السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الكاتب والسفير محمد توفيق لـ"البوابة": الثقافة العربية تقليدية ولا يوجد ما يُسمى بالتجديد في الأدب

الكاتب والسفير محمد
الكاتب والسفير محمد توفيق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى عام 1996 نشر الكاتب والدبلوماسى المصرى محمد توفيق، والسفير المصرى السابق فى واشنطن، روايته «ليلة فى حياة عبدالتواب توتو»، والتى تتناول مرحلة زمنية تتجاوز الثمانين عاما، ليتناول تاريخ مصر منذ مطلع القرن العشرين وحتى اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، عبر حياة عائلة أحد الإقطاعيين الكبار الذى تزوج من امرأتين، أولهما أرستقراطية والأخرى فلاحة.


تنقسم العائلة إلى فرعين يشهدان كل التقلبات التاريخية والسياسية المصرية؛ لتصل فى النهاية إلى الأحفاد وهما «توتو» و«شيبس» الذى يمتلك مخطوطات نادرة للجد لا يهتم بها، بينما تُشّكل الكثير بالنسبة للحفيد القادم من رحم العرق الفلاحى، ويصير الصراع بينهما على هذه المخطوطات، وفى الوقت نفسه صراع آخر على حب فتاة واحدة هى «ليلة».
الرواية التى لم يقدر لها أن تنتشر وسط القراء، بينما نالت إشادة كبيرة من الكتاب والنقاد، ظلّت حبيسة العمل الدبلوماسى لصاحبها الذى احتل موقعه فى العمل العام سنوات طويلة، حتى انتهت مهمته فعاد إلى الاهتمام بحياة الأدب التى كان يعتبر نفسه واحدًا من زوارها، لتلقى إشادة كبيرة هذه المرة من الجمهور. الكاتب والدبلوماسى الذى شهد على واحدة من أدق اللحظات فى تاريخ مصر الحديث يتحدث لـ«البوابة»..


22 عامًا هى فجوة زمنية كبيرة بين الطبعة الأولى للرواية عام 1996 والطبعة التى قرأتها عام 2018.. لماذا؟

- ابتسم كمن يستعيد ذكرى، وأجاب: فى البداية قمت بنشرها عبر دار نشر لم تكن متخصصة فى الأعمال الأدبية، ووقت طرحها قيل لى إن الرواية «جريئة جدًا»، وقد اعترض عليها بالفعل المُراجع فقام الناشر بإحالتها إلى مُراجع آخر اعترض عليها هو الآخر، لذلك صدرت طبعتها الأولى عام 1996 بدون مُراجعة، وأتذكر أن الناشر خشى من توزيعها أو طرحها بالمكتبات الخاصة به، ولم يتم توزيعها سوى على الكتاب والنقاد الذين تناولوها بالكثير من التعليقات، لكن لم يتم طرحها للجمهور العام فى وقتها، وكان الكتاب الكبير صُنع الله إبراهيم، الذى قرأ طبعتها الأولى، قد ألح عليَّ طيلة الأعوام الماضية بضرورة إعادة نشرها كلما التقينا».

لكن يبدو أنه أقنعك فى النهاية؟

- أكمل ذكرياته: ترددت كثيرًا فى إعادة النشر لأن الكاتب دومًا يتطلع إلى نشر عمل جديد؛ لكن واحدًا من المشاركين فى واحدة من ورش الكتابة التى أحاضر بها أقترح أن نقوم بتناول عمل من تأليفى، فاخترت قصة كتبتها فى العشرينات من عمرى وتم نشرها عام 1986، باعتبار أنها ستكون مُناسبة لفكر المشاركين بالورشة، وفوجئت بتعليقاتهم التى تقول إن القصة وكأنها تتناول ثورة 25 يناير، وبناء على هذا أعدت قراءة الرواية مرة أخرى لأرى إذا ما كانت تُناسب قارئ اليوم، خاصة الشباب، ووجدت أنها يُمكن أن تكون مُلائمة، هكذا اتفقت مع الأستاذ صنع الله لإعادة نشرها».

