السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

الدكتور زين نصار يتحدث لـ"البوابة نيوز": أغاني المهرجانات "سرطان" يُهدد عالم الغناء.. التأثير السلبي للفن الهابط أقوى من المخدرات.. الغناء الفاسد مؤامرة على الفن المصري وله من يدعمه ويشجعه

الدكتور زين نصار
الدكتور زين نصار يتحدث لـالبوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تصاعدت حدة التوتر خلال الأيام القليلة الماضية حول أغانى المهرجانات، والصراعات الدائرة بين مقدميها، وما تمثله هذه الألوان من إسفاف يُسيء للذوق العام، سواء على مستوى الكلمات الماجنة، أو الألحان الهابطة التى تسبب التلوث السمعي، الأمر الذى دفع العديد من متذوقى الفن الأصيل للترحم على الفنانين العظام من أيام الزمن الجميل، وما قدموه من أعمال فنية خالدة خُفرت فى وجدان المجتمع المصرى والعربي، كما طالب العديد من منتقدى هذه الظواهر الصوتية والغنائية السلبية، بضرورة إيجاد حلول لما سموه «الكوارث» التى تُشوّه الفن المصرى وتدفعه نحو الهاوية.
«البوابة» أجرت حوارها مع الدكتور زين نصار، أستاذ النقد الموسيقى بأكاديمية الفنون؛ وأحد شيوخ النقد الموسيقى فى مصر والعالم العربي، والذى تحدث عن الظاهرة، ومدى ضررها وتأثيرها السلبى على الفن والمجتمع المصري، وسبل مواجهتها، وما يجب على الجهات المعنية أن تتخذه للحد من هذه السلبيات الكارثية، كما تحدث عن التكنولوجيا الحديثة ودورها فى الترويج لهذه الأصوات، وبرامج المواهب ودورها فى تقديم فنان حقيقى مقارنة بالإذاعة المصرية قديمًا، وأهمية المسرح الغنائى وضرورة عودته مرة أخرى.
وإلى نص الحوار..


■ كيف ترى ظاهرة أغانى المهرجانات؟
أرفض هذا النوع من الأغانى تمامًا، وأعتبره نوعا من السرطان فى عالم الغناء، نظرًا لاستخدام الألفاظ غير اللائقة، واستخدام الموسيقى الإلكترونية، وهذا لون من الغناء لا تليق بمصر ولا بالمصريين الذين تعودوا على سماع روائع الغناء والطرب الأصيل.
■ كيف ترى دور الرقابة فى مواجهة هذه الظواهر الغنائية؟
دور الرقابة متغيب تمامًا نظرًا للظروف التى تمر بها الدولة وكلّنا يعلمها جيدًا؛ وهنا يجب أن نشير إلى أن الغناء سلاح خطير يؤثر فى الناس بشكل كبير، خاصة الشباب والأطفال، ومثل هذه الأغانى تمثل الضرر الأكبر على المجتمع من شباب وأطفال، الغناء والفن له رسالة تهدف إلى الرقى بالمشاعر الإنسانية، وهو ما عشناه فى عصر الكبار أمثال «عبدالوهاب وأم كلثوم ومحمد فوزى ومحمد رشدى وغيرهم»، ممن أسعدونا وملأوا حياتنا طولًا وعرضًا بالفن الأصيل فى مصر والعالم العربي؛ فالقوة الناعمة المتمثلة فى الفن تعد أهم ما تملكه مصر وفى مقدمتها الأغاني، لأنها الأسرع تجهيزًا وتقديمًا للجمهور مقارنة بالأشكال الفنية الأخرى مثل المسرحيات والأفلام والأعمال الدرامية.
لذلك تأثير الأغانى قوى وواضح جدًا لدى الجمهور، وهنا يجب أن نُشير إلى أن التأثير السلبى للأغانى أقوى من تأثير المخدرات، فبناء المجتمعات أو هدمها يكون من خلال كلمات الأغاني، وأسهل طريق لهدم مجتمع يكون من خلال الأغانى الهابطة وكلماتها المُسفّة، وهو ما نشهده ونلاحظه طوال الوقت من خلال «التكاتك» التى تُجبرنا على سماعها رغمًا عنّا، وهناك جهتان مسؤولتان عن هذا الانفلات الفنى أولهما نقابة الموسيقيين باعتبارهم أهل المهنة، ثانيًا الرقابة على المصنفات الفنية، ولنا أن نتساءل من أعطى هؤلاء الأشخاص تصاريح بالغناء؟، المؤكد أنهم يُغنون بدون تصاريح، ونحن هنا لا نحجر على الفن أو نحد من حرية الفنان، وإنما نُطالب بمراعاة أمرين أولهما تقاليد وأعراف المجتمع فيما يخص كلمات الأغاني، وثانيهما الهوية المصرية من خلال منتجه الموسيقى الذى يُقدمه للجمهور، فالحرية لا تتعارض مع الفن، وإنما تتعارض مع إفساد خلق الله وإفساد الذوق العام، وهذا أمر مرفوض.


