الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الجماعة الصحفية.. بين التسييس والتمهين!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأستاذ.. أقصد القيمة الوطنية والمتعددة المواهب وغريزة العطاء.. الأستاذ محمد حسنين هيكل صاحب المقام الرفيع فى ساحة الكلمة قال كلمات ترتقى لمرتبة الخلود، صحيح أن كلماته ديباجة مشرقة وأسلوب محكم ودقيق وفى غيابه الأبدى حاضر بروح وفكر الجورنالجي.
الأستاذ له كلمة ترتقى لدرجة الحكمة الإنسانية، حيث يقول بأن الكلمة المكتوبة على الورق باقية، والمسموعة عابرة والمكهربة على الكمبيوتر فوارة وهى مثل كل فوران متلاشية.. ليست كلمات لكنه دستور راسخ الثبات.
أيام ويشهد العالم كله الأسرة الصحفية وهى تعرف طريقها وترص إيقاع مسيرتها رافعة أعلامها معلنة عن عنوانها، تتوج لقاءها بالتمسك بتقاليدها وثوابتها.
أيام وتتأهل لاستئناف رسالتها، فهى تحمى من منطلق التماسك المهنى تصون البناء الصحفى ولا تبدد، تؤدى رسالة الديموقراطية والمصداقية والحرية المسئولة والعطاء المهني.
إن هذا اليوم ليس مجرد اجتماع على اختيار مهنى أو جدول أعمال أو محاولة لإعادة اكتشاف النفس أو تفاعل بين الأجيال، لكن المفهوم الأعمق والأعم والأشمل أنه ضبط بوصلة المهنة لكى تستطيع تأدية واجبها نحو هداية المجتمع من خلال مرآة الصحافة وسط هذه المتغيرات التى تمر بها المهنة وخصوصيتها، إنها المهنة الوحيدة التى تؤثر فى خمسين مهنة وحرفة على الأقل، لذلك فإن كلمة الصحفى اليوم تهدف لإعادة (تموضع) محسوبة ومدروسة لتجديد الواقع وفك ما تتعرض له لوغاريتمات أو تقلصات فى العطاء تحت أى مسمى، لأن الاسترخاء المتبادل الذى يخصم من رصيد الكلمة سلبًا ومن رسالة الصحفى التى يجب أن نفاخر بها والمقدرة على تخطى التحديات التى واجهتها المهنة التى تعرضت للعواصف لدرجة أنها حاولت أن تقضى على روح (الأمن المهني) لكن الإيمان بصمود أصحاب الرسالة، فهى روح استطاعت أن تضع أبناءها فى حالة استنفار ويقظة متجددة لتحقيق التوازن للحفاظ على المقومات وذاته.
هذه الجماعة الصحفية مطالبة أكثر من أى وقت مضى أن تبرهن للوطن على تمسكها بثوابت فى مقدمتها القانون 76 لعام 1970م وهو آخر قانون أصدره الرئيس جمال عبدالناصر، وأمام ما يطرح من مبادرات تحت دعاوى التطوير والتجديد من التعديلات (المودرن) فإن الإقدام على أى خطوة فى هذا الاتجاه سيعرض البناء النقابى المهنى لزلزال غير محسوب العواقب وبكل الأمانة فإن أجيالنا من الشباب عليهم أن يدركوا بكل المعايير المهنية والفقهية ومعايير المراكز القانونية فإن هذا القانون من أفضل قوانين الصحافة فى العالم إذا تمت معايرته بمدى صموده وثباته فى مواجهة الأزمات التى تعرضت لها المهنة، ويكفى للتدليل على أن التشريع الحالى صمد أمام خمسة دساتير وثلاثة إعلانات ولم ينهر ولم يحتج لترميم أو إصلاحات جوهرية ويرجع إلى عبقرية النقاء بالجماعة الصحفية بكل فصائلها حول القانون فى عهد الأسطورى كامل زهيرى، فهو لم يصغ المواد، لكن الصحفيين جميعًا شاركوا بإخلاص فى هذه الوثيقة ولابد أن نذكر جهود كمال الحناوى عضو المجلس ووكيل مجلس الأمة وقتها الذى قدم مذكرة تفسيرية واستطاع أن يقنع رئيس المجلس وأن يكون محاميًا للصحفيين داخل البرلمان وكان الإصرار هو سيد الموقف واستطاعت هذه السفينة رغم الأمواج العاتية داخل الاتحاد الاشتراكى من عرقلة التشكيل ومن أهمها أن النقابة سيدة جداولها.. ورغم ذلك ظلت الحروب ضد هذا الميثاق المهنى الذى استطاع أن يحصن نفسه بسياج أعضائه، حيث كانت العضوية يترأسها رئيس مجلس استئناف القاهرة، وهذا فخر للجدول، لكن عملية القيد فى تشكيلها كانت تضم أعضاء من وزارة الإرشاد ولا يمثل النقابة إلا عضوان، بمعنى أن النقابة تمثل أقلية، ومع ذلك القيد أحيط بطقوس راقية، حيث يصدر القاضى بالمواجهة كنطق الأحكام أعلى درجات التقاضى وينشر الحكم بالصحف وهو تقدير من المستشارين للمهنة مع الأعباء المتزايدة.
