الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

سقوط الإسلام السياسي في المنطقة العربية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رفض شعبى للتيارات الإسلامية بعد وصولها للسلطة
الأحزاب اعتمدت على استراتيجيات الإقصاء والاستبعاد بدلًا من الإدماج والاستيعاب
تيارات الإسلام السياسى تبنت تطبيق الشريعة الإسلامية.. وبعد الوصول إلى السلطة تغيرت المفاهيم

تعتبر الثورات فى مرحلة ما نوعًا من التجديد الحضارى لإكساب المشهد لحظةً تاريخيةً تمنح الشعوب نشوة الانتصار السياسى والتمكين الاجتماعى والكفاية الاقتصادية، وفيما يتصل بمعامل إنتاج الثورة السياسية هناك شبه إجماع بأن الشأن السياسى والاقتصادى وتفاعلهما معًا بإطار اجتماعى هو ما يهيئ الظروف لقيام الثورات، فـ«كارل ماركس» يذهب باتجاه السببية الاقتصادية لقيام الثورات، ويربط البعض الفعل الثورى بالشأن السياسي، كما هو حال أفلاطون، بحيث وصف التغييرات التى تطرأ على دساتير الدول بالثورة، وإلى جانبه أرسطو، وبوليبيوس، ولوك الذى يراها بصــورةٍ ما الطريقة المقررة للحفاظ على الحقوق السياسية. غير أن حركات الإسلام السياسى أخذت منحى آخر، وانقسمت إلى ثلاثة تيارات رئيسة، تيار انغلاقى شمولي، يؤمن إيمانًا راسخًا بفكرة الحاكمية الإلهية، وتطبيق الشريعة، وثنائية دار الإسلام ودار الكفر، وتيار مؤيد للدولة المدنية، شرط أن تكون ذات مرجعية إسلامية، أما التيار الأخير فهو مقاصدى وبراجماتي، يؤكد بوضوح تأييده للدولة المدنية وفق قاعدة «لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة»، وهو ما يمكن تفسيره بأنها لم تقدم فكريًا ما يشير إلى عزمها على تجديد الفكر السياسى الإسلامي، بما يتفق مع مستجدات العصر، وافتقدت هذه الحركات إلى مؤسسات للبحث والتفكير تعالج القضايا الشائكة بين الدين والدولة، والقضايا ذات الصلة بمفاهيم وممارسات الحرية والتعددية والاختلاف وغيرها.


على الصعيد الاقتصادي، فإن أحزاب النهضة، والحرية والعدالة، والعدالة والتنمية لا تمتلك خططًا اقتصادية يمكنها إحداث الإصلاح الاقتصادى والتنمية الاجتماعية، وبالنسبة للمدخل الحقوقي، فإن تجربة الحكم أثبتت أن هذه الحركات – باستثناء حزب النهضة - لا تتحمس للحركية الفكرية والدينية، وما زالت مترددة على مستوى تعزيز حقوق المرأة ودورها فى الحياة العامة، وكذلك على مستوى التعاطى مع الحقوق المرتبطة بالتعدد اللغوى والثقافى والديني، ويبدو أن هذه الحركات بعد انتقالها من المعارضة إلى السلطة، سقطت فى هُوة الارتباك، وحدث انفصام بين شعاراتها وخطاباتها من جهة، ورؤاها وسياستها العملية من جهة أخرى، وهو ما يعكس ضعف الخبرة السياسية.