فالشخصيتان المهيمنتان على الرواية هما الزوجة الأرستقراطية «صافيناز هانم» وضرتها الفلاحة «أمينة أبوالغيط» أو «الحاجة»، كما أطلقت على نفسها فيما بعد؛ فالهانم المولودة فى قصر ذو أسوار عالية وعائلة مفككة فلم تجد من يعتنى بها سوى مربيتها الفرنسية، وصارت مصر بالنسبة إليها هى تلك الأصوات القادمة عبر الأسوار، لترى نفسها دومًا فتاة فرنسية من زمن سابق تحكيه المربية العجوز التى تروى لها عن فرنسا التى عاشتها شابة وليست فرنسا الموجودة فى عصر الهانم الصغيرة التى نشأت بغير انتماء لعصرها الحالى أو البلد الذى تعيش فيه، فأصبحت فى أزمة عميقة فى حياتها جعلتها تسعى نحو استقرار لا تجده.

على الجانب الآخر أمينة هى فلاحة صغيرة وجميلة تزوجها الباشا وهو فى العقد السابع من عمره، ليقضى معها بضع سنوات ثم يُفارق عالمنا تاركًا لها ثروة كبيرة تجعلها مطمعًا للجميع وأولهم والدها بينما تتنازع معها الهانم، فاختارت شابًا وسيمًا وفقيرًا تزوجته، لتتطور شخصيتها فى الزيجة الثانية؛ لكن عندما بدأت فى تحقيق أملها فى الأرستقراطية جاءت ثورة يوليو 1952 حاملة معها قوانين الإصلاح الزراعى والتأميم، لتتفتت هذه الثروة وتُسلب منها، لتدخل شخصيات أخرى ترمز لثورة يوليو وتغييراتها.

ليلة هو الاسم الذى يمزج بين بطلة روايتك والإطار الزمنى الذى تدور فيه، فلنتحدث عن البطلة أولًا؟

- بدا أن السؤال راق له فاستطرد: «ليلة هى شخصية مُركّبة ومُعقدّة للغاية، فهى مُتحررة لكنها فى الوقت نفسه تقليدية، وبين التحرر والتمسك بالتقاليد وتأثير الأسرة، خاصة والدها، يحدث دومًا نوع من الشد والجذب، ما يجعل هناك نوع من العشوائية فى تصرفاتها لكنها تُزيد من جاذبيتها تجاه الشباب بجوار جمالها؛ ومن الطبيعى لذلك العصر وتلك الشخصية المركبة أن تنجذب فى النهاية لأمير الجماعة المتطرفة، والذى جعل مصيرها صعبًا، وهى ككل شخصيات الرواية خيالية لكن تأثرها وتفاعلها له أرضية من شخصيات واقعية عرفتها من قبل، كل منهم لديه جزء من تجربتها التى جمعتها فيها، تستطيع القول إنى جمعت كل الجميلات اللواتى عرفتهن فى شخصيتها».


■ وعبدالتواب؟
- أجاب سريعًا: هو وبقية الشخصيات بدورهم شخصيات مُركبة، فالرواية هى رواية شخصيات أكثر منها استعراض للأبعاد الزمنية. ستجد عبدالتواب الذى أُطلق عليه اسم جده كان طفلًا فى الستينيات وصار اسمه «موضة قديمة»، لذلك أطلقت عليه والدته اسم «توتو»، ليعيش فى نزاع بين الاسمين، وبين طموحه العالى وتوتره وعدم رضاؤه عن نفسه، بينما لديه نوع من الحزن لا يُفارقه يجعله يبحث عن حالة من الاستقرار لا يجدها رغم نجاحه العملى فى المقاولات، ووجد هدفًا لاستقراره هو أن يحصل على مجموعة من المخطوطات التى كان جده يمتلكها، والتى تبدأ وتنتهى بها الرواية».
■ الرواية تتناول مرحلة زمنية تتجاوز الثمانين عامًا.. لكنك تجاهلت السرد التقليدى ومزجت بين التواريخ والشخصيات والأزمنة، ألم ترَ أن ذلك قد يكون مُربكًا للقارئ؟
- هز رأسه بالنفى وبدأ فى شرح رؤيته: عندما تكتب رواية تتناول فترة زمنية طويلة اقتربت من القرن يكون أمامك اختيار من اثنين، إما أن تلتزم بالشكل السردى التقليدى، وبهذه الطريقة يتحول العمل إلى ما يُشبه كتاب التاريخ، أو تضع كل هذا فى إطار واحد تتحرك بداخله كل هذه الفترة، كما فعلت فى هذه الـ«ليلة» التى أدت كل التفرعات الزمنية لتلك الأعوام الثمانون إلى الوصول إليها، هو اختزال وإعادة تجزئة للزمن، مثل المشهد الذى تناول فيه «توتو» الغذاء مع جده الذى رحل عن العالم قبيل ولادته. كل هذا يؤدى فى النهاية إلى استكشاف لحظة اغتيال الرئيس السادات التى كانت مليئة بالتساؤلات، فهل كان الاغتيال مجرد حدث مُفاجئ يعقبه وصول رئيس آخر إلى الحكم أم كان مقدمة لتغيير عميق فى المجتمع. الرواية بأكملها تحاول الإجابة عن هذا السؤال».