إذا كانت هناك أحاديث حول ضرورة تعديل القانون لأنه كتب بلغة عهد اشتراكى وصياغة التنظيم الواحد، فإننى أرجو من زملائى التريث أمام هذه القضية حتى لا نسير على طريق الألغام التى زرعت لنا على طريق المهنة وبريق التعديل لا يجب أن يطغى على جوهر وثوابت المهنة وإذا كان هناك اتحاد اشتراكى أو الإرشاد، فهى مفاهيم دخلت فى ذمة التاريخ وعطلت نفسها بنفسها والتشريع كما يؤكد الفقهاء يقاس بآلياته وليس بنصوصه، أما الفكر الاشتراكى فلا يتصادم مع الفكر الإنسانى فهو منهج مجتمعى قبل أن يكون تشريعيا والاشتراكية ليست بشعاراتها ولكن بتطبيقها.
علينا أن ندرك كمجتمع اندفاعنا لفكر اقتصاد السوق فى ساحات الإنتاج أدت إلى ما عرف بالخصخصة، وربما أن قانون نقابة الصحفيين كان حائط السد لنقطة التحول هذه، والتى حرست المسيرة الصحفية من هذا الاندفاع غير المحسوب، وإن تجربة الجماعة فى التشريع أدت لعكس الهدف وأقرب ما تعرضت له عاصفة قانون بعد منتصف الليل الذى أطلق عليه (الازدراء)، وهبت الجميعة العمومية ثائرة فى موقف شجاع، لكن الأسلوب الاحترافى فى الالتفاف على صياغة التشريعات جاءت على شكل قانون ينظم الصحافة وتمت صياغته بطريقة صورة كلمات «حق أريد به باطل»، وبفضل هذا القانون تم التكملم وإطلاق أيدى الإدارة فى المنشآت وأصبحت القيادة المهنية للصحافة (مؤبدة) وليست مؤقتة وهو الذى تسبب فى تجريف المهنة صحفيًا وإداريًا واقتصاديًا وسبقه ما قام به الرئيس السادات عقب بيان الأدباء، حيث أمر بنقل عشرات الصحفيين لوظائف إدارية فى مؤسسات تابعة للدولة ربما تراجع فى قراره قبل 6 أكتوبر بأيام لكن الشرخ للجدار المهنى قد وقع، وبالمناسبة الصحفيون تعرضوا أيضًا لنقلهم فى الستينيات مثل المبدع عبد الرحمن الخميسى الذى نقل إلى مؤسسة المطاحن والمخابز والخميسى قيمة وطنية وسياسية وفكرية وطراز إنساني.
إذا تحدثنا عن الضمانات فهى فى قانون النقابة لكن بالمعيار المهنى والقانونى لكن ماذا تفعل الجماعة أمام القرار السياسى وهو أمر انتهى، وهذا يجعل المزايدة على هذه النقطة لا جدوى منها.. وأن ما يتردد من عودة السلطة بالدستور فإن أبناء المهنة عليهم أن يتنفسوا الصعداء بإلغاء هذه الفكرة التى جعلت العالم كله ينظر بعين الدهشة بشأن اعتبار الصحافة إحدى سلطات الدولة.. صحيح سلطة رابعة لكن بالمعنى المجازى وليس المدلول الفقهى والتفكير فى إحيائها باعتبارها أن تكون طوق نجاة للصحافة اليوم.
إن أول مهمة على الصحفى أن يدرك قيمة المسئولية نحو المهنة أولًا فعليه مهام كبرى تجاه بلده فإن اهتز القلم بيد الصحفى ارتعش المدفع بيد المقاتل... ومن أبجديات القناعات أن الصحفى يدرك أنه صحفى ويفخر بذلك ولا يجب أن يتوارى مع لقب مهنى غير الصحافة، فنحن لسنا إعلاميين لأن الإعلام له ساعاته وساحاته.
قانون النقابة لا يستخدم عبارة الكاتب الصحفى لكنه يستخدم الصحفى المحرر والمصور والمترجم والمصحح.. لا نريد أن يتأرجح الصحفيون بين متاهات التسييس أو التمهين لكن علينا إدراك قيمة رسالتنا وأن ندرك أن أول مدخل لتحقيق ذاتنا الوطنية يكون من البوابة المهنية.