فشل «الحرية والعدالة»
عجز حزب «الحرية والعدالة» على مدى عام كامل عن إدارة الدولة المصرية بكفاءة، وكان أكثر المعوقات التى واجهت هذه الحركات فى تجربتها، الثنائية التنظيمية بين الحركة والجماعة والحزب التابع لها، ولم تفطن قيادات هذه الحركات إلى أن الفضاء العام يخضع لدوافع دنيوية محضة وثيقة الصلة بقدرتها على تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية بصرف النظر عن مرجعياتها العقيدية والفكرية، غير أن هذه الحركات أصرت، على تفعيل الخطاب المثالى جنبًا إلى جنب مع خطاب واقعي، بدا أنه يتسم بالضعف الشديد وقلة الخبرة، وفى المقابل فإن القوى المدنية فى بلدان الربيع العربى باتت تشعر بأن هذه الحركات تختزل الصراع السياسى فى صراع حول الدين والهوية، ببساطة فإن تجربة الحكم للإسلام السياسى أظهرت حصيلة متواضعة فى كل من تونس والمغرب، ومخيبة للآمال فى مصر.
إن الحقيقة الواضحة أن الجماهير نجحت فى إزاحة أنظمة تسلطية تمسكت بالحكم لسنوات طويلة؛ فخلعت بن على ومبارك والقذافى من سُدة الحكم، وهو ما غير المعادلة السياسية على نحو دراماتيكى بالنسبة لحركات الإسلام السياسى فى العالم العربى، وراح الإسلاميون يلعبون دورًا قياديًا فى ثورات ٢٠١١، إلا أن الأحزاب الإسلامية التى وصلت إلى سدة الحكم، واجهت إشكاليات كبرى عصفت أو كادت تعصف بها بشكل كامل، دون بلورة سياسات بديلة أو استراتيجيات مضادة، لزيادة مناعتها وإطالة أمد بقائها فى الحكم، وهو ما يعود إلى اعتبارات عديدة تتمثل فى التحول السريع من المعارضة إلى السلطة دون توافر خبرة كافية بشئون الحكم، فضلا عن اتساع الفجوة بين الرؤى النظرية التى تطرحها والسياسات العملية التى تنفذها، على نحو خلق مناطق رمادية كثيرة فى الأداء، والتأثيرات المضاعفة لـذهنية الإنكار، وتكرار أخطاء الأنظمة السابقة، على نحو يطرح دلالة مهمة مفادها أن التعثر هو الملمح الحاكم لأداء هذه الأحزاب فى حال وصولها إلى السلطة.


أزمات متعددة
فى مرحلة ما قبل الثورات العربية، وتحديدًا فى عقد التسعينيات من القرن الماضي، شهدت الحركة الإسلامية فى الجزائر تراجعًا كبيرًا بعد اندلاع الصراع بين النظام و«جبهة الإنقاذ الإسلامية» على خلفية إلغاء نتائج الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية ١٩٩١، فيما وصلت حركة «طالبان» إلى السلطة فى أفغانستان، وتسببت فى أزمات متعددة داخلية وخارجية إلى أن انتهى الأمر بسقوط نظامها عقب نشوب الحرب الأمريكية على أفغانستان فى عام ٢٠٠١، بينما تبنى نظام الرئيس السودانى عمر البشير سياسات أدت إلى تصاعد حده النزعات الانفصالية وتعرض السودان لضغوط دولية غير مسبوقة، وفى مرحلة ما بعد الثورات العربية، واجهت الأحزاب الإسلامية حزمة من التحديات، هى التى أدت إلى سقوط حكم جماعة «الإخوان» فى مصر، وهو السيناريو الذى تكرر فى حالة حزب «النهضة» التونسى الذى يواجه حالة رفض شعبي، سعى إلى احتوائها عبر الدخول فى حوار وطنى مع القوى السياسية الأخرى والتوافق على تشكيل حكومة جديدة. لكن يبدو أن عبدالإله بنكيران رئيس الوزراء المغربى أمين عام حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي، قد انتبه إلى هذا الخطر، وهو ما دفعه إلى مطالبة أعضاء حزبه بضرورة التحلى بالواقعية السياسية، فى حين بدأ حزب «العدالة والتنمية» فى تركيا يواجه أزمات عديدة كان آخرها قضية الفساد التى أدت إلى استقالة عدد من وزراء الحكومة والانخفاض الحاد فى سعر الليرة التركية وزيادة معدلات التضخم بشكلٍ غير مسبوق.