■ بدا فى الرواية أن لك موقفًا حادًا من سياسات الرئيس السادات؟
- عاد ينفى بثقة ويقول: رؤيتى الشخصية غير واضحة فى الرواية أو فى أى شيء أكتبه، كل ما فيها هى آراء الشخصيات، فكل من عاصر تلك الفترة كانت لديه نظرة عامة للرئيس السادات بهذه الصورة، والآن النظرة له أفضل بكثير مما كانت عليه فى حياته، فقد كانت هناك اضطرابات ومظاهرات فى مواجهة ذكرى الرئيس عبدالناصر الذى كانت له شعبية جارفة رغم هزيمة 1967، وهو ما بدا فى مظاهرات رفض التنحى وجنازته؛ لذا كانت الغالبية تنتقد السادات فى ذلك الوقت لأسباب مختلفة.
■ كسرت التابو وجعلت شخصية «فان جوخ» مثلية. ألم تخشَ الهجوم؟
- ارتشف من قهوته فى هدوء، وقال: هناك الكثير من النماذج المثلية فى الأدب العربى، وهذه الشخصيات موجودة بالفعل فى المجتمع، ووجدت أن إضافتها سيُكمل الصورة، وله دور درامى مهم، فشقته «المنطاد» لم يكن لها أن تتحول إلى ملتقى للعلاقات الجنسية وإلا كان مسار الرواية قد تحول تمامًا، لذلك كانت مثليته تحقق هذا وتضع المكان فى إطار العلاقات الاجتماعية لا الجنسية».


