الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

في مئوية ثورة 1919.. نساء مصريات هددن عرش بريطانيا

ثورة 1919
ثورة 1919
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«فإذا بهن اتخذن من سود الثياب شعارهن وأخذن يجتزن الطريقَ
ودار سعد قصدهن يمشين فى كنف الوقار وقد أبَنَّ شعورهن
وإذا بجيش مقبل والخيلُ مطلقة الأعنة
وإذا الجنود سيوفُها قد صُوّبتْ لنحورهن»
تلك الكلمات العذبة كتبها حافظ إبراهيم، الملقب بشاعر النيل، فى منتصف شهر مارس ١٩١٩، يصف فيها دور المرأة المصرية فى ثورة ١٩١٩، حين تصدرت هدى شعراوي، زوجة على شعراوى باشا، ثالث الثلاثة الذين قابلوا المندوب السامى البريطاني، مطالبين باستقلال وطنهم. كانت المظاهرة النسائية فى صباح العشرين من مارس، أول ما انطلق فى سياق الاحتجاج على اعتقال سعد زغلول باشا ومحمد محمود باشا وحمد الباسل باشا وإسماعيل صدقى باشا، ونفيهم إلى جزيرة مالطا.
كانت هذه المظاهرة هى الأولى التى سرعان ما لحقتها غيرها من مظاهرات نسائية، انتقلت عدواها من الطبقة الأرستقراطية إلى شرائح الطبقة الوسطى، ومنها إلى نساء الطبقة العاملة، اللاتى سقط منهن شهيدات فى ثورة ١٩١٩؛ فقد خرجت السيدات والآنسات فى مظاهرات حاشدة تعبيرًا عن الاحتجاج على ما أصاب الأبرياء من القتل فى المظاهرات السابقة، كانت الأمور أكثر بريقا فخرجت المتظاهرات فى حشمة ووقار، وعددهن يقرب من الثلاثمائة من أكبر عائلات مصر، وأعددن احتجاجًا مكتوبًا ليقدمنه إلى معتمدى الدول، طالبن فيه بإبلاغ احتجاجهن على الأعمال الوحشية، التى قوبلت بها الأمة المصرية.
بينما كانت تسير هؤلاء النسوة كان الجنود الإنجليز يقفون لمنع موكبهن من العبور، فحين وصلت المتظاهرات إلى شارع سعد زغلول «ضريح سعد زغلول حاليًا»، قاصدات بيت الأمة ضربوا نطاقا حولهن ومنعوهن من السير، وسددوا حرابهم إلى صدورهن، وبقين هكذا مدة ساعتين تحت وهج الشمس الحارقة، بل تقدمت هدى شعراوى وهى تحمل العلم المصرى إلى جندي، وقالت له بالإنجليزية نحن لا نهاب الموت، أطلق رصاصك علينا مثلما فعلتم فى «مس كافيل» فخجل الجندي، وتنحى للسيدات عن الطريق وجعلهن يعبرن -ومس كافيل ممرضة إنجليزية، أسرها الألمان فى الحرب العالمية الأولى وأعدموها رميًا بالرصاص، وكان لمقتلها ضجة كبيرة فى العالم.
وظهرت المشاركة الإيجابية النسائية فى صورة لم يعتدها المجتمع، بخروجهن لأول مرة فى المظاهرات الحاشدة والمنظمة إلى الشوارع فى ثورة ١٩١٩، وكانت أول شهيدتين فى هذه الثورة السيدتين حميدة خليل وشفيقة محمد، وفى عام ١٩٢٠ تم تشكيل لجنة الوفد المركزية للسيدات، نسبة لحزب الوفد بزعامة سعد زغلول، وانتخبت السيدة هدى شعراوى رئيسًا لها.
ومن الأسماء التى وقّعت على أول بيان احتجاجى نسائى بحسب ما ذكره الرافعى فى كتابه عن ثورة ١٩١٩ وفضلن الانتساب إلى الزوج أو الأب الآنسة كريمة محمود سامى البارودى، ابنة محمود سامى البارودى، باستثناء هدى شعراوى التى آثرت أن تذكر اسمها مقرونًا بـحرم على شعراوي، أما صفية زغلول فوقعت باسم حرم سعد زغلول باشا، وكذلك حرم قاسم أمين وجولييت صليب؛ ويذكر لمعى المطيعى فى بحثه برؤية نقدية لشخصيات ثورة ١٩١٩ أن السيدة صفية زغلول واحدة من أبرز الشخصيات، التى أسهمت إسهامًا عظيمًا فى إشعال جذوة الثورة، فقد شاركت فى تكوين هيئة وفدية من النساء عام ١٩١٩، بهدف تحقيق المطالب القومية للمرأة المصرية.
هناك كذلك حميدة خليل، وهى واحدة من اللاتى خرجن لكى تقود مظاهرة نسائية من حى الجمالية تترأس المظاهرة بهتافات أمام الاحتلال البريطاني، وتطالب بعودة الزعيم المنفى سعد زغلول، وأمام مسجد الإمام الحسين أصيبت برصاصة فى صدرها يوم ١٦ مارس ١٩١٩؛ لتأتى بعدها شفيقة محمد التى كانت ضمن المشاركات فى مظاهرة نسائية إلى مقر المعتمد البريطانى آنذاك ملن سيتهام وبالقرب من المقر وجدن حصارًا من الإنجليز لإجبارهن على الابتعاد ولم تهدأ شفيقة بل اندفعت وهى تحمل العلم المصرى فى يدها وبيان الاحتجاج فى يد أخرى ولكن سرعان ما أصيبت برصاصات فى صدرها وبطنها أنهت حياتها؛ أيضًا انضمت إلى قائمة اللواتى هددن عرش بريطانيا فى مصر زينب محمد مراد التى عُرفت فى مصر بـ«سيزا نبراوى» وتعتبر من رائدات الحركة النسائية، حيث اشتركت فى تنظيم وقيادة أول مظاهرة نسائية ضد سلطات الاحتلال الإنجليزي.

