الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"استقالة ظريف".. ملالي إيران يخدعون الغرب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعكس المشهد الإيرانى حجم المأزق الذي يواجهه نظام الملالي الحاكم، بعد تردى شعبيته داخليًا، وتضييق الخناق عليه دوليًا، وهذا ظهر بوضوح فى الاستقالة المفاجئة التى تقدم بها وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، والتى رفضها الرئيس حسن روحاني.



فالاستقالة سواء كانت تكتيكًا أو حقيقة، تكشف بما لا يدع مجالًا للشك، أن سفينة الحكم الدينى المتشدد فى إيران أوشكت على الغرق، وأن الخيارات أمام حكام طهران أصبحت ضئيلة للغاية، إن لم تكن منعدمة، خاصة أن الرهان على أذرعهم وميليشياتهم خارج الحدود، التى كانوا يعولون عليها، لتحقيق مكاسب سياسية ترفع شعبيتهم داخليا وتدعم توسيع نفوذهم خارجيًا، سرعان ما تلقى الضربة تلو الأخرى، سواء بالهزائم التى تلقاها الحوثيون فى اليمن، أو بالقرار البريطانى فى 25 فبراير بحظر حزب الله اللبناني، وتصنيفه منظمة إرهابية، ما يحد من أنشطة الحزب الهدامة فى المنطقة والعالم ويفرض قيودًا جديدة على مصادر تمويله.
لعل ما يزيد الأمور سوءًا لرجال الدين «الملالي»، الذين يحكمون فى طهران، أن حزب الله تحديدًا يعتبر الذراع الطولى الذى تعتمد عليه إيران لتنفيذ مخططاتها التوسعية فى المنطقة ومحاولة إعادة الامبراطورية الفارسية، ولذا فإن الخطوة البريطانية، كانت بمثابة ضربة قاصمة لطهران، لأنها فى حاجة ماسة لورقة قوية للمساومة بها مع أمريكا ومن ورائها إسرائيل، خاصة بعد تزايد الغارات الإسرائيلية على قواتها وميليشياتها فى سوريا، واعتمادها بشكل كامل على حزب الله فى الانتقام، إلا أن هذا السيناريو أصبح صعب المنال، بعد قيام تل أبيب بتدمير الأنفاق التى حفرها الحزب على الحدود بين لبنان وإسرائيل، وقيام بريطانيا أيضا بحظر الحزب، ما جعله عاجزًا على الأقل فى الوقت الراهن عن الإقدام على أى سلوك متهور، قد يجر عليه الويلات، ويوسع من حظره دوليًا.
وبإلقاء نظرة أيضًا على استقالة ظريف وما أثير حولها من تكهنات، يتكشف أكثر حجم الفوضى والارتباك فى المشهد السياسى الإيراني، وأن الأسوأ لا يزال فى الطريق، وقد ينتهى الأمر بثورة شعبية عارمة مدعومة دوليًا تطيح بنظام الملالي، الذى تاجر بالدين لتحقيق مكاسب سياسية وأنفق المليارات من أموال الشعب الإيرانى على ميليشيات خارج الحدود، ولم يجلب سوى الفقر والأزمات لشعبه والكوارث للمنطقة.
وكان ظريف، قدم بشكل مفاجيء استقالته، عبر تدوينة على موقع «انستجرام» للتواصل الاجتماعي، وقال فى نص التدوينة إنه أعلن عن استقالته لعجزه عن الاستمرار فى أداء مهامه، وأضاف «أعتذر عن التقاعس والتقصير خلال فترة خدمتى كوزير للخارجية، وأشكر الشعب الإيرانى والمسئولين».