إشكاليات متباينة
تتنوع الإشكاليات التى واجهت الأحزاب الإسلامية بعد وصولها إلى السلطة، بين إشكاليات هيكلية بنيوية تتعلق بالأحزاب ذاتها، وأخرى ثانوية ترتبط بنمط تفاعل تلك الأحزاب مع البيئة الخارجية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
دفعت الثورات العربية بتلك التيارات الإسلامية بشكلٍ سريع ومفاجئ، إلى الحكم، حيث لم تكن مستعدة لتلك المهمة، وهو ما حدت فى حالتيْ مصر وتونس، إذ وصل حزب «الحرية والعدالة» فى مصر وحزب «النهضة» فى تونس إلى السلطة بشكل مفاجئ دون استعدادات كافية أو تحضيرات مناسبة تتعلق بتجهيز الكوادر القادرة على إدارة دفة السلطة.
كانت «المظلومية التاريخية» التى تعرضت لها التيارات الإسلامية أحد أبرز الآليات التى روجت لها تلك التيارات فى مرحلة السعى للوصول للسلطة، بشكل أكسبها تعاطفًا شعبيًا، دفع الكثيرين إلى انتخاب كوادرها لقيادة المرحلة الجديدة، لكن مع وصولها إلى سدة الحكم، بدأت فكرة «المظلومية التاريخية» تخفت تدريجيًا.


المفاهيم النظرية والسياسات العملية
تبنت تيارات الإسلام السياسى حزمة من المفاهيم النظرية ذات الصبغة الدينية قبل الوصول إلى السلطة، فى مقدمتها قضية تطبيق الشريعة الإسلامية، لكن بعد الوصول إلى السلطة بدأت تلك المفاهيم فى التغير، وتجلى ذلك فى العديد من السياسات أبرزها الاعتماد على القروض الخارجية فى مصر، وعدم تبنى إخوان تونس الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسى للتشريع فى الدستور التونسي.
سياسة الإنكار
بعد الفشل الذى واجهته تلك التيارات فى دولها وتصاعد موجة الاحتجاجات المطالبة برحيلها، ظلت تلك التيارات فى حالة إنكار كامل لإمكانية زوالها أو حتى زعزعة حكمها، وقد تجلى ذلك فى حالة «الإخوان» فى مصر، قبيل ثورة ٣٠ يونيو. ولعل حالة الإنكار – والتى لا تزال مستمرة حتى الآن - هى التى أدت إلى تفاقم الأوضاع حتى وصلت إلى عزل الرئيس الإخواني، لكون الجماعة كانت تستبعد فكرة السقوط بشكل كامل، وهو ما دفعها لعدم تقديم أى تنازلات والإصرار على مواقفها، كما لم تقدم الأحزاب الإسلامية التى وصلت إلى السلطة حلولًا جذرية للأزمات التى تواجه المجتمعات العربية.
تبنى الاستراتيجيات السابقة
اتبعت الأحزاب الإسلامية نهجًا سياسيًا يعتمد على تهميش التيارات السياسية الأخرى فى عملية صنع القرار ولكن بنسب متفاوتة؛ إذ سيطرت «الإخوان» فى مصر بشكلٍ شبه كامل على عملية صياغة بنود الدستور فى عام ٢٠١٢ واستأثرت بالمناصب التنفيذية والحكومية والمحلية، وقد تكرر ذلك بدرجة أقل فى تونس، إذ لم تستأثر حركة «النهضة» بشكلٍ كامل بالحكومة بل دخلت فى ائتلاف حكومى ثلاثى مع كل من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي، وتركت رئاسة الجمهورية لمنصف المرزوقي، ورئاسة المجلس التأسيسى لمصطفى بن جعفر، إلا أن ضعف شعبية تلك الأحزاب أفرغ فكرة التحالف من مضمونها، حيث ظلت حركة «النهضة» هى المتحكم الأول فى عملية صنع القرار.