وفى ١٣ ديسمبر عام ١٩١٩ اجتمع عدد كبير من نساء مصر فى الكاتدرائية المرقصية، وقدمن احتجاجًا شديد اللهجة على ما يجرى من سلطات الاحتلال. وفى ٩ مارس ١٩٢٠ اجتمعت السيدات فى منزل سعد زغلول، وألهبت أم المصريين، صفية زغلول، حماس السيدات، وأكدن مطالبهن القومية، التى كان على رأسها تعليم المرأة حتى مرحلة الجامعة، والسماح لها بالانخراط فى العمل السياسي، وتكوين الأحزاب، والإسهام فى دفع عملية التنمية والإصلاح.
كانت صفية زغلول ابنة باشا وزوجة باشا، فهى ابنة مصطفى فهمى باشا، رئيس وزراء مصر الأسبق، كان يعرف عنها الذكاء والثقافة فكانت لها دور مؤثر خلال فترة ثورة ١٩١٩ حيث تزعمت المظاهرات النسائية وطالبت مع الآلاف من المصريين بجلاء الاحتلال وتصدت مع باقى المصريين لقوات الاحتلال حتى وصل الأمر بها إلى أن تطلب من قوات الاحتلال أن تنفى مع زوجها سعد زغلول ولكن تم رفض مطلبها.
لم يكتب الله لها أن تنجب ولكن بسبب حب المصريين لها أطلقوا عليها لقب «أم المصريين»، وأطلق عليها هذا اللقب عندما ألقت بيانا على جميع المتظاهرين من قبل السكرتيرة الخاصة بها، ونطق أحد المسئولين عن المظاهرات هتافات ومن ضمنها قوله «تحيا أم المصريين».
شاركت صفية زغلول فى الكثير من المواجهات التى حدثت مع الإنجليز بجانب سعد زغلول، وكان لها أثر كبير فى ظهور العديد من الشعارات والتنديدات، بالإضافة إلى قيام المصريين بتتويجها بأم المصريين، بعد رحيل سعد زغلول عن مصر، وبعد ذلك تم إصدار بيان قُرأ على عدد كبير من المتظاهرين، والذى ينص على «إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعدًا ولسان سعد فإن قرينته شريكة حياته السيدة صفية زغلول تُشهد الله والوطن على أن تضع نفسها فى نفس المكان الذى وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن، وأن السيدة صفية فى هذا الموقع تعتبر نفسها أمًا لكل أولئك الأبناء الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الحرية؛ وكان خروج النساء فى التظاهر أمرا غير مألوف فى ذلك الوقت ولكن بسبب إعادة دور المرأة فى العمل السياسي حتى بعد وفاة زوجها سعد زغلول استمرأت فى العمل العام وكان لها دور فى المشهد السياسى خلال فترة الثلاثينيات حتى وصل الأمر لأن تتلقى تهديدات ولكن هذا لم يمنعها واستمرت حتى وفاتها.
لقبت باسم «صفية زغلول» نسبة إلى اسم زوجها، كذلك لقبت بـ«أم المصريين» إثر مشاركتها فى المظاهرات النسائية إبان ثورة ١٩١٩، كان لها دور بارز فى الحياة السياسية المصرية، وكانت صاحبة موقف هى وزميلاتها هدى شعراوى من ارتداء الحجاب، إذ وقفن على أعتاب ميدان التحرير ومعهن أخريات، فى مظاهرة لخلع الحجاب عام ١٩٢٣، وهو ما كان بداية لمرحلة جديدة فى زى المرأة المصرية.
وبحسب كتاب «الحركة النسائية فى مصر بين الثورتين» للدكتورة آمال السبكى، فإن صفية زغلول كانت أول سيدة تنزع الحجاب لما عادت مع زوجها من منفاه، بينما كانت هدى شعراوى أول سيدة تعلن السفور بعد صفية زغلول؛ وتوضح الكاتبة أن الزعيم الراحل سعد زغلول كان له موقف حاسم تجاه الحجاب فعندما عاد عام ١٩٢١ من منفاه واستقبلته مصر كلها استقبال الفاتحين، وكانت معه صفية زغلول التى قالت له قبل وصول الباخرة إلى ميناء الإسكندرية، إنه حان الوقت لكى ننزع البرقع الأبيض؟ فالتفت سعد زغلول إلى شابين من أنصاره هما واصف غالى وعلى الشمسى وسألهما رأيهما فعارضا أن تبدأ صفية زغلول بنزع حجابها، لكن زعيم ثورة ١٩١٩ رفض الانصياع لذلك، فقال: هذه ثورة! ارفعى الحجاب، ورفعت صفية زغلول الحجاب، وخرجت أمام الجماهير للمرة الأولى دون البرقع الأبيض «الحجاب».