وفى وقت لاحق، قال ظريف فى حوار نشره موقع جريدة «انتخاب» المحسوبة على ما يسمى المعسكر الإصلاحى فى إيران، إنه بعد نشر صور المقابلة بين مرشد الجمهورية على خامنئى والرئيس السورى بشار الأسد فى طهران فى ٢٥ فبراير الماضى دون حضوره، «لم يعد هناك أدنى احترام لوجوده فى منصب وزير الخارجية»، وفيما ركزت وسائل إعلام إيرانية على تبرير الاستقالة بأن ظريف شعر بالغضب لأن وزارة الخارجية لم تكن على علم بزيارة الأسد، كما تم استبعاده من اللقاء الذى جمع الرئيس السورى بالمرشد خامنئى والرئيس حسن روحاني، إلا أنه سرعان ما نشرت صحيفة «جمهورى إسلامي» الإصلاحية على لسان ظريف قوله قبل تقديم استقالته، إن الصراع بين الأحزاب والتيارات يعتبر بمثابة «سم قاتل» يدمر السياسة الخارجية، مطالبا بإبعاد وزارة الخارجية عن السجالات الداخلية، وذلك فى تعليق ضمنى على رفض النواب المحسوبين على التيار المحافظ المتشدد فى البرلمان الإيرانى المصادقة على المعاهدة الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، والتى تصر أوروبا على مصادقة إيران عليها للمضى قدما فى وضع آلية مالية مشتركة لإنقاذ الاتفاق النووى والتخفيف من تداعيات العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني.

وكانت طهران تعهدت منتصف ٢٠١٨ لـ«مجموعة العمل المالى الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب»، بالانضمام إلى هذه المعاهدة، للخروج من القائمة السوداء، التى تجعل المستثمرين الأجانب يحجمون عن التعامل معها.
وفى يونيو ٢٠١٨، أعطت مجموعة العمل المالى الدولية مهلة لطهران حتى أكتوبر من العام ذاته، لإكمال الإصلاحات وإلا ستواجه تداعيات قد تزيد عزوف المستثمرين عن البلاد المتضررة من عودة فرض العقوبات الأمريكية عليها.
ويعارض النواب المحافظون فى البرلمان الإيرانى تشريعا ينص على الالتزام بمعايير مجموعة العمل المالى الدولية، لأن ذلك يعرقل الدعم المالى الذى تقدمه إيران للميليشيات الموالية لها خارج الحدود، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، ويحد من نفوذها فى المنطقة، ونقلت وكالة أنباء «ميزان» الإيرانية فى ١٨ أغسطس ٢٠١٨ عن عباس على كدخدائي، المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، «أعلى هيئة رقابية فى البلاد»، والذى يفحص التشريعات التى يقرها البرلمان، للتحقق من موافقتها للدستور، قوله إن المجلس اعترض على أربعة بنود فى تعديلات مكافحة غسيل الأموال، وأعاد التعديلات إلى البرلمان.
وبالإضافة إلى امتعاض ظريف من رفض النواب المحافظين الموافقة على المعاهدة الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، كشف موقع «المونيتور» الأمريكى فى ٢٦ فبراير عن أمر آخر قد يكون السبب الرئيسى لاستقالة ظريف، وهو احتجاجه على قرار إيرانى وشيك بالانسحاب من الاتفاق النووي.
وكان ظريف الذى يوصف بأنه مهندس هذا الاتفاق النووي، ترأس منذ ٢٠١٣ الوفد الإيرانى خلال المفاوضات مع الدول الكبرى والتى دامت لأكثر من عامين، والتى توصلت إلى الاتفاق النووى الذى أعلن عنه فى يوليو ٢٠١٥، قبل انسحاب الولايات المتحدة منه فى مايو ٢٠١٨، 
وسعى الأوروبيون إلى الحفاظ على الاتفاق، بعد الانسحاب الأمريكي، وعملت وبريطانيا وفرنسا وألمانيا مع ظريف على آلية اقتصادية للالتفاف على العقوبات الأمريكية بهدف إنقاذ الاتفاق، إلا أنها تتطلب وقتًا طويلًا من العمل بين إيران وأوروبا لتدخل حيز التنفيذ، هذا فيما صب التيار المحافظ جام غضبه على ظريف وحمله مسئولية عودة العقوبات الأمريكية، وتضييع ما سماها ٦ سنوات من المفاوضات العبثية مع الغرب.