■ دعنا الآن نضع الرواية جانبًا لأسألك عن سبب التأخير فى نشر أعمالك.. أهو العمل الدبلوماسي؟
- بهدوء قال: أنا أكتب منذ كنت فى المرحلة الجامعية، لكن خلال عملى الدبلوماسى لم يكن هناك ترويج لما أكتب، فصرت معروفًا لدى عدد كبير من الكتاب والنقاد لكن بلا حضور جماهيرى، وهو التوازن الذى صنعته للمواءمة بين العمل الدبلوماسى والأدبى، وخلال الفترة الدبلوماسية فى حياتى نشرت بضع أعمال تمت ترجمتها، ولديَّ دائرة صغيرة من القراء، لأن العمل فى الخارجية كان يستهلك الكثير من الوقت والتركيز، لكن الآن بعد نهاية مهمتى الدبلوماسية ابدأ مرحلة جديدة فى حياتى الأدبية تتسم بالتفرغ؛ كذلك بدأت التوسع فى ورشة الكتابة الإبداعية التى بدأتها منذ عشرين عامًا وكان انتشارها عبر الإنترنت، ومرّ عليها الكثير ممن صاروا اليوم أسماء معروفة، وخلال وجودى بالخارج كنت أحضر الكثير من الورش والفعاليات الإبداعية فى الدول التى كنت أعمل فيها، وكنت حريصًا أن أنقل آخر الخبرات والتقنيات الحديثة للعالم العربى، والآن الورشة فى مكتبة مصر بالجيزة وهى ناجحة جدًا؛ والآن استعد لإصدار مجموعة قصصية كتبت الكثير منها عبر السنوات، وربما العام المُقبل أصدر روايتى الجديدة».
■ هذه الخبرة الدولية تجعلنى اسألك عن رؤيتك للمشهد الثقافى العربى الآن؟
- صمت قليلًا ثم أجاب: هو انعكاس للوضع الحالى، فالثقافة العربية بصفة عامة تقليدية، وبالتالى تذوقنا للمنتج الثقافى تقليدى، وما يحدث من تجديد إما شكلى أو لا يلقى جماهيرية، وهو ما يختلف عن الغرب الذى يهتم بالابتكار والتجديد، وهذا الاختلاف يظهر جليًا فى نوعية الروايات التى تفوز بالجوائز فى كليهما، ولا يوجد ما يُسمى بالتجديد فى الأدب، فمع تطور المجتمع يتطور الأدب. ما لمسته فى المشهد المصرى أن هناك كاتب يوظّف المنتج الأدبى لخدمة رسالة اجتماعية يراها، وهناك من يرى الأدب فنًا فى حد ذاته، وكلاهما ينتمى إلى المجتمع حتى لو انعزل، وأنا أنتمى للفن كقيمة فى حد ذاته، فأعمالى تتناول قضايا اجتماعية، لكنها تشجع القارئ، وتستدرجه نحو التفاعل مع العمل».


■ ماذا عن أداء المؤسسات الثقافية؟
- رد باهتمام: يجب أن ننظر إلى مفهوم دعم الدولة للثقافة، فمثلًا فرنسا لديها وزارة للثقافة بينما الولايات المتحدة لديها صندوق للدعم الثقافى والفنون دون وزارة، كلاهما يهتم بالثقافة، بينما الولايات المتحدة تكتفى بدعم المؤسسات الأهلية دون تدخل؛ لكن هنا الأمر مفعمًا بالمركزية التى ترتب عليها شبكة بيروقراطية ضخمة للغاية لها مزايا وعيوب، فالمنتج الثقافى يحصل على نسبة ضئيلة من المخصصات الثقافية فى مقابل نسبة ضخمة من المرتبات والمكافآت للعاملين فى تلك الشبكة الضخمة؛ هذا الأمر بدوره يحتاج تطويرًا حقيقيًا».
بدت عيناه أكثر تركيزًا، وقال: «يجب فى البداية أن نؤكد الفرق بين السياسى والدبلوماسى، فالسياسى يرى دومًا خصومه فى الداخل ويتفاعل مع الأطراف الداخلية سواء بالتحالف أو المنافسة؛ أمّا الدبلوماسى فينظر إلى البلد ككتلة واحدة، والأطراف المتنافسة التى يتم التحالف معها أو مواجهتها هى الدول الأخرى، فهو ينظر إلى البلد نظرة كلية يحرص على مصلحتها بشكل عام، فهو لا يخوض فى القضايا الداخلية وإنما يعمل لمصلحة بلاده.
■ ماذا يعنى ذلك ؟
- عاد يتحدث: «الفترة الملتهبة من 2011 وحتى 2014 حدثت بها الكثير من التقلبات فى مصر التى واجهت مخاطر حقيقية كان يمكن أن تؤدى إلى مخاطر جسيمة فى المجتمع، والدبلوماسى كمواطن يحب بلده ولديه مهمة محددة كان يعمل على الحفاظ على المصالح المصرية، خاصة عندما تأكد أنه ليست كل الدول يهمها استقرار مصر، لذلك نجد الدبلوماسية المصرية تناولت هذه التحولات بشكل حرفى ووطنى جدًا، ولم يكن هناك سقوط أو غياب للتواجد المصرى دوليًا فى تلك الفترة؛ وأكثر تلك الفترات حرجًا كانت يوم 2 يوليو 2013 الذى كان وقتًا حرجًا للغاية فى وجود تهديد داخلى واضح مع وجود أطراف إقليمية خارجية غير داعمة للمصلحة المصرية أو حريصة عليها».


