الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

النخبة عقب 23 يوليو 1952 (10)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طوال الفترة فيما بعد 1919 حتى 23 يوليو 1952 كانت النخبة تتصدر المشهد السياسى والاقتصادى والثقافى والاجتماعى، ويتقدمهم مُلاك الأراضى الزراعية فى الريف، وهى نخبة ركبت الموجة السياسية التى فجرها الشعب المصرى بكل فئاته وتصنيفاته وطبقاته وانتماءاته، مسايرةً للمد الشعبى الجارف الذى أخذ معه طبقة المثقفين، الذين كانوا يمارسون السياسة من باب تبوء المناصب السياسية سواء كان ذلك فى ظل الملك والحاشية أو كان برضى الإنجليز والتابعين لهم بشكل مباشر أو غير مباشر.
والنخبة فى أى زمان هى تلك الجماعات التى تبرز فى مجالها السياسى أو الاقتصادى أو المهنى، أو هؤلاء البشر الذين يمتلكون كاريزما شخصية وقدرات ذاتية تجعلهم فى نظر الجماهير قيادات يحتذى بها، ولكن الفيصل هنا هو أن تكون هذه النخبة مؤمنة بدورها للصالح العام ولصالح الجماهير، خاصةً فى الاطار السياسى، وألا ترى مصلحتها الذاتية وألا تسعى لتحقيق أغراضها الشخصية بأى ثمن وبمسلك أى طريق حتى لو كان على حساب الجماهير والمبادئ والشعارات المرفوعة. وقد أوضحنا سابقًا أن جل هذه النخبة بكل مسمياتها كانت تسعى إلى أغراضها الذاتية، مع العلم أن هذا حق مشروع، ولكن الأهم أن تكون هذه الأغراض والطموحات متوازنة مع المبدأ ومتسقة مع الشعارات المرفوعة.
وقد ظهر لدينا أن هذه النخبة مع توافقها وتجمعها نحو هدف واحد، وهو الاستقلال وتحقيق الحياة الدستورية، إلا أننا وجدناها تختلف وتتناقض وتتشاحن حول ذاتيتها وعلى حساب الهدف الأسمى الذى جمعهم فى مرحلة المد والزخم الثورى الجماهيرى الذى اجتاح الشارع المصرى، مما كرس وجذر تلك النظرة الذاتية، بل يمكن أن نقول أن هذا السلوك أجهض الزخم الثورى منذ تشكيل وزارة سعد زغلول 1924. هنا وجدنا الحياة الحزبية ذات السمة الليبرالية التى يتقولون بها تنقسم إلى أربع مجموعات، أولها من أطلقوا على انفسهم بالأحزاب الليبرالية، وهم حزب الوفد والأحزاب المنشقة عنه، وهى الأحرار والدستوريين والسعدى والكتلة الوفدية، ثانيها أحزاب القصر وهى حزب الشعب والاتحاد، وثالثها الأحزاب الدينية وهم جماعة الإخوان وحزب الآخاء وحزب الإصلاح الإسلامى، أما المجموعة الرابعة فهى تلك الأحزاب المصنفة بالتوجه الاشتراكى، وهم حزب مصر الفتاة وحزب العمال الاشتراكى والشيوعى المصرى والفلاح المصرى والحركة الديمقراطية. هذه التنويعة من الأحزاب كان القصر والإنجليز قد تمكنوا من احتواء بعضها كل حسب توجهه، فمن المعروف علاقة الإنجليز بجماعة الإخوان، هذه الجماعة التى تم مساعدتها وتمويلها بمبلغ خمسمائة جنيه بهدف إنشاء هذه الجماعة لإحياء ما يسمى بالخلافة الاسلامية بعد سقوطها فى تركيا بمجيء كمال اتاتورك وتحويل تركيا إلى دولة مدنية بدلًا من دولة الخلافة الاسلامية، وحيث إن جوهر وقيمة ثورة 1919 الشعبية بقيادتها المؤمنة بأهدافها، كانت تهدف إلى التحرر من الاستعمار الإنجليزى والتخلص من التبعية العثمانية التى استمرت حوالى أربعة قرون، فى الوقت الذى كان هناك من يؤمن بالاستقلال