كما اعتمدت الأحزاب الحاكمة على الأداة الأمنية لمواجهة قوى المعارضة، وهو ما طبقته «الإخوان» فى مصر، وهو النهج ذاته الذى اعتمدت عليه حركة «النهضة» فى تونس، ولعل هذا المنهج الذى يعتمد على العنف والحشد المضاد يرتبط بشكلٍ مباشر بعدم قدرة تلك التيارات على التأقلم مع الخروج من دائرة المعارضة إلى دائرة السلطة والحكم.


سيناريوهات محتملة
يتأرجح مستقبل تعامل الأحزاب الإسلامية التى لا زالت فى السلطة مع تلك الإشكاليات بين سيناريوهين رئيسيين: الأول، سيناريو تدارك الأخطاء، وهو المسار الأقرب لحالة حزب العدالة والتنمية المغربي، والذى اتخذ خطوات عديدة فى هذا السياق عبر إدماج حزب التجمع الوطنى للأحرار- والذى يعد الغريم السياسى لحزب العدالة والتنمية - فى الحكومة بعد انسحاب حزب الاستقلال منها.
والثاني، سيناريو المراوغة والاستمرار، والذى يعتمد على أسلوب المماطلة ويراهن على عنصر الزمن، ومدى قدرة المعارضة على الصمود، وهو المسار المرجح لحالة تونس والسودان. إذ إن حزب النهضة التونسى ما زال مصرًا على تكرار الأخطاء ذاتها خلال جولات الحوار الوطني، وهو ما يمكن أن يزيد من معدلات الاحتقان الشعبى فى تونس. وفى السودان أيضًا يبدو أن حزب المؤتمر الوطنى الحاكم الإسلامى يسير على النهج ذاته عبر اعتماده ليس فقط على العنف فى التعامل مع المعارضة بل أيضًا على استهداف الإصلاحيين بداخله عبر فصلهم من الحزب.
لكن سقوط نظام الإخوان فى مصر أحدث صدمة زلزالية لتيارات الإسلام السياسى فى العالم العربي، كان متوقعا أن ينهار(حكم المرشد) لعوامل عدة بعضها يرتبط بنهج الجماعة التى لا تملك الخبرة الكافية فى إدارة شئون الدولة، وأخرى لها علاقة باستراتيجية التمكين واللهفة الشديدة لأخونة المؤسسات الرسمية...إن فشل الإخوانية المصرية، الحركة الأم، دفع ويدفع الحركات الإسلامية التى اختارت العمل السياسى إلى إعادة وربما إجراء مراجعات جادة تلافيا لتكرار السيناريو المصري.
وفى هذا السياق يتضح أن الأحزاب الإسلامية التى جاءت إلى السلطة فى تونس ومصر والمغرب، واجهت ولو كان ذلك بنسب متفاوتة تحدياتٍ كبرى أهمها: أنه ينظر إلى الحركات الإسلامية على أنها حركات احتجاجية بالدرجة الأولى، أى أنها، وبسبب ظروف القمع والتسلط التى مورست ضدها منذ الاستقلال تدربت ولمدة طويلة على طرق الاحتجاج الاجتماعى والخطاب السياسى الحماسى/الانفعالى حول فساد الأنظمة واستبدادها، لكنها بالمقابل تفتقر إلى الخبرة فى ميادين الإدارة وتسيير الشأن العام، كما أنها غير موجودة فى دواليب الإدارة أو ما أصبح يسمى بـ«الدولة العميقة»، لا سيما ما يتعلق منها بإدارة المرحلة الانتقالية، بالنظر لما تتطلبه من عمل سياسى هادئ ودءوب نحو توسيع دائرة المشاركة لأكبر قدر من الفعاليات المجتمعية والتيارات السياسية.