■ فى ذلك التوقيت كنت تتولى مهام السفارة المصرية فى واشنطن وهى أهم عواصم العالم. كيف تعاملت مع الأحداث الجارية فى مصر؟
- صمت لحظات ربما لترتيب أفكاره ثم بدأ يروي: يُمكن تجزئة فترة الإخوان منذ تولى محمد مرسى الحكم وحتى نوفمبر 2012 عندما حدثت أزمة الإعلان الدستورى وما أعقبها من أزمات؛ ففى المرحلة الأولى كان الإخوان يؤكدون حرصهم على مصلحة البلاد وعدم شق الصف الوطنى، وكانت جميع الأطراف داخليًا وخارجيًا تترقب ما سيسفر عن وجودهم من أحداث، لكن اعتبارًا من أواخر نوفمبر 2012 اتضح أنهم ينوون غير ما قالوه، ولا ينون فقط الاستئثار بالحكم وفرض الهيمنة السياسية على البلاد، بل كذلك كانت هناك محاولات لتغيير الهوية الوطنية المصرية، ومن هذه اللحظة بدأ التشكك فى كل ما يقومون به حتى فى الإعلام الغربى الذى شك فى نواياهم وأسلوبهم وتصرفاتهم؛ بالنسبة لى كان توجهى الثابت فى واشنطن هو الحفاظ على المصالح المصرية وعدم الخوض فى التفاصيل والأهداف المتعلقة بجماعة الإخوان، وهو ما أوضحته لكل الأطراف الموجودة فى مصر، مؤكدًا أن دور السفارة هو الحفاظ على المصالح القومية المصرية وليس الدفاع عن مواقف أحزاب أو جماعات معينة، وهو ما خلق نوعًا من الشد والجذب بينى وبين رئاسة الجمهورية فى ذلك الوقت، لكنى كنت أشعر بالراحة، لأننا لن نقوم بتغيير الخط الذى نسير عليه».
■ وماذا عن الأيام الفاصلة فى يونيو 2013؟
- عاد يبتسم ويروي: «أتضح أن الإخوان انتقلوا من فكرة الاستئثار بالحكم إلى محاولة إدخال البلاد دوامة وصراعات دموية ما دام كان هذا يخدم مصالح الجماعة، فى تلك اللحظة بدا أنه لا يُمكن الصمت إزاء ما يفعلون، ولا يُمكن التوفيق بين المصالح المصرية الكبرى وأهداف تلك الجماعة؛ وأتذكر وقت المؤتمر الصحفى الأخير الذى أقامه محمد مرسى كنت فى مكتبى فى واشنطن التى تفصلها عن القاهرة سبع ساعات فى التوقيت وآلاف الأميال، وكنت أبدأ اليوم، وكانت أمام السفارة مظاهرة ضد الإخوان، وانتظرت حتى انتهت كلمة مرسى، ولم أُكمل المؤتمر لأننى شعرت أن لديَّ واجبًا يجب أن أشرع فى أدائه على الفور، فاتصلت بالسيد محمد كامل عمرو، وزير الخارجية وقتها، وكان قد استقال ضمن الوزراء الذين قدّموا استقالتهم اعتراضًا على أفعال الإخوان، حتى إن الحكومة لم يبقَ فيها سوى وزراء الجماعة، لكنه ظل فى إدارة الوزارة، وقال لى إن التعليمات للسفارات يتم تجهيزها، فأخبرته بأننى سأتصرف على مسئوليتى لأننى لا أستطيع الانتظار».
■ «ماذا فعلت؟»
- خرجت لأدعوا المتظاهرين الواقفين خارج السفارة للدخول وقضيت معهم عشر دقائق، ثم تم إبلاغى بأن هناك صحفيين فى السفارة يطلبان مقابلتى، أحدهما مراسل رويترز، وأجريت لقاءين بسرعة، لأننى أيقنت أنه ولا بد من وجود عمل مُنظّم سيقوم به الإخوان فى أمريكا ولا بد من التحرك سريعًا لإظهار وجهة النظر المصرية، لأن القصة الإعلامية يجب بناؤها خطوة بخطوة، وفكرت أن الانتظار قد يعنى فوات الأوان، وكنت أول مسئول مصرى وقتها يتحدث للإعلام الغربى، واتصلت بى مذيعة شهيرة لـ«سى إن» إن أجريت معها حديثًا عبر الهاتف للاستوديو فى لندن، وطلبت من المستشارة الإعلامية للسفارة ترتيب لقاء سريع مع هيئة تحرير صحيفة الواشنطن بوست، وهو ما تم بعدها بيومين، ثم عدت إلى إجراء لقاء مطوّل فى «سى إن إن»، وخلال الأسبوع نفسه قمت بحملة إعلامية كبيرة تحدثت فيها إلى كل وسائل الإعلام الأمريكية تقريبًا.