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سي» فى ٢٧ فبراير أن ظريف مهندس الاتفاق النووي، والمحسوب على التيار الإصلاحي، كان يقود جهودًا دبلوماسية مكثفة لإنقاذ الاتفاق، ولكنه يواجه ضغوطا هائلة من المتشددين فى إيران والذين لم يحبوه يوما ولم يثقوا فى مفاوضاته مع الغرب، ويسعون للانسحاب من هذا الاتفاق، الذى يحد من قدرات طهران على تخصيب اليورانيوم.

وفى ٢٧ فبراير، قال النائب فى البرلمان الإيرانى عن التيار المحافظ، حسين نقوى حسيني، إن ظريف يتحمل مسئولية تعرض البلاد لعقوبات أمريكية، ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية «إيسنا» عن حسيني، قوله: «لقد مضت حكومة الرئيس حسن روحانى وشخص ظريف بالتفاوض مع الغرب لفترة ست سنوات، أفضت إلى عودتنا إلى أواخر الولاية الثانية من حكم الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد»، وذلك فى إشارة إلى تزايد العقوبات الأمريكية والغربية على إيران فى أواخر الولاية الثانية من حكم نجاد بسبب رفضه حينها التفاوض بشأن البرنامج النووى الإيراني.
وفيما تكشف التصريحات السابقة احتدام الصراع بين الإصلاحيين والمحافظين حول الاتفاق النووي، لم يستبعد البعض أيضا أن تكون استقالة ظريف بسبب عجزه عن الدفاع عن إيران ومحاولة تبييض صفحتها أمام الاتهامات المتلاحقة لها بنشر الإرهاب والفوضى فى الشرق الأوسط والعالم، والتى أجمعت عليها ثلاثة اجتماعات دولية، أولها، مؤتمر وارسو حول الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط الذى عقد فى العاصمة البولندية فى ١٣ و١٤ فبراير، ودعت خلاله الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف دولى لمواجهة النفوذ الإيرانى فى الشرق الأوسط، والثاني، مؤتمر ميونيخ للأمن الـ٥٥ فى ألمانيا، الذى عقد فى ١٥ فبراير، واستمر ٣ أيام، والثالث، القمة العربية - الأوروبية فى مدينة شرم الشيخ المصرية فى ٢٥ فبراير.
فالإدانات لإيران فى هذه الاجتماعات الدولية كانت قوية للغاية، وعجزت أمامها الدبلوماسية الإيرانية، عن تقديم حجج مقنعة للدفاع عن نظام الملالي، ودخلت إيران فيما يشبه العزلة الدولية، ولذا، وصف البعض استقالة ظريف بأنها كانت محاولة للقفز من السفينة الغارقة، وذلك قبل رفض استقالته وإجباره فيما يبدو على البقاء فى منصبه، حتى لا تحدث استقالات أخرى تعجل بانهيار النظام الحاكم فى طهران.
ولم تستبعد «بى بى سي» أيضا، أن تكون استقالة ظريف وظهور قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى خلال لقاء خامنئى والأسد، مجرد تكتيك ومناورة يائسة أخيرة من قبل نظام الملالى لابتزاز أوروبا ودفعها لتقديم تنازلات لطهران، وإلا، فإن الأخيرة ستنسحب من الاتفاق النووي، وستقدم على سياسة خارجية أكثر تشددًا، وستطلق العنان لميليشياتها فى المنطقة، تحت قيادة سليماني.
وبصفة عامة، وإلى حين الكشف عن حقيقة ما يحدث داخل إيران، وأيا كانت الأسباب وراء استقالة ظريف، فإن الأمر الذى لا يختلف عليه أحد، أن نظام الملالى يعانى أكبر أزمة داخلية وخارجية منذ وصوله للسلطة عام ١٩٧٩، ويحتاج لمعجزة لتجاوز هذه الأزمة، إن لم يكن قد فات الأوان.