تبعثر القوى السياسية
وأفرز الربيع العربى خريطة سياسية واسعة ومتعددة، تتسم بغياب التقارب والانتظام فى تكتلات سياسية يجمعها حدٌّ معينٌ من التوافق حول قضايا وسياسات، وتمتد هذه الظاهرة إلى كافة التوجهات السياسية سواء الإسلامية منها أو العلمانية، الأمر الذى يضاعف من تعقيدات المرحلة، و«يزيد من احتمالات الانزلاق نحو الطائفية والتعصب بدلا من التوافق والإجماع، فكثير هى الثورات التى فشلت وانحرفت عن مسارها أو أفرغت من مضمونها وتحولت، إلى مواجهات مدمرة، وتقع المسئولية على النخب الحاكمة الجديدة لضبط الحراك السياسى الاجتماعى لمرحلة ما بعد الثورة».
وورثت الأحزاب الإسلامية القادمة إلى السلطة مؤسسات وأجهزة إدارية من صنع الأنظمة السابقة وعلى أسس شخصية، وبالتالى فهى تشكل فى الواقع استمرارية لأدوات وأجزاء خطيرة من مكونات النظم السابقة، وتبرز خطورة هذه الوضعية فى عدة أشكال أهمها امتداد الظاهرة إلى مختلف مفاصل الدولة، صعوبة إن لم نقل استحالة معالجتها فى ظرف وجيز، واحتمال تعاونها مع القوى المعادية فى الداخل والخارج.
وردد الإسلاميون شعار (الإسلام هو الحل)، وقد سمح لهم هذا الشعار الواسع جدًا بتفادى تقديم مواقف واقتراحات محددة حول قضايا اجتماعية واقتصادية حيوية، لكن ومنذ تسلمهم السلطة، وجد الإسلاميون أنفسهم أمام وضع اجتماعى واقتصادى «حارق»، فقد اقتصر خطابهم على امتداد سنوات على تقديم وعود واسعة، لكنهم الآن مطالبون بتجسيد هذه الوعود ميدانيًا وبسرعة، وفى هذا الصدد يؤكد جيلبير آشكار على «أن الإسلاميين ليس لهم أى حلول بديلة لمشاكل بلدانهم الاجتماعية والاقتصادية... وهم يمارسون رأسمالية متطرفة برهنت على فشلها ومحدوديتها فى ظل الأنظمة الاستبدادية العربية السابقة»، حيث يواجه هذا النموذج بتركة ثقيلة، وتحديات كبرى وجسيمة داخلية وخارجية منها: «أن اقتصاديات الدول المعنية تعتمد على الخارج بقوة بسبب المعونات والتبعية للمؤسسات المالية الدولية، وفى مقدمتها صندوق النقد الدولي، كما يواجه الإسلاميون تراجعا خطيرا جدا فى مؤشرات النمو لاقتصادى وصلت إلى ما دون الصفر فى تونس مثلا»، وتدهورت فى مصر إلى حافة الإفلاس وشهدت الساحة المغربية احتقانا متزايدًا.


الاصطفاف السياسى وغياب الثقة
تشهد الساحة السياسية فى بلدان الربيع العربى ولا سيما فى مصر وتونس اصطفافا حادًا يفصل التيارات الإسلامية من جهة والتيارات العلمانية والمدنية عمومًا من جهة ثانية، ويتمحور الجدل السياسى بين الطرفين حول العديد من الاتهامات والاتهامات المضادة، وفى هذا السياق تتلقى التيارات الإسلامية اتهامات قوية بالسعى للتفرد بالسلطة وهيمنة الحزب الحاكم على الدولة (مصطلحات (أسلمه) الدولة و(أخونة) الدولة كما يقال فى مصر)، وبالتالى عودة النظام السابق – يقول المعارضون لهم - تحت لافتات جديدة.
قضايا خلافية
يطرح نهوض الإسلاميين الجدد مع الربيع العربى مشاكل جوهرية، تكمن فى مدى احترام أسس العقد الاجتماعى والدولة اللذين يمكنانهم من التعبير عن آرائهم والوصول إلى البرلمانات والسلطة التنفيذية، ففى تونس ومصر كما فى غزة ومناطق أخرى، هناك مزج بين شرعية هذه التيارات وبين حقّها فى تغيير أسس الديمقراطية والمواطنة، فى ظل صمت هذه التيارات حول هذا الالتباس الخطير.
