا المكان الروحانى من عند البوابات الخلفية للمسجد إلى جراج سيارات، وأمامه العاملون باللحام يستخدمون السور لكى يضعوا عليه المواد المراد لحامها ما يؤثر على جدران المسجد الأثري، ولا يخلو المكان من وجود باعة جائلين.

تراكم القمامة
والمشهد الأكثر ضررا هو تراكم القمامة، وزيادة عدد محلات الحدادة، وهى أول ما تراه عيناك حال دخولك أهم المناطق العامرة بالمساجد الأثرية بأحد الأحياء الشعبية، سكنت تلك المظاهر المشينة لناظريها عددا من المساجد أولها مسجد الأمير صرغميتش، ومسجد السلطان أحمد بن طولون، ومسجد تغربردى، وحتى مسجد لاشين السيفى.
ورغم عدم تعارض وجود المساجد الأثرية وسط المبانى السكنية، فإنه يجب توعية المواطنين القاطنين بجوارها إلى أهمية الحفاظ على قدسية هذه الأماكن، فقد شاهدنا أثناء الجولة التفقدية، محلا لبيع الفاكهة يلقى المياه المتسخة بعد غسل الخضراوات والفواكه بجوار سور المسجد، والبعض الآخر يفرش الملابس أمام المساجد، وبجانبه لافتة مكتوب عليها تابع لهيئة الآثار الإسلامية والقبطية، ولا يأبه لها أحد.
أما أخطر ما يواجه المسجد من أخطار حالية - وندعو المسئولين فى وزارة الآثار إلى تلافيها - فهى المياه الجوفية التى وصلت إلى الجزء الخلفى للمسجد وأوشكت أن تغرق عددا من الحوائط وتؤثر على الجدران، ما نتج عنها ظهور بعض النباتات فى الصخور فى مشهد غير حضارى يدل على وجود المياه منذ فترة كبيرة.
كما يلاحظ الزائر للمسجد وجود شروخ بالحوائط واضحة للعيان، فضلًا عن تواجد بعض العبارات مكتوبة بأيدى العابثين، وهو ما يؤثر على شكله الجيد والمزخرف وجمال الهندسة المعمارية الذى اعتمد عليه المسجد فى البناء، وتتميز بها الآثار الإسلامية.
وللمسجد من الداخل قصة أخرى، فعند الباب الثانى تجد كوما من القمامة بجوار الأسوار، وبالرغم من ذلك وجدنا عددا من الأهالى يحرصون على أداء الصلاة بالمسجد، والبعض الآخر يتخذون منه ركنًا ضيقًا يغفون خلاله لبضع دقائق.
ويبدو أن المياه الجوفية والصرف الصحى تهدد معظم الآثار والمناطق الأثرية الإسلامية، لوجود أكثرها داخل الكتل السكنية الشعبية، التى تفتقر إلى أى تخطيط أو نظام عمرانى يوفر لسكان تلك المناطق جميع الخدمات، وما يوجد بها من خدمات بسيطة تهالكت عبر السنوات الكثيرة التى مرت عليها دون صيانة أو معالجة، الأمر الذى انعكس على الآثار الإسلامية وجعل معظمها مهددا بالانهيار.
وتحولت الباحات الخارجية للمسجد إلى ملعب يرتع فيه أطفال الشوارع، والحيوانات كالقطط والكلاب التى تتجمع حول الفضلات وبقايا الطعام التى تلقى داخل المسجد، دون رعاية أو اهتمام من المسئولين أو الزوار البسطاء، الذين يعتبرون المسجد مأوى من لا مأوى له.

الآثار آخر من يعلم
وقال الدكتور محمد عبدالعزيز، المشرف على مشروع القاهرة التاريخية، إنه لا يعلم شيئا عن هذا الخطر الذى يواجه مسجد أحمد بن طولون، وأنه خارج مصر فى هذا الوقت، وأن الجدير بالرد هنا هو الدكتور جمال مصطفى.
ليؤكد الدكتور جمال مصطفي، رئيس قطاع الآثار الاسلامية، أنه هو الآخر ليس لديه علم بما حدث لمسجد أحمد بن طولون، وأنه سيقوم بإرسال من يعاين المسجد وتحديد طريقة لإعادة ترميمه والحفاظ عليه من التلفيات الذى تعرض لها. 
وقال الدكتور أبوبكر عبدالله، رئيس الإدارة المركزية لآثار القاهرة والجيزة، إن المكان الموجود خلف مسجد صرغمتش خارج المسجد، به سدد فى بالوعة الصرف خارج الأثر، وتم مخاطبة الحى لتسليك السدد، ويتم حاليا تنظيف البالوعة وتنظيفها من قبل حى السيدة زينب، مضيفا: «سوف نرسل الصور إليكم فور الانتهاء من عملية النظافة.