الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

واحة الخميس.. مائة عام على ثورة شعب (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توقفنا فى المقال السابق عند تولى أحمد فؤاد حكم مصر فى أكتوبر 1917، وذلك بعد وفاة السلطان حسين كامل الذى كان الإنجليز قد أجلسوه على عرش مصر فى عام 1914 عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى وإعلانهم الحماية على مصر واستقلالها التام عن تركيا، ومن المؤسف أن بعد شهر واحد من تولى فؤاد الحكم أى فى نوفمبر 1917 أعلن وزير الخارجية البريطانى «بلفور» وعده التاريخى بإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين بعد انتهاء الحرب، ومع ذلك لم يعلن فؤاد أو غيره من الساسة إعتراضهم واستنكارهم لهذا الوعد، فقد كان زعماء الحركة الوطنية يفكرون فى مصير مصر بعد الحرب، وحين وضعت الحرب أوزارها فى 1918 أصبح للمنتصرين الحق فى إعادة تقسيم البلاد التى ظلت لقرون طويلة تحت السيادة العثمانية، فوضعت إنجلترا وفرنسا خريطة للشرق الاوسط وذلك قبيل انتهاء المعارك، والثابت أن الدبلوماسى البريطانى مارك سايكس قد اجتمع بالدبلوماسى الفرنسى جورج بيكو وقاما برسم خريطة جديدة للمنطقة على أساس قبلى وعشائرى وتم اعتماد هذه الخريطة مع بنود اتفاقية بين الدولتين اشتهرت باسم سايكس- بيكو، وكان ذلك فى عام 1916 وهو العام الذى اعترفت فيه بريطانيا بالشريف حسين ملكًا على الحجاز ودعته لتحرير الأراضى العربية من الاحتلال العثمانى، وبالفعل تحرك الشريف على رأس جيش كبير من القبائل العربية، ونجح فى طرد القوات التركية وإجبارها على الانسحاب من عدة مدن عربية، وهنا دعت فرنسا لعقد مؤتمر عاجل لدعم مسلحى القبائل العربية ومساندتهم فى تحرير بلادهم من الاحتلال العثمانى واستنكر المؤتمر الأعمال الوحشية التى يقوم بها الحكام الأتراك فى المدن العربية، ونجحت الثورة العربية التى تمت بمساندة علنية من إنجلترا وفرنسا، وانتهت الحرب فى عام 1918 بإنتصار بريطانيا وحلفائها وانهارت الدولة العثمانية تماما بعد دخولها معركة لا ناقة لها فيها ولا جمل، لكنه الغرور والكبرياء والغطرسة، فقد ظن الأتراك أنهم سيحتلون مع الألمان نصف العالم فإذ بهم يخسرون كل شىء، بما فى ذلك القدس الشريف الذى استطاع القائد الانجليزى أدموند النبى أن يحتلها فى 1917، ويردد مقولته الشهيرة «ها قد استعدنا القدس ولن تضيع بعد اليوم» وإذن فلقد ضاعت القدس منا فى عهد الخلافة التى يتباكى عليها البعض، وأعلنت الدولة العثمانية استسلامها فى سبتمبر 1918 لتنتهى الحرب العالمية الأولى، والتى أثرت على جميع دول العالم بما فى ذلك الدول التى لم تكن لها علاقة بالحرب، وكما ذكرنا فى المقال السابق فإن أكثر من تسعة ملايين نسمة قد ماتوا أثناء المعارك، ما جعل الحزن يخيم على انحاء البشرية، فأعلن الرئيس الأمريكى ويلسون عن مجموعة من المبادئ التى يجب أن تسود بين الدول وبعضها البعض، ومن هذه المبادئ حرية الشعوب وحقها فى تقرير مصيرها، ودعا إلى إنشاء جمعية أمم تضع القواعد والقوانين الدولية لضمان حقوق جميع بلدان العالم، وكانت هذه المبادئ بمثابة دستور أو ميثاق عالمى، لا سيما بعدما أعلنت معظم دول العالم موافقتها التامة عليها، واستقر الرأى على عقد مؤتمر للصلح وحق تقرير مصير الاوطان فى باريس وتم تحديد موعده فى عام 1919، وهنا تعالت الأصوات فى مصر بين الوطنيين المخلصين الذين ينتظرون يوما تستقل فيه البلاد من الاحتلال، وتجمع الناس حول المحامى سعد زغلول الذى كان قد اشتهر بمواقفه الوطنية ضد الانجليز ودفاعه عن المصريين، الذين يتخاصمون الإنجليز فى المحاكم، ورفع سعد زغلول على كتفه تأليف الوفد المصرى الذى سيسافر لحضور مؤتمر باريس والحديث بإسم الشعب المصرى، واتفق مع عبدالعزيز فهمى وعلى شعراوى، وهما من أعضاء الجمعية التشريعية أن يسافرا معه كوفد مصرى، وكان عليهم أن يحصلوا على ترخيص بالسفر من دار الحماية البريطانية فى مصر وبالفعل ذهبوا إلى السير «رجنلد ونجت» المندوب السامى البريطانى وذلك بوساطة حسين رشدى رئيس الوزراء الذى طلب منهم الذهاب إلى المندوب السامى أولًا، وقد تم اللقاء فى نوفمبر 1918 وأرى أنه من الأمانة أن أنقل بعض ما جاء فيه حسب التقارير التى أفرجت عنها الخارجية البريطانية فيما بعد وحسب ما جاء فى مذكرات الزعماء أنفسهم، فقد بدأ السير ونجت حديثه بالقول «إن مصر سينالها خير كثير وإن الله مع الصابرين وأن المصريين أقل الأمم تألما من أضرار الحرب وعليهم أن يشكروا دولة بريطانيا العظمى التى كانت حامية لهم» فأجابه سعد بدبلوماسية، قائلًا: إن الناس فى مصر ينتظرون بفروغ الصبر زوال الأحكام العرفية والمراقبة التى استمرت منذ بداية الحرب وإن للمصريين الحق فى أن يكونوا قلقين على مستقبلهم، فقال المندوب السامى: «يجب ألا تتعجلوا وأن تكونوا متبصرين فى سلوككم»، فقال سعد: «إن هذه العبارة مبهمة المعنى ولا أفهم المراد منها»، وبدأ المندوب السامى يتحدث عن جهل المصريين ونسبة الأمية وأنهم إذا حصلوا على الاستقلال فإن حربًا أهلية طاحنة ستقضى على كل شىء فى مصر، وسوف تستغل تركيا هذا الأمر وربما تأتى لاحتلال مصر من جديد، ومن الأفضل أن يستمر الوضع كما هو بعض الوقت، وقال على شعراوى: «إننا نريد أن نكون أصدقاء للإنجليز صداقة الحر للحر لا العبد للحر»، وقال سعد: «عن المصريين انتخبوه فى الجمعية التشريعية رغم معارضة الإنجليز له ومعارضة الحكومة ما يدل على أن هذا الشعب يعى جيدًا حقوقه، ويأمل فى اليوم الذى يتحقق فيه الاستقلال التام.. وللحديث بقية