واتسم الخطاب الإسلامى الصادر حول العديد من قضايا تسيير الشأن العام بالغموض أحيانا والازدواجية أحيانا أخرى، وفى هذا الإطار، يستمر خطاب الأحزاب الإسلامية القادمة إلى السلطة بعدم التمييز الواضح بين مفهومى السلطة والدولة، ذلك أن ما هو مخول بممارسته حسب العملية الديمقراطية هى الأفعال والحقوق المنوطة بالسلطة التنفيذية فحسب، وبالتالى فهى لا تشمل كل ممارسات أجهزة الدولة المختلفة.
الشيء الآخر غير المدرك فى الوعى السياسى للتيارات الإسلامية الجديدة، هو التمييز الواجب بين السلطة السياسية فى الأجهزة التنفيذية وبين سلطة الهيمنة على الحقل العام.
ومكنت الانتخابات فى مصر وتونس الأحزاب الإسلامية (حركة الإخوان فى مصر والنهضة فى تونس) من الحصول على حصة كبيرة من الهيئات المنتخبة، وجعلتهم فى مواقع السلطة والحكم، لكن هل يخدم هذا الفوز فكرة التعددية والتوافق ويسمح بالتداول السلمى على السلطة؟.


احترام الحقوق والحريات
وأصبحت مسألة الحقوق والحريات وكيفية تعامل الإسلاميين معها محور انشغال جل الأوساط السياسية والأكاديمية والإعلامية سواء فى البلدان المعنية وفى مقدمتها تونس ومصر أو فى بقية البلدان العربية.
فتيار الإسلام السياسى لم يعرف كيف يستثمر بعض نجاحات مثيرة حققها فى السبعينيات والثمانينيات إلى انتصارات حقيقية عبر العقد الأخير من القرن العشرين، حتى عندما نجح فى الوصول إلى الحكم فى الألفية الثالثة كما حدث فى النموذج المصرى و«نتيجة استئثار الإخوان بالسلطة، تمثلت فى عزل الجماعة نفسها عن الواقع معتقدة أن ضعفها امتداد وجودى لضعف أهل الحق واستهدافهم على مر التاريخ، وتبعًا لذلك كانت عمليتا الأخونة والتمكين بمثابة الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق التاريخى، ويعتقد أن الرغبة الجامحة فى تملك السلطة أجبرتهم على تكوين جبهات سياسية على أساس عقيدى وأيديولوجى معًا، فتم استبعاد كل من يختلف معهم من حيث هذه الرؤية الثُنائية».
لذا فقد خرجت الاحتجاجات الشعبية مناهضة للرئيس محمد مرسى يوم ٣٠ يونيو، وما تبعها من خطوة الإطاحة به فى الثالث من يوليو من العام نفسه، ومع تزايد أعمال العنف فى الشارع المصرى والعمليات الإرهابية عقب عزل «مرسي» من الحكم، أعلنت الحكومة الانتقالية المصرية فى الخامس والعشرين من ديسمبر ٢٠١٣ الجماعة (تنظيمًا إرهابيًّا)، كما تم حل الجماعة وذراعها السياسى حزب (الحرية والعدالة).
وقد سعت الدولة المصرية - إقليميًا ودوليًا - إلى تصنيف الجماعة (تنظيمًا إرهابيًا) ونجاحًا لتلك المحاولات إقليميا صنفت السعودية الجماعة (تنظيمًا إرهابيًا) فى مارس من عام ٢٠١٤، وتوعدت بمعاقبة من ينتمى للجماعة، أو يقدم لها يد العون (المادى والمعنوي)، أو يتعاطف معها، وهو الأمر الذى تبنته دولة الإمارات، لكن الموقف الإماراتى لم يكن وليد التصنيف المصري، بل كان منذ بداية بزوغ نجم الجماعة سياسيًّا بعد نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١.