السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

"نساء بلا مأوى".. في حضن السيدة زينب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«نساء بلا مأوى».. مصطلح ينطبق أكثر على عشرات النساء اللاتى يتخذن من ضريح السيدة زينب مقرًا وملجأ لهن بعدما فشلت حياتهن الأسرية، والتى كانت أشبه بالجحيم، فقررن الهرب منها للشارع ليلًا ولضريح السيدة زينب للنوم نهارًا، فرُغم مخالفة ذلك للقوانين بشأن اتخاذ مساجد الأوقاف كمأوى، إلا أنه يحدث بالفعل بمعرفة عمال النظافة بالضريح، إلا إذا جاءت زيارات مفاجئة من الوزارة، سواء للمتابعة أو نقل صندوق التبرعات، حينها يوقظن هؤلاء السيدات اللاتى تفتح قصصهن قضية الهائمات دون مأوى، خاصة فى ظل وجود أكثر من ٣ ملايين مصرى دون مأوى حسب إحصائيات الجهاز المركزى لعام ٢٠١٦.
«البوابة» التقت منهن ٤ قصص سردها صاحباتها، وقررن الإفصاح عن هوياتهن «منى ذات ٤٢ عامًا قضت ٣ سنوات حتى الآن بين الشارع والضريح، ونرجس ٤٠ عامًا قضت شهرًا بالضريح، وإنعام ٣٩ عامًا قضت ثلاث سنوات، ونادية ٢٢ عامًا قضت شهرًا». يتعرضن بشكل يومى لانتهاكات لا تحصى ويجبرن على دفع مبلغ مالى كإتاوة لبلطجى مقابل نومهن، ولم يجدن نصيبًا فى أى معاشات اجتماعية تقدمها وزارة التضامن الاجتماعى، فلم تنطبق عليهن شروط «تكافل وكرامة» فقط لعدم انتمائهن لأسرة فى الوقت الحالى، ولعدم تخطيهن سن الخامسة والستين عامًا فقط انطبقت عليهن شروط الفقر والعجز والمرض، رغم أن أحلامهن التى لم تتعد ٤ جدران ورعاية صحية وعلاج، ورغم قسوة الشارع فإنهن لم يندمن عما فعلن، فقلنها بصريح العبارة: «إن تكررت الأحداث للمرة الثانية لاخترنا الشارع»، جمعت تلك القصص أكثر من عامل مشترك: قسوة المجتمع، وقسوة العائلة، والرجل.
منى: «هربت من اعتداءات ابن أختى» 
تركت «منى» التى بدت عليها علامات الشيب المبكر، رغم أنها لم تتجاوز منتصف الأربعينات منزل أختها، بعد عدة محاولات من الاعتداءات الجنسية من قبل ابن أختها، ولم يكن من أختها إلا تكذيبها وإلقاء اللوم عليها، فتقول «منى»: «لم أجد أمامى سوى الزواج للمرة الثانية بعد فشل تجربتى السابقة نظرًا لفارق العمر الكبير بينى وبينه، فلم أتجاوز حينها العشرين من عمرى، فكان هو عجوز سبعينى، وكنت بعمر إحدى حفيداته مكتوفة الأيدى، فرغم تهافت العرسان الشباب علىّ، إلا أن أهلى أجبرونى على الزواج منه طمعًا فى ممتلكاته؛ فأخبرتنى أمى نصًٍّا «أعوام بل شهور، ويقابل خالقه، وستكونى أنت إحدى وارثيه الشرعيين»، ولكن لم يسمح لى أبناؤه بذلك وظلوا وراء أبيهم حتى طلقنى دون أن يمنحنى أى حق من حقوقى الشرعية حتى، فلم تستمر حياتنا الزوجية إلا شهورًا، وعُدت لبيت أختى حاملة خيبة أمل، فلم أرث سوى الغم الذى ظل ملازمًا لى طيلة حياتى، ولكن قررت أن أُعيد تجربة الزواج مرة أخرى ليس حبًا فيها بل لأعتق نفسى من ابن أخت لم يعرف حرامًا أو عيبًا»، فعملت منى كخادمة لسيدة عجوز بحى السيدة عائشة، وتتقاضى ألف جنيه شهريًا تتسلمها من يد سيدتها لتسلمها هى الأخرى ليد زوجها الذى وعدها بشراء شقة مستقلة لهما، وترك تلك الغرفة الكئيبة التى يستأجرها، مقابل أن تجلب له راتبها شهريًا، ولكنها اكتشفت فيما بعد أن راتبها يضيع شهريًا على جارتها التى تخون زوجها هى الأخرى معه.
