الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تغطية الصحفيين للأحداث الصادمة واضطراب ما بعد الصدمة "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أجرت د. رحاب محمد أنور، مدرس الصحافة بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة المنيا دراسة مهمة للتعرف على العلاقة بين تغطية المحررين والمصورين الصحفيين للأحداث الصادمة واضطراب ما بعد الصدمة لديهم، مع محاولة للوقوف على الدور الذى تقوم به المؤسسات الصحفية فى تدريب صحفييها الذين يقومون بهذه المهام وتقديم الدعم المعنوى لهم. 
اعتمدت الدراسة على الاستبيان والذى تم استخدامه فى التعرف على معدل تغطية المحررين والمصورين الصحفيين للأحداث الصادمة وشدة ما يواجهونه من صدمات عند تغطيتها وعلاقته باضطراب ما بعد الصدمة لديهم، مع محاولة الوقوف على الدور الذى تلعبه المؤسسات الصحفية فى دعمهم معنويًا عند تغطية هذه الأحداث، كما اعتمدت الدراسة على المقابلة المتعمقة للاستفادة مما توفره هذه الأداة من تفاصيل، وإعطاء الأمثلة، وشرح التجارب، وطرح العديد من الجوانب التى قد لا يستطيع الاستبيان تقديمها.
وقد راعت الباحثة عند إجراء المقابلات عقدها مع كل صحفى منفردًا لرفع الحرج عن كلٍ منهم وهو يتحدث عن شعوره عند تغطيته لهذه الأحداث ويتذكر ما شاهده وما شعر به أثناء قيامه بمهمته، كما أكدّت للمبحوثين أنها لن تذكر أسماءهم فى سياق البحث حفاظًا على الجانب الأخلاقى فى إجراء البحث، وضمانًا للحصول على الاستجابات الصادقة والحقيقية. 
وتحدد مجتمع الدراسة فى المحررين والمصورين الصحفيين المعنيين بتغطية الأحداث الصادمة اليومية، وهم محررو قسم الحوادث والمصورين الصحفيين، بالإضافة إلى محررى أقسام الأخبار والتحقيقات وغيرها من الأقسام الميدانية الذين قد يتم الاستعانة بهم - أحيانًا - فى تغطية هذه الأحداث.
وراعت الباحثة فى اختيار عينة الصحف أن تكون صحفًا يعمل بها محررون ومصورون يمثلون مختلف الفئات العمرية ومختلف سنوات الخبرة للتعرف على تأثير هذه العوامل على معدلات اضطراب ما بعد الصدمة لديهم، ومن ثم وقع اختيار الباحثة على صحف «الأهرام» و«الأخبار» و«الوفد» باعتبارها الصحف التى تضم العدد الأكبر من المحررين والمصورين الصحفيين المخضرمين إضافة إلى عدد من الشباب الأقل خبرة، وصحف «اليوم السابع» و«الوطن» و«الشروق» باعتبارها الصحف التى تضم شباب المحررين والمصورين الصحفيين من ذوى الخبرة القليلة والمتوسطة، وقد تم إجراء الدراسة داخل هذه الصحف بأسلوب العينة المتاحة، وقد بلغ عدد مفردات العينة (١٣٠) مبحوثًا.
وقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن أكثر الأحداث الصادمة التى قام الصحفيون بتغطيتها خلال العام الماضى كانت «حوادث السيارات»، حيث بلغ متوسطها (٢.٣٣) وانحرافها المعيارى (١.٥٣)، وقد أشار (١٩.٢٪) من المبحوثين إلى أنهم قاموا بتغطّية هذه الحوادث شهريًا، وهو ما يعنى ارتفاع معدلات حدوث هذه الحوادث مقارنة بغيرها.
وجاءت فى المرتبة الثانية «حوادث انهيار المباني» حيث بلغ متوسط هذه النوعية من الأحداث (٢.١٩)، وتلاها الحرائق الهائلة وبفارق بسيط حيث بلغ متوسطها (٢.٠٥)، وفى المرتبة الرابعة «حوادث القطارات»، وبلغ متوسطها (١.٩٣)، وتلاها «حوادث تفجيرات الكنائس» بمتوسط (١.٨٧)، ثم «جرائم القتل» وبلغ متوسطها (١.٨٤)، وذكر (٦.٩٪) من العينة أنهم يقومون بتغطية مثل هذه الحوادث شهريًا، وجاء فى المرتبة السابعة تغطية «حوادث إرهابية أخرى ترتبت عليها خسائر بشرية» بمتوسط (١.٦٨)، وتلاها تغطية «حوادث الاعتداءات الجنسية» بمتوسط (١.٥٩)، وبعدها وبفارق بسيط تغطية «الكوارث الطبيعية كالسيول» بمتوسط (١.٥٨)، ثم تبعتها «حوادث تفجيرات المساجد» وبفارق ملحوظ إلى حدٍ ما حيث بلغ متوسطها (١.٣٧)، وجاء فى المرتبة الأخيرة تغطية «حوادث الطائرات» بمتوسط (١.١٥). 