■ هل هناك ضوابط لدى نقابة الموسيقيين لحسم هذا الأمر؟
بالتأكيد؛ نقابة الموسيقيين لها الحق أن تمنع كل من لا يمتلك تصريحًا عن ممارسة الغناء، وحتى إن قام بالغناء يحق للرقابة على المصنفات أن توقفه وأن تُخّضعَه للقانون، فهاتان الجهتان المسئولتان غير مدركتين مدى التأثير السيئ والسلبى لهذه النوعيات من الأغانى على المجتمع والناس، فما معنى يدفع شخص ما رسوم التصاريح ويعيث إفسادًا فى الذوق العام للمجتمع؟، فالفن كما قلت له تأثير على المجتمع، فالمغنى لا يقدم أغانيه فى الفراغ، فهذا إفساد عن عمد، ولنا أن نتساءل من يَدعم هؤلاء الأشخاص لإنتاج أغنياتهم؟
■ هل للتقدم التكنولوجى دور فى صناعة الموسيقى؟
التقدم التكنولوجى فى صناعة الموسيقى أمر جميل جدًا ويُحترم، حيث تضاعفت الإمكانيات فى الاستوديوهات بشكل لافت وظهر استخدام الآلات الكهربائية، كالأورج الكهربائى وغيره، وجميعها أصوات مصنوعة، جميل أن نستخدمها ولكن بشكل فيه ترشيد وإلا تحولت لمفسدة للموسيقى العربية الأصيلة، فهذه الآلات تقدم موسيقى ولكنها جوفاء وبلا روح فنى حقيقي، لذا يجب الحذر حين استخدامها وألا تكون هى الأساس فى صناعة الموسيقى.


■ هل ما نمر به هذه الأيام كبوة فنية، أم أننا سنظل نترحم على زمن الفن الجميل؟
كل عصر له جماله، على سبيل المثال فى أيام «سيد درويش وزكريا والقصبجي»، والجيل الثانى مثل «عبدالعظيم عبدالحق وعبدالعظيم محمد والموجى وكمال الطويل»، نجدهم لم يقلدوا من سبقهم، ولكنهم استقوا منهم أفكارهم، وأضافوا لمن سبقهم وقالوا كلمتهم، وكل فنان قدم الأعمال التى تُناسب جيله ووقته وعصره، وأود أن أؤكد أن الغناء الفاسد له من يُشجعه ويدعمه، حتى يُقال فى النهاية هذا هو الفن المصري، فالموضوع أشبه بالمؤامرة على الفن المصري، لإفساد الذوق العام، وكما أن الدولة المصرية تهتم بالبناء فى مختلف مناحى الحياة عليها أن تنظر إلى الفن لإعادة إصلاح ما فسد، وتقويم ما حاد عن المسار الأصيل المعروف عنه الفن المصري، والذى جعل بلدنا قبلة بلدان العالم العربى فنيًا فى الفترات السابقة، وأن يُنظر للأمر على أنه على درجة كبيرة من الخطورة، وأنه لا يقل أهمية عن غيره من الأمور التى تسعى الدولة لإعادة إصلاحها وبنائها؛ ومع هذا لدينا فى الوقت الحاضر فنانون شباب على مستوى عالٍ من الإبداع، أى أننا لم نعدم الإبداع، لكنهم قلة.
■ ما المشكلات التى طرأت على صناعة الموسيقى فى عصر التواصل الاجتماعي؟
نحن الآن فى عصر السموات المفتوحة، فمن السهل الآن أن يُنتج شخص ما أغنية ويقدمها للجمهور من خلال مواقع التواصل الاجتماعى دون الحاجة لمنتج، عكس ما كان يحدث من قبل، وبعض هذه الأغنيات قد يكون مُسفا وخارج عن الأعراف والتقاليد؛ هنا تكون المعُضلة من حيث عدم القدرة على منع هذه الأغنية، ولكن على الجانب الآخر يمكن أن يُوقّف مقدمها وتتم محاسبته، فلا توجد سيطرة بشكل كامل على الوسائل التكنولوجية الحديثة، ولكن يمكن السيطرة على صُناعها ومحاسبتهم، وأكرر مرة أخرى أنه لا حجر على الإبداع شرط مراعاة الضوابط وعدم الاساءة لأخلاقيات المجتمع، وهذه الأغنيات التى يتم بثها بدون ضابط عبر قنوات التواصل الاجتماعى بأشكاله المختلفة تُعد أبرز وأخطر المشكلات والتحديات التى تواجه صناعة الموسيقى والغناء فى الوقت المعاصر.