■ ماذا عن الجانب السياسي؟
- أشار بيديه وهو يُكمل: بعد اطمئنانى على الجانب الإعلامى بدأت فى إجراء اتصالات سريعة بالمسئولين فى الإدارة الأمريكية، وقمت بالتركيز فى الحديث مع الكونجرس، وأمضيت أغلب ذلك الصيف الملتهب إما مع أفراد الإدارة الأمريكية بالبيت الأبيض أو فى الكونجرس الذى كنت أقضى فيه النهار كاملًا فى بعض الأيام، وكان هدفى هو الحفاظ على المصالح القومية المصرية فى تلك المرحلة الصعبة، فقد كانت هناك أطراف كثيرة فى المعادلة السياسية الأمريكية والدولية مُعادية للموقف المصري؛ واستمر هذا حتى نوفمبر 2014، عندما التقى الرئيس السيسى بالرئيس أوباما فى نيويورك، والذى مثّل عودة العلاقات بين البلدين، وكان آخر ما حدث قبل نهاية مهمتى الدبلوماسية هو الحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكي؛ لتجتاز مصر تلك الفترة الحافلة بالصعوبات التى تمثلت فى الهجوم الإعلامى الكبير على مصر، والتى كانت تستلزم الكثير من الردود».
■ «كيف؟»
- بارتياح قال: كتبت العديد من المقالات والردود فى الصحف الأمريكية على مواقف سلبية تجاهنا، كذلك كان هناك انقسام كبير فى الإدارة الأمريكية ما بين مؤيد للموقف المصرى ومتشكك فى النوايا، وكان الخلاف غير مُعلن لكننا كُنا على علم به، وكان من المهم أن نُرجّح كفة الجانب المؤيد لنا، وهى عملية دبلوماسية معقدة لكنها نجحت فى النهاية، حيث كان لابد من وجود خطاب إعلامى مصرى يقوم بترجيح الحجج التى يسوقها الجانب المؤيد للخروج برأى عام موحد تجاه مصر. فى الوقت نفسه كان يجب التعامل مع شخص برجماتى مثل الرئيس أوباما الذى كان يهتم للغاية بصورته الإعلامية ويُمكنه تغيير موقفه طالما وجد مصلحته فى ذلك، وهو ما حدث، فبعدما كان يتخذ موقفًا رافضًا للرغبة المصرية عاد وأشاد بها، فلم يكن ذا موقف أيديولوجى، لذلك حسم الصراع بين جناحى الإدارة الأمريكية لصالح الموقف المصري.؟
- عاد ينفى بثقة ويقول: رؤيتى الشخصية غير واضحة فى الرواية أو فى أى شيء أكتبه، كل ما فيها هى آراء الشخصيات، فكل من عاصر تلك الفترة كانت لديه نظرة عامة للرئيس السادات بهذه الصورة، والآن النظرة له أفضل بكثير مما كانت عليه فى حياته، فقد كانت هناك اضطرابات ومظاهرات فى مواجهة ذكرى الرئيس عبدالناصر الذى كانت له شعبية جارفة رغم هزيمة 1967، وهو ما بدا فى مظاهرات رفض التنحى وجنازته؛ لذا كانت الغالبية تنتقد السادات فى ذلك الوقت لأسباب مختلفة.