وهكذا يتضح أن أكثر أنواع الأحداث الصادمة التى قام الصحفيون بتغطيتها خلال العام الماضى كانت حوادث السيارات وانهيار المبانى والحرائق وحوادث القطارات، وتلاها تفجيرات الكنائس وجرائم القتل والحوادث الإرهابية والاعتداءات الجنسية والكوارث الطبيعية كالسيول، وأخيرًا تفجيرات المساجد وحوادث الطائرات. 
وبالنسبة لمعدل تغطية الصحفيين للأحداث الصادمة، تبين أن قُرابة نصف العينة قاموا بتغطية الأحداث الصادمة بمعدل متوسط (٤٧.٧٪) أى كل بضعة شهور تقريبًا، وتلاهم (٢٦.٩٪) من المبحوثين قاموا بتغطية هذه الأحداث بمعدل منخفض أى مرة إلى مرتين مثلًا، فى حين قام رُبع العينة (٢٥.٤٪) بتغطية الأحداث الصادمة بمعدل مرتفع ما بين كل شهر إلى معظم الشهور، وهو ما يعنى أن غالبية المبحوثين يقومون كثيرًا بتغطية الأحداث الصادمة ما بين كل بضعة أشهر إلى كل شهر، وهو ما يعكس تكرار هذه الأحداث وشيوعها، وكأنها جزء من الروتين اليومى لهم. 
وفيما يتعلق بمدى شدة تغطية الأحداث الصادمة، تبين أن غالبية الصحفيين (٧٠٪) منهم تعرضوا للعنف اللفظى أثناء تغطيتهم لهذه الأحداث الصادمة وهو ما قد يكون له الأثر النفسى السلبى عليهم، مقابل (٣٠٪) منهم فقط لم يتعرضوا للعنف اللفظى عند قيامهم بمهمتهم. 
وقد أوضحت الدراسة تعرض نسبة ليست بالقليلة من الصحفيين، الذين يغطون الأحداث الصادمة للتهديد الجسدى أثناء قيامهم بمهمتهم بلغت (٤٣.١٪) مقابل (٥٦.٩٪) منهم لم يتعرضوا لمثل هذا التهديد، وهو ما يؤكد صعوبة تغطية مثل هذه الأحداث لا سيما الجانب المتعلق بمقابلة أهل الضحايا والتى قد يترتب عليها -إذا لم يمتلك الصحفيون القدرة على امتصاص غضبهم- مثل هذه النوعية من ردود الأفعال. كما أوضحت أن غالبية أفراد العينة (٨٢.٣٪) منهم شاهدوا أشخاصًا يصارعون الموت، مقابل (١٧.٧٪) منهم لم يشاهدوا مثل هذه المشاهد، وهو ما يعنى شدة وصعوبة تغطية هذه الأحداث على كثير من الصحفيين والتى قد تترك أثرها النفسى عليهم. 
وأوضحت الدراسة أن غالبية أفراد العينة من الصحفيين (٨٤،٦٪) منهم قد سبق لهم وأن شاهدوا مشاهد يمكن وصفها بأنها «شنيعة»، مقابل (١٥،٤٪) منهم لم يشاهدوا من قبل هذه النوعية من المشاهد، والتى غالبًا ما تكون لها تأثيرات نفسية عليهم بعد رؤيتها.
وأشارت نتائج الدراسة إلى انقسام أفراد العينة من الصحفيين فيما يتعلق بشعورهم بالخوف عند تغطية مثل هذه الأحداث، حيث ذكر (٥٠.٨٪) منهم أنهم لم يشعروا بخوف عند تغطيتهم لهذه الأحداث مقابل (٤٩.٢٪) ذكروا أنهم شعروا بخوف، وهو ما يعكس نسبية هذا الأمر لدى المبحوثين فربما اختلاف شخصية كل فرد -فى المقام الأول- وراء هذا الشعور إضافةً لاعتبارات أخرى قد تكون منها سنوات الخبرة وسن المبحوث ونوعه فقد تكون الإناث أكثر شعورًا بالخوف مقارنة بالذكور. 
ونستكمل عرض نتائج الدراسة الأسبوع المقبل بإذن الله.