■ ما تقييمك لبرامج مسابقات الغناء؟
هذه البرامج تُقدم إبهارًا غير عادي، خاصة لمتابعيها فى المنازل عبر شاشات التليفزيون، ويتم خلالها تصفية المتسابقين إلى أن يفوز أفضل المتسابقين – حسب تقدير اللجنة – باللقب، ولكن هنا يأتى السؤال، ماذا بعد؟، ما الذى تُقدمه هذه البرامج للموهوب الذى حصل على اللقب أو حصد المركز الأول فى أحد المواسم؟ لا شيء، وقديمًا كانت الإذاعة المصرية تقدم برامج تهتم بالموهوبين من شعراء ومطربين وملحنين، وكان هناك لجان تقييم لهذه المواهب، بناءً على اعترافها بموهبة هذا الفنان الحقيقية، كانت الإذاعة توفر للمطرب كل ما يحتاجه لتقديم أغنيته، سواء كانت الكلمات أو الألحان.. ألخ، ومن هنا كان التقديم الحقيقى للمواهب الفنية من خلال تبنّيها، لذلك خرج العديد من المواهب من خلال الإذاعة المصرية ومنهم عبدالحليم حافظ على سبيل المثال، إضافة إلى فتح الإذاعة المجال أمام المواهب الحقيقية لتقديم نفسها من خلال حفلات التليفزيون وليالى أضواء المدينة؛ أما برامج اكتشاف المواهب الآن فهدفها الحقيقى هو العائد المادّي، وإلا ماذا فعلت هذه البرامج لمن اكتشفت أنهم موهوبون موهبة حقيقة؟!


■ أين ذهب المسرح الموسيقى؟ وهل يمكن أن يعود مرة أخرى؟
بالطبع؛ من الممكن أن يعود المسرح الموسيقى مرة أخرى، وكتبت منذ العام ٢٠٠١ مقالات بعنوان أين المسرح الموسيقى المصرى بدار أوبرا القاهرة؟، وليس بالضرورى أن يقدم المسرح الموسيقى فى دار الأوبرا تحديدًا. نحن لدينا تراث مسرحى غنائى يجب أن يُعاد تقديمه، وإلا كيف سيعرف الشباب هذا التراث الهائل؟، وهذا التراث المهم جزء كبير منه مسجل بالإذاعة تسجيلًا إذاعيًا، المؤلف الموسيقى محمد حسن الشجاعي، عندما كان مستشار الموسيقى بالإذاعة المصرية ما بين الأعوام ١٩٥٣ و١٩٦٣، أدرك أن تراث المسرح الموسيقى من الممكن أن يندثر، فكان فى ذلك الوقت يُسجل المسرح الغنائى ومنه أعمال للفنان سيد درويش، والفنان داوود حسنى وزكريا أحمد وغيرهم، وهذه الأعمال مسجلة تسجيلًا إذاعيًا؛ إذن النص الموسيقى مسجل صوت، ومن الممكن وبشكل رسمى تقوم جهة رسمية بإعادة تقديم هذا التراث مرة أخرى، لو أن هناك إرادة لذلك.
حتى المسرحيات الغنائية المسجلة تليفزيونيًا لا يُعاد تقديمها، ومن هنا أطالب بإعادة تقديم المسرح الموسيقى مرة أخرى، لأن أغلب الأجيال الجديدة لا تعلم عنه شيئا، فعندما كنت أسأل بعض الأصدقاء عن أسباب عدم تقديم هذا التراث كان الجواب أنه لا توجد ميزانية لتقديم هذا التراث، فلماذا لا يتم توفير ميزانية لإعادة إحياء هذا التراث المهم كما توفر الميزانيات لغيره من الأمور؟، وفى حال التقديم نبدأ بالمسرحيات الغنائية الشهيرة التى سبق تقديمها مثل العشرة الطيبة وليلة من ألف ليلة وشهرزاد وغيرها، والأمر لا يحتاج أكثر من إرادة وميزانية وعقول تُنفذ.