فتقول منى: «واجهته بتلك الحقيقة المُرة، فرفض أن يُطلقنى وعنفنى بشدة، تركت المنزل واتجهت للعيش مع إحدى أقارب زوجى الأول لأعمل كالخادمة بالسخرة، وعلى الرغم من ذلك لم أجد حمدا، بل كنت أُضرب من صاحب المسكن فى حالة تقصيرى فى أى عمل من الأعمال المنزلية، حتى استيقظت يومًا فوجدت بجانب سريرى مطرقة حديدية»، خشيت منى أن يكون جاء بها ليعاقبها تلك المرة، فقررت أن تهرب إلى دار المسنين بالحى السابع التى لم تكف مديرتها عن سلب راتبها اليومى من بيع المناديل رغمًا عنها، فإن رفضت اجتمع عليها سيدات الدار وقمن بضربها ضربًا مبرحًا، فلم تجد أمامها سوى الشارع أملًا أن يكون أحن عليها.
نرجس: «زوجى يجبرنى على ضرب بناتى» 
تحمل «نرجس» الجنسية الأردنية ومتزوجة من مصرى، اتجهت للضريح بعدما رفض زوجها الإنفاق على علاج ابنته «بتول» ثمانى سنوات «ذات الاحتياجات الخاصة»، الذى طالما نعتها بـ«المتخلفة» على الرغم من أنه على حالة مادية مستقرة، وصاحب لعدة ممتلكات بدمنهور بمحافظة البحيرة، تقول نرجس: «لم أتوقف عن المحاولة لعلاجها فلم أجد من زوجى سوى الضرب والإهانة»، فقسوته لم تقف عند نرجس فقط ولكنها طالت ابنته «آلاء» ذات السادسة عشر من عمرها، الفتاة التى تمتلك وجها ملائكيا ذا عيون خضراء وشعر أصفر والجسم النحيل على الرغم من ملامحها الأوروبية، إلا أنها تحيا حياة الصوماليين من فقر وخزى وذل، فلم تفارقها جملة أبيها المعتادة «يا هقتلك يا هخليكى تقتلى نفسك»، وعندما تتدخل نرجس لتحاول منعه تأخذ حظها هى الأخرى من الضرب والمهانة حتى يجبرها على ضرب ابنتها بيدها، فلم تر يومًا من أيام حياتها دون ضرب ومذلة من أب تفنن فى عقابها، وكأنها ارتكبت إثمًا فى حق البشرية، فتقول «نرجس»: «كان معتادًا على أن يبصق بفم آلاء، مما أصابها بمرض نفسى فحاولت حرق جسدها محاولة الانتحار والتخلص من ذلك المعتقل الذى لم تكره فى حياتها مكانًا أكثر منه قسوة، ولكن محاولاتها باءت بالفشل، فأصبحت مشوهة نفسيًا وجسديًا، وأصيبت بالسكر على إثر تلك الحادثة، وعلى الرغم من ذلك لم يعتقها وقرر معاقبتها على محاولة الانتحار، فأخذ يفتت عظامها الرقيقة بيده، وتلاشى نظره عن دمها الذى كان ينزف كشلالات مياه، فحُجزت شهرًا بمستشفى دمنهور، وحين استردت صحتها، قررت الهرب والسكن مع زميلاتها بمسكن طالبات، ولم يعرف أحد طريقًا لها حتى الآن، وكان ذلك فى صالحها فلقد أقسم والدها بأنه إذا تمكن من العثور عليها فسيقتلها»، أما نرجس فلقد طلبت الطلاق وكانت موافقته مشروطة بأن تعفيه من كل حقوقها هى والخمسة أبناء، ولكنها رفضت وقررت الهرب منه هى الأخرى، فاتجهت للسفارة الأردنية التى وافقت على ترحيلها لبلدها، ولكن بمفردها، نظرًا لأن أولادها غير حاملين للجنسية الأردنية، تقول نرجس: «كان من الممكن أن أنفد بجلدى ولكن ظلت عاطفة الأمومة تنغص على حياتى فرفضت، وقررت اللجوء لضريح السيدة زينب، معلقة لا أنا متزوجة ولا مطلقة، فحاولت مراسلة إخوتى ليقفوا بجانبى ولكنهم تنصلوا من قرابتهم لى، ففور علمهم بجوانب الموضوع ورغبتى بالطلاق وحاجتى المادية لعلاج ابنتى ردوا على بعبارة واحدة «مش ناقصين معاقين» وعندما أصررت على الطلاق تبرأوا منى وقسموا نصيبى فى إرث أبى عليهم».
