الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اللحظة الأخيرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في ليلة بكى فيها القمر وخسف، ولم تطلع له شمس قط وقد كسفت، فكانت الحوادث المتفرقة، قد حصد أرواحا في مختلف محافظات مصر، ولعل الحدث الأكبر هو حادث القطار، الذي قطّع قلوبنا ونزفت دما، وما زالت تنزف ألما، نتيجة الاستهتار واللامبالاة، وخاصة من منظومة السكك الحديدية التي تحدث بها كوارث جمة، لولا ستر الله، وما خفي كان أعظم، فإن عدم التدريب المستمر لقواعد الجودة في التعامل والآثار المترتبة عنها وخاصة عوامل الأمن والسلامة، وتحديد المسئوليات الفردية والجماعية، يجعلنا نستمر دون أن نلتفت إلى عيوبنا، بيد أن تنمية العقل وتوسيع مداركه، واختيار من يقود المركبة بشكل واعٍ أهم بكثير من القيادة بمهارة، ففي إحدى الدول العربية، لا يمكن لقائد السيارة أن يعطى رخصة إلا بعد الخضوع لمقاييس نفسية ووضعه تحت الاختبار النفسي، فما بالك من قيادة قطار به مئات البشر يسير على شريطين من الحديد لمسافات طويلة.
إن الاستهتار بأرواح البشر يحصد الألم ويضّيع الأمل ويرجع بنا على الوراء بمسافات سرعة القطار المتقهقر للوراء، ويفتح فجوات الشماتة، واستغلال نقاط الضعف، على حد تعبير المثل القائل (بيت المهمل خرب قبل بيت الظالم) فقد تأتي النيران من مستصغر الشرر، وكل عام تحصد الأرواح البريئة وربما توافق شهر بعينه ففي العام الماضي 2018 في شهر فبراير وقع حادث تصادم بآخر بمنطقة كوم حمادة بمحافظة البحيرة وأسفر عن وفاة 12 وإصابة 39، ناهيك عن الحادثة التي نتحدث عنها وقد أسفرت عن 28 وفاة، وإصابة 52 شخصا، فكل عام تحصد الأرواح بأسباب يمكن معالجتها، بالمتابعة، والتفتيش الجيد على السائقين.
وحالات القطارات التي لا تسر عدوا ولا حبيبا؛ ولكن لا حياة لمن تنادي، فهل يستطيع الوزير الجديد أن ينسف المنظومة ويعيد هيكلتها، فإن بعض السائقين يتعاملون مع قيادة القطارات معاملة سائقي الميكروباص، فلا يهمهم أن يسوقوا مخدرين أو في حالة يقظة، ولا يشغلون بالهم إن عارضهم عارض في الطريق، فما يشغلهم فقط هو الوصول إلى نقطة البداية والنهاية بأي طريقة، كأنهم يحملون أسفارا لا يشعرون بالبشر الذي آمّنوا أرواحهم لهم، وتركوها بين قيادتهم فإذا بها هباءً منثورا؛ نتيجة السرعة والإهمال، فمنذ أعوام مضت والوابور يسير ببركة دعاء الوالدين وتحمد ربك أنك وصلت سليما معافيا، ولا تلتفت إلى تكسير عظامك الناتجة من التخبطات، وتشعر بأن ثلاثين من الرجال الأشداء قد ألقموك ضربات وكدمات ساخنة، فتكون بين الحياة والموت، فضلا عن كمية القاذورات والقطط والفئران التي عششت واتخذتها وكراً لها، فتكون العربة قد جمعت كل الكائنات الحية في سلة واحدة، وإذا كان القدر محتوما فيكون قدرا واحدا مساويا بضربة واحدة، فمنذ فيلم رصيف نمرة 5 صورة السكة الحديد لم تتغير رغم مرور سنوات كثيرة، وكأن هذه المنظومة تحافظ على الآثار، ألا يمكن أن نخرجها إلى المعاش، وكفى إزهاقا للأرواح، لقد مهدت الدولة الطرق تمهيدا رائعا للسيارات، فما قيمة السكك الحديدية اللهم في نقل البضائع فقط، ولعل العيب الرهيب فيها أنها تمر وسط المساكن والأسواق، فيكون الخطر الأكبر، نحن نحتاج إلى معجزة لإصلاح تلك المنظومة المتهالكة، فما قيمة أن نستمر فى التعامل معها وبها قطارات مهملة وسائقون غير مدربين على كيفية المحافظة على آدمية البشر؟! ما قيمة أن تملك شيئا لا تحافظ عليه؟!