الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الموسيقى في العصر الروماني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن الرومان فى السنوات الأولى من تاريخهم يعنون بنظريات الموسيقى وعلومها، ويرى بعض المفكرين أنه لا توجد موسيقى ممثلة لروما - على نحو قولنا بموسيقى الحضارة اليونانية - ولا بد أن يكون قد توافر للرومان أغان شعبية بسيطة تمثلهم، وإن كانت هذه الأغانى قد ضاعت فى غمار تيار حضارة موسيقية أجنبية نمت جذورها وازدهرت بعد نقلها إلى التربة الرومانية. فإذا قلنا موسيقى روما - على حد قول «بول هنرى لانج» - فإننا نعنى بذلك الموسيقى اليونانية بعد تطورها وممارستها فى روما.
لم يسهم الرومانيون بالكثير فى تقدم الموسيقى، فقد نقلوا النظريات والأساليب العملية اليونانية وعدلوها وفقًا لطريقتهم الخاصة فى استخدامها. لكن فى عهد «ماركوس فارو» بدأ علم الموسيقى يظهر بين مقومات التعليم؛ حيث كانت الأسر الراقية تُدرج الموسيقى ضمن برامج التعليم الثقافى، مع البلاغة والهندسة والرياضيات؛ وكان من مظاهر الروح العصرية أن تتعلم السيدات العزف على القيثارة. ومن أشد الشواهد الأدبية طرافة، تلك التى نظمها شاعر الحب «أوفيديوس»؛ حيث ذكر: «أن من تريد أن تجتذب الرجل إليها، عليها أن تعرف كيف تُغنى وكيف تعزف على القيثارة».
وفى عالم المسرح، نلتقى بالدراما اليونانية مرة أخرى، ولكن الأشعار اللاتينية قد اختلفت عن الأشعار اليونانية التى سبقتها فى عدة نواح؛ فلم يعد للكورس أى وجود، ولم يبق عند الرومان غير أدوار غنائية منفردة أو أغان منفردة مصحوبة بآلة «المزمار»، ومع هذا فقد استمر وجود قدر كاف من الروح اليونانية تركت أثرًا فى الموسيقى. على حين أن الشاعر والموسيقار كانا عند اليونان واحدًا؛ فإن الشاعر الدرامى والهزلى الرومانى لم يكن يؤلف موسيقاه؛ وإنما كان يكلف موسيقيًا محترفًا بالتلحين الإبداعي. لكن لعب الفن الموسيقى دورًا رئيسيًا فى المسرح اليوناني، إذ كان يحفظ وحدة الأحداث ويزيد من واقعية الموضوع، بينما كان الممثل الرومانى يستعرض فنه فى مناظر متفرقة تفتقر إلى الاتصال والواقعية فى كثير من الأحيان. وكان دور الموسيقى - فى المسرح الرومانى - ثانويًا، لا يزيد على ملء الفراغات بين الممثلين، أو مساندة أحد الممثلين. وبمعنى آخر، أصبحت مشاهد البراعة الفنية تجرى منفصلة وتُعرض فى شكل مباريات موسيقية.
عادت جماليات الموسيقى إلى سابق عهدها مرة أخرى مع «أفلوطين» الذى أنشأ - معتمدًا على عناصر أفلاطونية وأرسطية - مذهبًا فى الجمال اتسم بطابع الأفلاطونية المحدثة بوضوح. فقد كانت كل موسيقى تهتم أساسًا باللحن والإيقاع، بمعنى أنها انعكاس للموسيقى التى تتمثل فى إيقاع العالم المثالي. واستطاع «أفلوطين» أن يشق طريقه إلى جماليات العصور الوسطى، واستعاد شعبية الفكرة البدائية عن دور الموسيقى فى السحر، واتفق مع «أفلاطون» و«أرسطو» فى الاهتمام بالقيمة الأخلاقية للموسيقى؛ لكنه اختلف عنهما فى أنه لم يجعل هذه القيمة مبنية على أساس سياسي، بل على أساس ديني. ومن خلال الجمال وعن طريقه يطهر الإنسان روحه، فيرتقى بذلك فى مدارج الخير واحدًا بعد الآخر. فإذا كان الإيقاع فى الموسيقى - كما يقول «جوليوس يورتنوى» - مظهرًا للإيقاع فى العالم المثالي، كانت الموسيقى أقدر الفنون على الارتقاء بالإنسان إلى مراتب أنقى وأصفى.
اكتسبت النظرية الأخلاقية فى الموسيقى التى علت مكانتها عند «أفلاطون»، مزيدًا من القوة الدافعة على يد «أفلوطين»، ثم أصبحت هى السائدة طوال تاريخ الفن فى العصور الوسطى. لكنها تعرضت فى العصر اليوناني/ الرومانى لانتقادات بعض الفلاسفة، فنجد «سكتس إمبريكس» أحد الشكاك كتب يقول: «إن الموسيقى فن للأنغام والإيقاعات لا يدل على شيء عدا ذاته، والمعيار الوحيد الذى ينبغى أن نحكم به على الموسيقى هو المتعة الحسية التى تثيرها الأصوات الموسيقية فحسب».