من بريطانيا والبقاء تحت السيادة العثمانية من باب الولاء الدينى، وكان يمثل هذا التيار الحزب الوطنى الذى شارك فى ثورة 1919، فكان الهدف من إنشاء جماعة الإخوان المسلمين هو كسب التيار العثمانى فى صف هذه الجماعة الوليدة، لإجهاض ذلك التوجه الوطنى المصرى الجامع، الذى جمع المصريين ضد العثمانيين والإنجليز معًا، خاصة أن المشهد بشكل عام كان يقول إن الأقباط بنخبتهم قد انضموا إلى الثورة فى مواجهة العثمانية فى الوقت الذى أعلنوا فيه الانفصال عن العلاقة مع بريطانية التى كانت تدعى حمايتهم، ناهيك عن استغلال هذه الخلافة لشق الصف الوطنى واللعب على عواطف الملك لاحتوائه بادعاء تنصيبه خليفة لهذه الخلافة. فى هذا المناخ كان الصراع الشخصى والذاتى والذى كان تحت مسمى الصراع الحزبى، حيث إن الصراع لم يكن على مواقف سياسية أو رؤية حزبية يسعى كل منهم لخدمة الجماهير، ولذلك وجدنا كل حزب يتحرك فى اتجاه مصلحته مع الآخر وحسب الطلب، فمع الملك وضده ومع الوفد وضده! وهكذا.
كان هذا المشهد هو المسيطر وهو ما نتج عنه تجميد لشعارات ثورة 1919 وعدم تحقيق لأهدافها على أرض الواقع فظلت الأوضاع كما هى، فكان الفقر والجهل والمرض السمات المميزة لأغلبية الجماهير، وكان أهم المشاريع القومية مشروع محاربة الحفاء، أى توفير أحذية للحفاة الذين لا يملكون ثمن الحذاء أو مشروع مصنع للطرابيش، وكان هذا المشروع تحت مسمى المشروع الوطنى.
كانت الصراعات دائمًا ما تكون نتائجها على حساب الأغلبية التى تمثل تسعة وتسعين بالمائة من الشعب لصالح الواحد أو النصف بالمائة، كما كان يطلق، حتى وجدنا بعض الأصوات الوطنية، مثال إبراهيم شكرى، تطالب البرلمان بتحديد الملكية الزراعية فكان الرفض هو سيد الموقف لهذا المشروع ولغيره من المشروعات التى تحاول الاقتراب من حل مشاكل الاغلبية، فى هذا المناخ وفى ظل هذه المشاكل وعلى ضوء هذه القضايا قامت ثورة يوليو 1952، نعم كانت انقلابًا عسكريًا ضد الحكم الملكى، ولكن انضمام جماهير الشعب حولها إلى ثورة حقيقية، فلم يتجاهل مجلس قيادة الثورة الأحزاب ولا النخبة بل كان تصور الضباط هو إسقاط الملك وتسليم السلطة لهذه الأحزاب ولتلك النخبة، لكن ماذا حدث؟ قابلت قيادات الثورة زعامات الاحزاب جميعها لسماع وجهة نظرهم فيما حدث ورؤيتهم لما هو قادم، فماذا كانت النتيجة؟ كانت مزيدًا من الإساءة اللفظية من كل منهم للآخر وتخوين الجميع للجميع وإظهار كل منهم أنه هو الوطنى الوحيد دون الاخرين فكانت عدم المصداقية هى السمة السائدة وكان الفيصل هو عرض مشروع قانون الإصلاح الزراعى، وهو القانون الذى كان درة التاج لثورة يوليو، وكان الرفض لهذا المشروع، وجل ما شاهده الضباط الأحرار من هذه النخبة هو نظرتهم الإصلاحية التقليدية بهدف مسايرة الوضع الجديد حتى يمكنهم القفز عليه للاستمرار فى تحقيق مصالحهم وتكرار ما حدث من هذه النخبة بعدما امتطت حصان ثورة 1919 ووجهته لتحقيق مصالحهم الذاتية، ولذلك كان قرار ثورة يوليو رقم 179 لسنة 1952 بحل الأحزاب السياسية القائمة تحت مسمى إعادة تنظيمها، وتم حل الأحزاب عدا جماعة الإخوان المسلمين. لماذا؟ هذا ما سنجيب عنه فى المقال المقبل بإذن الله.