أنعام وسُلطة الرجل 
كانت لـ«أنعام» قصة صمود غريبة فانتظرت زواج ابنتيها لتهرب من بيت لم تر به سوى كل مر، فدامت تحلم بتلك اللحظة التى تزوج فيها بناتها لتنفد بحياتها، فتقول «أنعام»: «لو تم طلاقى قبل زواجهن فلن يتزوجن طيلة حياتهن؛ حيث إن العائلات بقريتنا البسيطة بأسيوط، فور علمهم بانفصال الأب عن الأم يفرون هاربين، معتقدين أن البنت كأمها ستطلب الطلاق يوما ما، فلم يعرفوا أن أصعب قرار تتخذه المرأة هو قرار الانفصال، فلن يهدم أحد حياته إلا إذا كانت جحيمًا، عندها فقط تنهى المرأة تلك الصراعات المتناقضة بين أن تخسر نفسها وتختار الصمود أمام أعراف المجتمع، وإما أن تلعن المجتمع بتقاليده وأعرافه العقيمة وتختار روحها، وهذا ما فعلته ففور رفض زوجى الطلاق هربت، لم أكن أعلم إلى أين سأذهب، فلم أجد أحدا مناصرا لى، فكل العائلة رفضت إعالتى فقررت الهرب للقاهرة، وأخذتنى قدماى إلى ضريح السيدة زينب، لأبدأ هنا حياة بعيدة عن سلطة هذا الرجل».
نادية وقسوة الأسرة 
أما «نادية» التى أرغمها والداها على الزواج وهى لم تتخط السابعة عشر من عمرها، بدت معاناتها لحظة أخبرها فيها الطبيب عن حملها بفتاة على خلاف ما أراد زوجها ذو العقلية الجاهلة، فتقول «نادية»: «أراد زوجى ولدا يحمل اسمه، ولكنى أتيت ببنت، ومن يومها لم يكف عن معاملتى القاسية حتى إنه ضرب ابنته التى لم تستكمل أياما من عمرها فى محاولة للتخلص منها يوم سبوعها، فطلبت حينها الطلاق، وبالفعل طُلقت بعد معاناة سنة كاملة بالمحاكم، ولم أحصل على أى حق من حقوقى التى يكفلها لى الشرع والقانون، وأصبت بمرض بسيط بالعين أجريت على أثره ٧ عمليات فاشلة بمعهد ناصر ومستشفى العبور بكفر الشيخ، مما حول حبة صغيرة بالعين لتشوه كلى بمنتصف الوجه الأيسر كاملًا، فلم أجد من أسرتى سوى الإهانة والسخرية من مظهرى، فرغم قدرتى على إعالة نفسى بعملى معهم فى الأرض بكفر الشيخ، إلا أنهم رفضوا الإنفاق على علاجى». 
رغم عدم تجاوزها الثانية والعشرين من عمرها إلا أنها تبدو بمنتصف الستينات فلم تكن نادية سوى ضحية جحود الأهل وجشع مأذون كتب كتابها وشهد على تلك الجريمة فى حق طفلة رغم عدم تجاوزها السابعة عشر من عمرها، وفساد منظومة الصحة، وضحية دكتور فاشل، وضحية أناس لا يفقهون فى قوانين الإنسانية شيئا، يهرعون فور رؤيتهم وجه المريض، فاختارت نادية ارتداء النقاب لا لتستر وجهها خشية من نظرات الاحتقار المصاحبة بالخوف وبعض من التساؤلات التى تراها على أوجه الناس، بل لتستر به عهر المجتمع، هربت نادية مفضلة الشارع عن منزل أسرتها.